دراساتصحيفة البعث

آمال ما بعد كورونا

ريا خوري

ما زالت منظمة الصحة العالمية تعد العالم بأنه غداً سيتمّ القضاء نهائياً على كورونا، لكن في الوقت نفسه تطالب بمضاعفة الجهود المبذولة لتخليص العالم من مضاعفات هذا الوباء القاتل. وهكذا تستمر منظمة الصحة العالمية منذ العام الماضي وهي تردّد مقولاتها ومطالبتها البشرية أن تتعلّم كيفية التعايش مع الفيروس، ومنعه من الانتشار، ووقف ارتفاع حالات الإصابة به، مؤكدة أن الوباء لن يختفي في أي وقت قريب، وستظهر سلالات جديدة متنوّعة وغير معروفة من قبل. لذلك سيظل الوباء يلاحقنا في الغد أيضاً، وهي صدمة كبيرة كانت منتظرة بعد أن أودى الفيروس بحياة نحو أربعة ملايين إنسان، وطال نحو ١٨٠ مليوناً في مختلف دول العالم. هذا هو الرقم المعلن وما خفي كان أعظم.

يعتبر فيروس كورونا هو الأكثر إيذاء للإنسانية، فقد نال مختلف جوانب حياة البشر، وقُدّرت خسائر الاقتصاد العالمي بأرقام فلكية، حيث قدّرها صندوق النقد الدولي في نهاية العام ٢٠٢٠ بثلاثة عشر تريليوناً من الدولارات، في حين وصلت تقديرات خبراء اقتصاديين عالميين إلى ٣٥ تريليوناً، وتضاعف عدد الفقراء بشكل مخيف حول العالم، وقلّت فرص العمل بشكل غير معهود، وفقدت وظائف قُدّرت بالملايين على مساحة الكرة الأرضية، وأغلقت شركات، وانهارت اقتصادات دول، وأجّلت خطط تنموية بعد أن تحوّلت نسب النمو إلى نسب تراجع لافتة.

والأخطر من كل تلك الخسائر هو التغييرات السلبية التي أحدثها الفيروس في السلوك الجمعي الإنساني، حيث امتدت تأثيراته الخطيرة إلى معظم سكان الكوكب، إن لم يكن إلى كل المليارات الثمانية. فكل شخص ضربه داء الخوف والرعب والهلع من كل ما يحيط به، ابتداءً من الهواء الذي يتنفسه والملابس التي يرتديها والأدوات التي يستخدمها، والسلع التي يشتريها، وجميع الناس الذين يشاركهم الحياة اليومية.

التردّد والإحجام عن التقدم آفة أصابت الجميع، وازدادت انتشاراً، فقد أصاب الكثيرَ من البشر داء التردّد في اتخاذ أي قرار، مثل التردّد بشأن لقاء الأهل والأصدقاء والأحبة، والتردّد عند الخروج لإنجاز مهمة ضرورية. وبعد أن كان الناس ينتظرون الصيف باعتباره موسم الإجازات والسفر والسياحة، ها هو الصيف قد حلّ وكثيرون يتردّدون في اتخاذ القرار المناسب بشأنه، فالجميع يلتزم بتعليمات وزارة الصحة في بلده، وتعليمات منظمة الصحة العالمية.

في المقابل انتشر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مضاعف مئات المرات. وانتشرت اللقاءات والمحاضرات والندوات على الزوومِ، وأصبح الاطمئنان على الأهل والأقارب إلكترونياً، والتواصل مع الأصدقاء افتراضياً، فقد تآلف الإنسان مع العمل والدراسة وتنظيم الفعاليات عن بُعد، وكأن حياتنا ما قبل الفيروس أصبحت غريبة عنّا، ولا رغبة في استعادتها من جديد.

ومثلما بذلت الدول مجهوداً كبيراً في بداية الجائحة لتعويد الناس على عدم الخروج من منازلهم، سيكون عليها أن تبذل مجهوداً قد يكون أكبر ومضاعفاً لإغراء الناس للخروج والسفر والانطلاق والتعايش من جديد، ولعلّ العروض التي تقدمها شركات الطيران، والفنادق، ومكاتب السياحة والسفر هي بداية المغريات التي ستقدّمها قطاعات مختلفة لاستعادة إنسان ما قبل كورونا. والآن مع توفر اللقاحات، وبعد أن يقبل الناس على التطعيم، ويتخلصوا من الأفكار الهدامة التي روّجها البعض!.