خلال عام واحد.. 45 ألف مواطن تركي متهمون بـ “إهانة أردوغان”!
البعث- تقارير:
ازدادت في السنوات الأخيرة في تركيا بشكل غير مسبوق، الدعاوى القضائية والمحاكمات المتعلّقة بما بات يُطلق عليه “جريمة إهانة الرئيس”، والتي برزت بشكل متكرّر بسبب نقاشات حول حرية التعبير، ومبدأ المساواة أمام القانون، والمشاكل التي يسببها النظام الرئاسي الذي تمّ تطبيقه منذ العام 2018. يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد رئيس في كل تاريخ تركيا يلاحق هذه الأعداد الهائلة من الناس ويتوعّدهم بالسجن والغرامات المالية الطائلة كما هي الحال مع أردوغان، والذي حقق وفريق محامية رقماً قياسياً في أعداد القضايا التي رفعوها بحث أتراك تمّ اتهامهم بـ “إهانة أردوغان”، تجاوز مجموعه 45 ألف تحقيق، منهم 9773 يحاكمون في عام 2020، وفقاً لإحصاءات نشرتها وزارة عدل أردوغان.
ويستخدم متزعم حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان مصطلح “إهانة رئيس الدولة أو المسؤولين الحكوميين” كذريعة لمعاقبة أو ترهيب النقاد والمعارضين حتى لا ينتقد أحد الحكومة أو ممارساته القمعية والفاسدة، وأوغل في ذلك بعد تحويل النظام إلى رئاسي، ومنح نفسه صلاحيات شبه مطلقة، في عام 2018. فيمكن أن يُحكم على أي شخص ينتقد أردوغان أو حكومته بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات بموجب المادة 299 من القانون الجنائي التركي، أو عامين بموجب المادة 301 من نفس القانون، التي تعاقب على “إهانة الرئيس أو مجلس الوزراء”.
وبحسب الإحصاءات القضائية لعام 2020، حوكم 9773 شخصاً، بينهم 152 أجنبياً، بموجب هذه المواد. وكان من بينهم 290 قاصراً، بينهم طفلاً 84 تتراوح أعمارهم بين 12 و15، و206 تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً. وفي هذه الإجراءات تمّت تبرئة 1519 شخصاً، وحُكم على 3655 بالسجن. وفي قضايا أخرى علّقت الأحكام أو أسقطت التهم الموجهة إليهم.
يذكر أن مواد القانون الجنائي أكبر عقبة أمام حرية التعبير خلال حكم حزب العدالة والتنمية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تنتقل تهمة “إهانة أردوغان” من مئات الأشخاص القابعين في السجون، لتطال المعارضة هذه المرة- في مسعى مفضوح لإبطالها والتشويش على استعداداتها لدخول الانتخابات المصيرية 2023- وخاصة زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو.
إذ يسعى الادعاء العام التركي المسيّس والخاضع لسلطة أردوغان إلى الحكم بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات على زعيم حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، بسبب تصريحات تشير إلى أردوغان باعتباره “الرئيس المزعوم”، حسبما أفادت وسائل إعلام ومواقع إخبارية تركية مؤخراً.
كان كيليجدار أوغلو من بين 20 نائباً من المعارضة قدّمت وزارة عدل أردوغان ملخصات لقضاياهم إلى البرلمان هذا الأسبوع، سعياً إلى رفع الحصانة البرلمانية عنهم. وإذا صوّت البرلمان، والذي يهيمن عليه أردوغان وحلفاؤه، لتجريد النواب العشرين من حصانتهم من الملاحقة القضائية، فسيتم محاكمتهم أمام المحاكم التركية، الخاضعة أيضاً لسطوة أردوغان، أي هو المدعي والقاضي والحكم.
بالإضافة إلى عقوبة السجن، يسعى المدعون العامون إلى حرمان كيليجدار أوغلو من بعض الحقوق، مثل الحق في الانخراط في النشاط السياسي والتصويت، وكذلك القدرة على الحصول على منصب في الخدمة المدنية بموجب المادة 53 من قانون العقوبات التركي، وهنا بيت القصيد، وهدف أردوغان الأول، إذ إنه بذلك يتم تدمير المستقبل السياسي لهذا الخصم السياسي العنيد المناوئ لأردوغان، الذي يمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة النظام التركي بأخطائه وممارساته الخطيرة.
في كانون الثاني، قدّم أردوغان شكوى جنائية ضد زعيم حزب الشعب الجمهوري بسبب خطاب ألقاه في نفس الشهر، بالإضافة إلى رفع دعوى قضائية ضده، طالباً بتعويض قدره مليون ليرة تركية (115000 دولار) عن تلك التعليقات.
وفي كانون الأول الماضي قال النائب المعارض إردان كيليش: إن أكثر من 9500 شخص في تركيا أدينوا بـ “إهانة الرئيس التركي” منذ أن تولّى رجب طيب أردوغان منصبه في عام 2014، وأضاف: إن إجمالي 63041 شخصاً واجهوا دعوى قضائية بتهمة إهانة أردوغان، أدين منهم 9554 شخصاً.
