الصين مركز علمي واقتصادي قوي في العالم
ريا خوري
تعدّ جمهورية الصين الشعبية واحدة من أهم الاقتصادات الأنجح في العالم قاطبةً، نتيجة اتباعها أسلوباً خاصاً بها في الإنتاج والتوزيع، لذا نجد العديد يختلفون معها في الآراء حول الطرق والمسارات والمناهج الاجتماعية، والسياسات والحريات، والخطاب الديمقراطي وغيرها، لكن ورغم ذلك يعترف جميع العالم للصين بالتفوق والنجاح وفرض وجودها العلمي والاقتصادي في العالم بقوة.
الكتب والدراسات التي جعلت من الصين موضوعاً لها، خلال السنوات الأخيرة، كثيرة جداً، ولعلّ أحد أكثرها جدلاً وجذباً وإثارة للاهتمام، الكتاب الذي قدّمه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، تحت عنوان “عن الصين”، يتناول فيه تاريخ الصين منذ 2000 عام مضت. يقع الكتاب في 600 صفحة، موزعة بين 17 فصلاً. تناول كيسنجر في القسم الأوّل منها، ما سمّاه (تفرّد الصين، وصولاً إلى الألفية الجديدة)، يقول فيه: “إنَّ مشكلتها هي أنها تقع بين قوتين كبيرتين روسية وأمريكية، وبالتالي علينا مراقبتهما سوياً وربما مواجهتهما بقوة”.
ويؤكد هنالك فارق بين الطريقتين الأمريكية والصينية في العمل على الأرض، لأن للصين نظرة شاملة إلى الأوضاع الدولية، وهي تدرك ارتباط الأمور بعضها ببعض. أما الولايات المتحدة فتعالج القضايا الدولية العالقة بشكلٍ عام كل مشكلة على حده، أو كما يقول بعض السياسيين والمخططين الاستراتيجيين (على القطعة).
من جهتها تعمل الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من قوة على تصدير ثقافتها وقيمها إلى العالم، وهي قيم رأسمالية تخدم الإمبريالية العالمية، بينما الصين تكتفي بتقوية نفسها اقتصادياً وعسكرياً، لأن الصين القوية في دول آسيا هي أيضاً قوية على الصعيد العالمي دون شك، وترفض في الوقت نفسه الاعتداء على أراضيها وسيادتها وممتلكاتها. لا تعتقد الصين أبداً أنَّ لها مصلحة في استيراد النظريات من الخارج، لأنَّ الأفكار المهمة والجيدة تنبع منها وهي مصدرها الأوَّل والأساسي، لذا لا ضرورة بل ليس من مصلحتها أن ينهل أبناؤها العلم من خارج الصين فهي مصدر العلم والمعرفة.
يؤكد الكتاب تاريخياً أن الصين قوية جداً، كان الناتج المحلي الإجمالي الصيني أكبر من ناتج أي مجتمع غربي على الإطلاق. ففي عام 1820م أنتجت الصين نحو ثلاثين بالمئة من الناتج العالمي، أي أكثر من الناتج الأوروبي والأمريكي مجتمعين. إنَّ ازدهار التجارة الخارجية الصينية هو مؤشر قويّ وصحيح بالنسبة للصينيين ومؤشر حقيقي على نسبة التفوق الاقتصادي العالمي، وهذا ما أزعج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعتقد أن العدالة التجارية غائبة، ولا بُدَّ من التصحيح عبر التعريفات الجمركية، لكن الصين لم تتأثر سلباً بتلك التعريفات وذلك لتنوع صادراتها من السلع والمنتجات وأماكن توزيعها في بقعة جغرافية واسعة من العالم. لقد حاول ترامب أيضاً التضييق على الصين في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الميديا بشكلٍ عام، لكنه لم ينجح لأنَّ الشعب الأمريكي يدرك تماماً أنه متعلق بالإنتاج الصيني الجيد الذي يبقي التضخم على كافة الأصعدة محدوداً. كذلك اتهامات ترامب للصين بشأن كورونا وتصديرها لم تلقَ الصدى الداخلي المطلوب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين الرئيسين ترامب وبايدن. وهذا الأخير أتى ليصحِّح العلاقة ضمن الخشية الأمريكية الواضحة من القوة الصينية الصاعدة والمتزايدة.
ولأنَّ التعاون الصيني الأمريكي مهمّ جداً للسلام العالمي والاستقرار الاجتماعي، هناك مؤشرات عديدة واضحة وصريحة تؤكد على وجود هذا التعاون في كل الأمور، ربما باستثناء الاقتصاد والتجارة على وجه الخصوص. تركز الصين على عقيدة الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس) تركيزاً قوياً، وهو الذي قال إنَّ كل الإمبراطوريات بُنيت بالقوة لكنها لا تدوم عبر القوة فقط، حتى أن الرئيس الصيني الأسبق ماو تسي تونغ بنى قيادته على العقيدتين الماركسية والكونفوشيوسية، أي عقيدة التجانس الاجتماعي لتحقيق التقدم.
الاقتصاد الصيني ما زال قوياً، حيث بلغت الصادرات الصينية نحو سبعة عشر بالمئة من الناتج العام، والخطة الخمسية المقبلة لفترة 2020- 2025 ترتكز على تطوير الطاقة والنفط والغاز والاتصالات، كما ترتكز على الاستثمار في العلوم، وعلى سيطرة الدولة على الدورة الاقتصادية وقواعد الدين العام، وعلى فعالية الإدارة ودورها القوي، وحداثة النظام القانوني التجاري والقضائي، كما يركز تركيزاً شديداً على عدم فصل القطاعين العام والخاص. والحقيقة الماثلة هنا تؤكد نجاح سياسات الرئيس الصيني شي جين بينغ الباهرة في إبقاء الصين قوة عظمى رائدة وقوية في العالم.