“المعجزة الصينية” لها محركان: التقاليد الثقافية الوطنية والحزب الشيوعي الصيني
“البعث الأسبوعية” متابعات
حان الوقت لإعادة قراءة “النجم الأحمر فوق الصين”، لمؤلفه إدغار سلو، الكتاب الكلاسيكي حول ولادة الحركة الشيوعية في الصين؛ فقد كان مطلوباً للقراءة، خلال أول موجة من الحماسة الثورية الطلابية، جنباً إلى جنب مع “عشرة أيام هزت العالم”، لجون ريد، قصة الثورة البلشفية.
ثم هناك عمل آخر، “تشريح الثورة” (1939) للمؤرخ الأمريكي المؤرخ كرين برينتون، والذي يوضح بالتفصيل القواسم المشتركة للثورات السياسية الكبرى الأربع – الثورة الإنجليزية في أربعينيات القرن السادس عشر، والثورة الأمريكية، والثورة الفرنسية. والثورة الروسية عام 1917. توصل برينتون إلى أن الثورات اتبعت دورة حياة انتقلت من النظام القديم إلى نظام معتدل، ثم إلى نظام راديكالي، ومن ثم تراجع العنف الثوري وبناء الاستقرار.
قارن برينتون ديناميكيات الحركات الثورية بتطور الحمى. ظهر كتابه قبل عقد كامل من الثورة الصينية. ومع ذلك، على الرغم من تدفق الكثير من المياه تحت جسور نهر “يانغ تسي” منذ أن ترسخ “مطلب بناء الاستقرار”، فإن المفاهيم الدرامية والتربوية التي تركتها الثورة في الصين لا تزال حية إلى حد كبير.
ليس هناك شك في أن الحزب الشيوعي الصيني، الذي صادفت ذكراه المئوية في الأول من تموز 2021، لديه الكثير ليحتفل به. لقد استغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة عقود بعد الثورة (1949) لكي يدرك أن التنمية، وليس الإيديولوجية، هي السبيل للمضي قدماً.
وعلى حد تعبير دنغ شياو بينغ: “لا يهم ما إذا كانت القطة سوداء أو بيضاء، طالما أنها تصطاد الفئران”ح فقد أشارت هذه الكلمات التاريخية إلى أن الصين كانت تغير مسارها وتشرع في مسار تنمية جديد جذرياً، وهو مسار ضروري للاستجابة للظروف الفعلية في البلاد في ذلك الوقت. لقد أدى إصلاح دنغ وانفتاحه، في العام 1978ن إلى تحرير الصين من قيودها الإيديولوجية.
عندما توفي ماو، عام 1976، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين أكثر، أو أقل، من نصيب الفرد في بنغلاديش. واليوم، تشعر الولايات المتحدة بالانزعاج الشديد لأن الصين هي بالفعل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو في طريقه لتجاوزها قبل نهاية هذا العقد.
ويقدر البنك الدولي أن الحزب الشيوعي الصيني قد انتشل 800 مليون شخص من الفقر المدقع خلال أربعة عقود، منذ العام 1978، وهو إنجاز مذهل في تاريخ البشرية. وفي عام 2012، تعهد شي جين بينغ، بصفته الأمين العام الجديد للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بأن 100 مليون شخص ما زالوا تحت خط الفقر سيرتقون السلّم بحلول عام 2020. وقد أوفى بوعده في كانون الأول الماضي: الصين خرجت الآن تماما من الفقر.
لتنفيذ برنامج التخفيف من حدة الفقر، من 2013 إلى 2020، اختار الحزب الشيوعي الصيني، وأرسل أمناء الحزب وأعضاء فرق العمل المحلية إلى المناطق الريفية النائية، من أجل التعرف بدقة على كل أسرة فقيرة، وكل قرية فقيرة، وتنفيذ أهداف محددة: مشاريع لتحسين حياتهم وسبل عيشهم.
