دراساتصحيفة البعث

آسيا تتخلص من قبضة الغرب

عناية ناصر 

 تشير السياسة العالمية، من نواح عديدة، إلى بدء “القرن الآسيوي”. وحتى النقاش، حول أن الغرب لم يعد يتحكم بآسيا، بات يحظى بشعبية كبيرة.

لتوضيح هذه النقطة، يجب أن ننظر أولاً إلى ما إذا كان النظام المهيمن في آسيا قد تغيّر بشكل كبير.

تاريخياً، أسس الغرب النظام الحالي في آسيا، وهو بالتالي امتداد للنظام الغربي، فقد أنشأت الدول الصناعية الغربية مجموعة من الأنظمة خدمت مصالحها بطرق مختلفة. ولكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم إصلاح هذا النظام من خلال إضفاء الطابع المؤسسي، خاصة أن المركز المهيمن للغرب في آسيا لم يتأثر بالحرب الباردة.

فيما يتعلق بالنظام السياسي، استمر النظام القائم الذي تم إنشاؤه تحت قيادة الولايات المتحدة بالتأثير إلى حد كبير بالتطور السياسي في آسيا، فقد تلقت نخب سياسية عديدة من الاقتصادات الناشئة في آسيا تعليمها في الغرب، وعندما عادت روّجت لعملية التحول في بلادها كحليفة رئيسيين للولايات المتحدة والأنظمة الغربية، وبعض القوى الإقليمية، ومع مرور الوقت، بالكاد تستطيع هذه الدول التخلص من نفوذ الغرب عند اتخاذ القرارات بشأن الشؤون الإقليمية الرئيسية، وبالتالي أصبحت حجر عثرة  في طريق الاستقلال الاستراتيجي للدول الآسيوية.

وفيما يتعلق بالنظام الاقتصادي، أصبحت الاقتصادات الناشئة في آسيا، ممثّلة بالصين والهند ورابطة أمم جنوب شرق آسيا، قوى مهمة بشكل متزايد، لكن الهيكل الاقتصادي للدول الآسيوية لايزال يحمل بصمة غربية من الصعب إخفاؤها.

أولاً، كانت إحدى نتائج الحكم الاستعماري الغربي أن آسيا أصبحت مجرد مصدر للمواد الخام للغرب، وهذا الوضع لم يتغيّر جذرياً بعد، ففي نظر الدول الغربية وشركاتها، تظل آسيا مركزاً للتصنيع منخفض التكلفة يتطلب عمالة كثيفة، ومصدراً للعمالة الرخيصة، وسوقاً واسعة للسلع.

ثانياً، بصفته اللاعب المهيمن في النظام الاقتصادي العالمي، فإن الغرب بارع في فرض قواعده ومعاييره الاقتصادية لتشكيل النظام الاقتصادي والتجاري الإقليمي. على سبيل المثال، بعد أن تولى جو بايدن منصبه، واصل السياسات التجارية للإدارة السابقة لدونالد ترامب تجاه الدول الآسيوية، بما في ذلك فرض التعرفات والعقوبات وتقييد الواردات.

ثالثاً، ما زال العديد من دول المنطقة يعتبر العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية إحدى أولوياته، وبسبب التنافس على الهيمنة الإقليمية، تحاول بعض الدول السيطرة على الأجندة الاقتصادية الإقليمية بدعم من الغرب، ولذلك تتجاوب مع مطالب الغرب الاقتصادية.

ومن حيث النظام الأمني​​، لاتزال آسيا غير خالية تماماً من السيطرة العسكرية الغربية، بل إن الوجود العسكري الغربي القوي هو أهم حجر عثرة أمام استقلال آسيا، إذ لا يمكن لآسيا أن تحقق تنمية مستقلة مادام هناك وجود عسكري غربي في المنطقة، ومع ذلك، بدأت دول آسيا تدرك أن الميل نحو الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالكامل من حيث الأمن ليس في مصلحتها على المدى الطويل، وهذا هو السبب في مقاومتها لتدخل القوات الأجنبية في القضايا الإقليمية.

وهكذا، بشكل عام، وبالتوازي مع تعزيز آسيا لنفوذها السياسي والاقتصادي، تنمو قوة الاستقلالية لهذه المنطقة، لكن الغرب ضيق الأفق غير راغب في التخلي عن هيمنته في المنطقة، أو التخلي عن المكاسب الكبيرة التي تنبع من هيمنته، ولايزال يحاول التدخل والتأثير في الشؤون الإقليمية بشتى الطرق.

كانت إدارة ترامب تحاول ربط آسيا بأكملها بمركبة منافستها الاستراتيجية مع الصين. ولكن مع تقدم عجلة التاريخ، أصبحت آسيا مركز العالم، ومن المستحيل العودة إلى العصر الذي كانت تحكم فيه من الغرب؛ وهذا ما يتجلى في الرغبة المشتركة للدول الآسيوية في أن تقرر شؤونها بنفسها. وفي المقابل، أصبح الغرب بالفعل في حالة من الصعب عليه لعب دور الأنموذج العالمي بعد الآن، ولذلك يمكن القول إن الاستقلال الكامل لآسيا سوف يتحقق في وقت قريب.