وتنبع قضايا “الإهانة” عموماً من منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرها خصوم أردوغان، فيما تعتبر الشرطة والقضاء التركي حتى أصغر انتقاد لأردوغان أو حكومته إهانة يعاقب عليها القانون، في نظام حكم استبدادي يقمع الأصوات المنتقدة والمعارضة بكل شراسة. ويقول المحامي أوزغور أورفا: لهذا الغرض، فقد تمّ إنشاء أجنحة منفصلة في سجن سيليفري بإسطنبول، الأكبر من نوعه في أوروبا، وذلك نتيجة ارتفاع عدد المعتقلين بهذه التهمة، إذ، وفي نطاق المادة 299 من قانون العقوبات التركي حول تشويه سمعة الرئيس، تمّ إجراء تحقيقات ضد 128872 شخصاً من بينهم حوالي 1000 طفل بين عامي 2014 و2019 ، وفتح 27717 قضية عامة.
انقلاب أردوغان الداخلي
يذكر أن النظام التركي حملات القمع والاعتقال بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، في إطار استهدافه حرية الصحافة وتقييد الحريات العامة في البلاد، وخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي سارع أردوغان، ومن دون انتظار حكم قضائي، إلى اتهام فتح الله غولن، وأعلنت السلطات التركية رسمياً أن حركة “غولن” هي التهديد الأول للبلاد، وأنها منظمة إرهابية.
حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والذي يحتل مع حليفه حزب الحركة القومية، أغلبية المقاعد في البرلمان، لم يسمح أبداً للهيئة التشريعية أو أي هيئة دولية بالتحقيق بشكل صحيح في محاولة الانقلاب والكشف عن أسرارها الحقيقية.
عقدت لجنة تحقيق برلمانية اجتماعها الأول في 7 تشرين الأول 2016، وقرّرت الاستماع إلى العديد من الجنرالات المتقاعدين والوزراء ورؤساء البلديات السابقين، ولكن لم يُطلب من رئيس الأركان العامة آنذاك الجنرال خلوصي أكار ورئيس جهاز المخابرات الوطنية هاكان فيدان المثول أمام اللجنة، والتي أنهت عملها بأمر من أردوغان، ما جعل المعارضة التركية تشكك في دور الأخير وأعضاء حزب العدالة والتنمية في محاولة الانقلاب.
في حديثه إلى الصحفيين وممثلي محطات التلفزيون في اسطنبول في 3 نيسان 2017، صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي في تركيا، أن محاولة الانقلاب كانت “خاضعة للسيطرة”، مؤكداً أن حزبه لديه ملف أدلة يظهر أن محاولة الانقلاب تمّت بعلم أردوغان.
كما اتهم صلاح الدين دميرطاش، القائد المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي سُجن منذ تشرين الثاني 2016 بتهمة “إهانة الجمهورية والأمة التركية ومؤسسات الدولة والدولة التركية ورئيس تركيا” ، أردوغان بالفشل في إيقاف المتآمرين الانقلابيين بهدف تعزيز سلطته، وأضاف: أن أردوغان كذب عندما قال إنه علم بمحاولة الانقلاب من صهره. وقال: إن أردوغان علم مسبقاً بمحاولة الانقلاب، وأن أكبر مؤامرة في 15 تموز كانت انقلاباً داخل الانقلاب: انقلاب أردوغان المضاد.
وبصرف النظر عن المعارضة التركية، وصف خبراء المخابرات الأجنبية والصحفيون أحداث 15 تموز بأنها محاولة انقلاب وانقلاب مضاد.
يقول خبير المخابرات والمؤلف الألماني إريك شميدت إنبوم: إن حركة غولن لم تكن وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، لكن أردوغان قام بانقلاب مضاد.
استند هذا إلى تقارير استخباراتية من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز المخابرات الفيدرالية الألمانية، حسبما أفاد مركز ستوكهولم للحرية في نيسان 2017.
يقول واين مادسن، ضابط البحرية الأمريكية المتقاعد، “محاولة الانقلاب في تركيا كانت انقلاب أردوغان الذاتي”، فيما قال يورغن لورنتزن، المخرج النرويجي للفيلم الوثائقي “هدية من الله”، إن أجهزة المخابرات الغربية لا تعتقد أن غولن هو العقل المدبر لمحاولة الانقلاب.
أحدث المعلومات المهمة جاءت من زعيم المافيا التركي سادات بيكر، الذي أكد أن وزير الداخلية التركي الحالي سليمان صويلو قام بتسليح عدد كبير من المدنيين ببنادق غير مسجّلة خلال محاولة الانقلاب. كان صويلو وزير العمل في البلاد في ذلك الوقت. شارك بيكر تفاصيل على تويتر تفيد بأن صويلو استولى على العديد من الشركات التابعة لأتباع غولن.
من الواضح أن توزيع البنادق غير المسجلة على المدنيين ليلة محاولة الانقلاب، كما كشف زعيم المافيا المنفي، كان يتطلب تحضيراً.
يبدو أن حكومة أردوغان علمت بمحاولة الانقلاب منذ فترة طويلة واستعدت لها، وتواصل اليوم اعتقال النساء وكبار السن والمدرسين ورجال الأعمال، بذريعتها.
تمّ التحقيق مع أكثر من 500000 شخص، واعتقل ما يقرب من 100000 وتوفي العشرات في السجون التركية، بعضهم في ظروف مشبوهة، في ظل حملات التطهير التي أمر بها أردوغان بعد الانقلاب، لكن من المثير للاهتمام أن القوى الغربية الكبرى صمتت حول انتهاكات أردوغان لحقوق الإنسان.