إن نظام الدولة الحزبية الفريد هذا هو بالضبط ما يفسر الصعود السريع للصين. الحزب الشيوعي الصيني هو كلي القدرة في الصين، وأصبح مرادفاً للأمة والمجتمع والسياسة. باختصار، تنبع تنمية الأمة الصينية من السعي الحثيث لتحقيق الأهداف طويلة المدى التي وضعها الحزب الشيوعي الصيني.
يعتمد نظام الحزب على المسؤولين المثقفين والمختصين الذين وصلوا إلى القمة بفضل خبرتهم الميدانية في عدة مقاطعات. وتشكل هذه التجربة المحلية رؤيتهم الوطنية، ما يجعل القيادة جماعية، وتساعد على بناء توافق في الآراء بشأن القضايا الرئيسية في الدولة.
وبالفعل فإن هذا النظام يقوي التماسك، ويضمن استمرارية الحزب خلال عملية الانتقال من جيل إلى جيل. ويشهد الاجتماع المغلق للحزب الشيوعي الصيني في منتجع بلدة البيضاء على استمراريته وقدرته على إحداث التغيير المنظم، وهو أمر لا يمكن أن يضاهيه أي حزب شيوعي آخر في العالم.
تمثل الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني إنجازاً تاريخياً للصين يتجاوز بكثير توقعات معظم المراقبين الأجانب. وباختصار، لقد حقق الحزب الشيوعي الصيني هدفاً جماعياً مزدوجاً يتمثل في القضاء على الفقر، ومقاومة تحرش بعض الدول الأجنبية.
لم يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من تحقيق ذلك إلا من خلال تجنب العقائد الإيديولوجية للماركسية اللينينية، وتطوير “اشتراكيته ذات الخصائص الصينية”، من خلال عملية دائمة من التجريب والابتكار والتشكيك والتغلب على الأخطاء. ولا شك أن الحزب الشيوعي الصيني قد تعلم الدروس المناسبة من انهيار الاتحاد السوفييتي. لقد أدرك الحزب الشيوعي الصيني أن شرعيته السياسية تكمن في نهاية المطاف في بناء اقتصاد قوي، ورفع مستوى معيشة الشعب باستمرار، في مناخ من الاستقرار والقدرة على التنبؤ. واليوم، الأمة مفعمة بالأمل بغد أفضل.
ولا يمكن تصنيف الحزب الشيوعي الصيني أو مقارنته بأي حزب سياسي آخر في التاريخ؛ فإلى جانب العدد الكبير من أعضائه (95 مليوناً)، هو فريد أيضاً في سماته؛ وإلى جانب كونه قوة سياسية هائلة، هو يحدد أيضاً الشكل المؤسسي للصين وشكل الدولة. وعلى عكس الغرب، حيث لا يأمل الحزب إلا في الحفاظ على توازن القوى السياسية لفترة معينة من الزمن، اضطلع الحزب الشيوعي الصيني بمهمة قيادة الشعب الصيني جيلاً بعد جيل. ومن الواضح أن الحزب يتجاوز الإطار المعرفي الذي توفره المعرفة والخبرة السياسية الغربية.
في مقال افتتاحي لها قبل أيام، كتبت صحيفة “الشعب” اليومية: “في أكثر اللحظات حرجاً في العصر الحديث، تحول الشيوعيون الصينيون إلى الماركسية اللينينية. ومن خلال تكييف نظرياتهم مع الظروف الفعلية في الصين، أعاد الشيوعيون الصينيون تفعيل الحضارة العظيمة التي أنشأتها الأمة على مدى آلاف السنين، باستخدام قوة الحقائق الماركسية. وتألقت الحضارة الصينية مرة أخرى بقوتها الروحية الهائلة. بعد مائة عام، غيرت الماركسية الصين بشكل عميق، كما أثرت الصين على الماركسية بشكل كبير. ويدافع الحزب الشيوعي الصيني عن وحدة تحرر العقل والبحث عن الحقيقة، فضلاً عن وحدة التقاليد والابتكار، وفتح باستمرار آفاقاً جديدة للماركسية”.
