رأيصحيفة البعث

نقاط تحوّل!!

أحمد حسن

في المبدأ لا يمكن غض النظر عن الترابط الموضوعي، و”الخطي”، بين ارتفاع عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي إلى الرقم أربعة خلال أسبوعين فقط، وبين اعتماد القرار رقم “2585” بشأن تمديد دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية، فهما معاً -القرار والعمليات- يعدّان نقطة تحوّل لها ما بعدها في مسار الأزمة السورية.

والحال فإننا إذا نظرنا إلى الأمرين معاً، أو إلى كل منهما بمفرده أيضاً، نجد أنهما يشيا بـ”لغة” جديدة تعكس حقائق ووقائع كرّستها عوامل عدّة يأتي على رأسها الصمود السوري في وجه هذه الموجة العالمية العاتية، فليس عابراً أن يتضمن القرار المذكور “كل الجوانب التي كانت الدول الغربية ترفض تناولها” سابقاً، وليس عابراً أيضاً أن يشدّد “على إيصال المساعدات الإنسانية من الداخل السوري وليس فقط من المعابر” وأن “يُسلِّم بأن الأنشطة الإنسانية هي أوسع نطاقاً من مجرد تلبية الاحتياجات الفورية للسكان المتضررين، وينبغي أن تشتمل على تقديم الدعم للخدمات الأساسية من خلال مشاريع الإنعاش المبكر في قطاعات المياه، والصرف الصحي، والصحة، والتعليم والإسكان”.

بالتوازي مع ذلك يمكن القول إنه ليس عابراً أيضاً أن تتزايد عمليات المقاومة الشعبية ضد المحتّل الأمريكي بهذه الوتيرة المتسارعة وفي هذه المرحلة تحديداً.

للجِدّة أوجهٍ عدّة هنا. عبارة “الإنعاش المبكر” مثلاً هي إحدى العبارات الدّالة التي تلفت النظر في القرار. مواقع الاستهداف المقصودة وتواتر العمليات وتسارعها هو ما يلفت النظر في عمليات المقاومة. هذان أمران لافتان ويبدو أنهما متلازمان أيضاً، فـ”الإنعاش المبكر” هو تورية لغوية واضحة لإخفاء، وتجميل، تراجع أمريكي، ولو غير كامل، عن “فيتوات” سابقة، وقاطعة، في مجال إعادة الإعمار. أثر ذلك الأول غض النظر عن إعادة العلاقات، العربية تحديداً، مع دمشق بل منحها دفعة للأمام. الاستهداف ومواقعه هو قول صريح، لا تورية فيه، عن ازدياد ثقة المقاومين بقوتهم وقدرتهم، وأكثر من ذلك أيضاً، عن تغيّر حقائق ومواقف وموازين قوى إقليمية ودولية في الوقت الحالي.

بيد أن لـ”القرار” أيضاً خلفيات ونتائج جيوسياسية أبعد مدى وأعمق غوراً، فهو، أي القرار، لم يكن لينجز في هذه المرحلة لولا اندراجه في سياق أوسع له طابع محدّد يتمثل بازدياد الاختراقات التي تصيب الخطوط الحمراء الأمريكية في أماكن عدّة، وبما يخصنا فإذا كان من الصحيح أن اتفاق روسي أمريكي قد حصل سابقاً بشأن سورية -القرار “2254”- لكن ظروف اتفاق اليوم وبيئته السياسية مختلفة عن ظروف وبيئة سابقه، ما جعله يضمر، بل ويفصح، في منطوقه وتعابيره عن تنازلات أمريكية واضحة حتى عن مضامين قرارات أممية أو اتفاقات دولية كانت واشنطن خلفها– فيه مثلاً “طي” واضح لبنود مجحفة لدمشق تضمّنها القرار الشبيه الأول الذي صدر عام 2014 – خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأسقف العالية التي سبقته ورافقته خلال الشهور والأيام التي سبقت إصداره، بما يجعله يبدو، في النهاية، وكأنه، وهو كذلك، أحد بنود حوار سياسي متقدم وشامل بين واشنطن وموسكو يتناول شؤوناً عدّة ومواضيع مختلفة في سياق عالمي أكبر وأوسع.

بالمحصلة، يبقى “القرار” و”المقاومة”، بصورة أو بأخرى رهينا عوامل عدّة، منها تغيرات البيئة السياسية العالمية، لكن منها أيضاً إرادة السوريين، ولأنهما مترابطان بصورة كاملة، ولأن الأصل للمقاومة، فإن إرادة السوريين تتقدم على ما عداها. بدونها لن يكون لأي شيء انعكاس إيجابي عليهم، لذلك فإن تجذّرها وترسّخها، وترسيخها، في الوعي الشعبي هو ضمانة لأن نحصل في كل مرة على “قرار” أفضل من سابقه، ولنزيد، بالتالي، من نقاط التحوّل في طريق المعافاة من سنوات الجمر السابقة.