ومع ذلك، فإن الصين ليست وصفة جاهزة. يتم تحديد مسار الحزب الشيوعي الصيني من خلال أسس الحضارة الصينية، التي تعود إلى آلاف السنين، والتي تطبع على الوعي الجماعي المعنى الخاص للنظام السياسي الموحد، وترفض المنافسة المدمرة والانقسامات الإقليمية، وتحافظ على الأمن القومي للمجتمع الصيني. إن “الشمولية” الهائلة للمجتمع الصيني التي يمثلها الحزب الشيوعي الصيني لا مثيل لها في العالم.
هذا هو السبب في أن من الوهم الاعتقاد بأن التجربة السياسية الغربية يمكن أن تغير الصين بالقوة، حيث يتنكر الغرب لصحة استكشاف الصين لمسار تنميتها. لا تقدم بكين الحزب الشيوعي الصيني كأنموذج لبقية العالم؛ وعلى العكس من ذلك، فإن استكشافات الحزب الشيوعي الصيني تتم على الأراضي الصينية، وليس في أي مكان آخر، ولا يزال الحزب يعتمد فقط على تجربته الخاصة في التحديث، فضلاً عن الموارد الداخلية للحضارة الألفية الصينية.
إذن ما هو هذا “الخدش” في المحيطين الهندي والهادئ؟ من الواضح أنه مظهر من مظاهر التنافس العدواني الذي نشأ جزئيا من الاستحواذ الاستثنائي للولايات المتحدة، ولكن قبل كل شيء الشعور المتزايد بالغيرة وعدم الارتياح من فكرة أن دولة أخرى تتقدم بسرعة، الأمر الذي قد يشير إلى نهاية الهيمنة العالمية للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من شجاعتها، فالحقيقة هي أن الولايات المتحدة تكافح من أجل المنافسة مع اقتصاد الصين الديناميكي والمبتكر وسريع النمو، والذي يحتل بالفعل المرتبة الأولى عالمياً في تكافؤ القوة الشرائية.
وقد غرد البروفيسور ستيفن والت من كلية هارفارد كينيدي قبل أيام: “العديد من خبراء السياسة الخارجية الأمريكيين قلقون بشأن صعود الصين. أنا أيضا. ولكن كم من هؤلاء الخبراء فكروا في حقيقة أن الصين لم تشن حروباً مع دول أجنبية، بينما تكتسب بثبات الثروة والسلطة والنفوذ؟”.
من حيث الجوهر، تواجه الولايات المتحدة مأزقاً خلقته لنفسها. استنزفت الحروب والتدخلات العسكرية غير الضرورية تريليونات الدولارات من الموارد التي كان من الممكن إنفاقها على ترميم وتجديد البنية التحتية الاقتصادية المتداعية في البلاد، وحل النزاعات الاجتماعية المتراكمة، مثل العنصرية الراسخة والعنف وعدم المساواة في الثروة والتفاوتات الاقتصادية، ناهيك عن النظام السياسي المختل، مع وجود قوانين انتخابية عفا عليها الزمن إلى حد شل تحرير السكان..
يوضح خطاب الرئيس شي، خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، في بكين، قبل أيام، أن الصين مصممة على عدم الاستسلام لجهود التخويف الأمريكية، كما قال إن “الأمة الصينية لا تحمل أي سمات عدوانية أو مهيمنة في جيناتها، لكنها لن تقبل أبداً التنمر الأجنبي أو محاولات القمع أو الاستعباد”. وباختصار، ستكون “الروح التأسيسية” للحزب الشيوعي الصيني التي طورها رواد الشيوعية في الصين طاقة يجب أخذها في الاعتبار في السياسة العالمية في المستقبل.