ضرورة المُراجعة
عبد الكريم النّاعم
مَن يدقّق النّظر في الكتابات الفكريّة على مدى أكثر من نصف قرن، والتي اهتمّت بالوضع العربيّ ككّل، على أهميّتها في حينها، وعلى جذريّة ما في بعضها من عمق ووضوح، بعضُه ما يزال صالحاً، كونه يشكّل قاعدة فكريّة.. مَن يفعل ذلك يجد أنّنا بحاجة لكتابات جديدة، أكثر تفصيلاً، ولاسيّما بعد عشريّة النّار، التي تركت مرتسماتها الخاصّة، بما فيها من سلب وإيجاب، ومِن تلك المَظاهر أنّ الوضع الذي بشّر ذات زمن بإمكانيّة قيام وحدة عربيّة، وبتحقيق نموّ مدروس، وإرساء قواعد عدالة اجتماعيّة.. هذا كلّه الآن صار من الماضي، بعد أن تمكّن مجموع الأعداء في الدّاخل والخارج من بعثرة ما كان، وجعله مجرّد ماض قد يشكّل حافزاً لأجيال قادمة.
الوضع الاجتماعي، الذي هو مادّة أيّ تحرّك، وهو هدف في الآن ذاته، هذا الوضع أصابته عواصف الخلخلة حتى في المواقع التي ظنّنا أنّنا قد تجاوزناها، فإذا هي كامنة في نفوس البعض، مّا يسّرَ للقوى المتآمرة أن تتسللّ إلى مواقع حساسة، فتصيبها في العمق، وما يكاد الدارس يستطيع تمييز قطر عن آخر إلاّ بمقدار ما أُحدث فيه من ندوب كبرى، وهذا يؤكّد قوميّة الاستهداف، ولم تنجُ من ذلك حتى البلدان التي توهّمت أنّها حليفة لمحور الشيطان الأمريكي، وإنْ كان هذا لا يبدو واضحاً كلّ الوضوح فيها، فإنّ آثار ما نفثوه من سمّ ستتفاعل وتطفو من الخفاء إلى الظهور، لأنّ تلك البلدان في المخطّط العام ليست خارج ذلك الإطار، وتأخّرُ ظهوره لا يعني أنّه غير كائن.
إنّ ما سبق، في صميم مرتكزاته، يعني أنْ تؤصّل سوريّة دورها الذي لم تكفّ عن لعبه حتى أثناء شبوب الحرائق، وهذا ليس خافيّاً إلاّ على الأعمى أو المُتعامي، وهذا يقتضي الإسراع بالخروج من مناطق التّرميم إلى مواقع البناء، لأنّ سوريّة القويّة، سوريّة المُمانعة، هي التي هيّأت لبروز دور المقاومة المسلّحة في لبنان وفلسطين، ولو ضعفتْ سوريّة لا سمح الله فستكون الحلقة الأساس قد أُصيبت، وفي هذا من التهديد لمحور المقاومة ما فيه.
القول السابق لا يقلّل أبداً من دور الحليف الإيراني، فهو دور أساس في هذه المنطقة، بحكم الجغرافيا القريبة، والتي قد لا تكون أساساً في موقع آخر، كما هو الحال في تركيّا أردوغان، وذلك لأنّ قضيّة تحرير فلسطين هي من القضايا المبدئيّة في أدبيّات الثورة الإيرانيّة، وذلك سرّ تكالب واشنطن، بمَن معها للنّيل من هذه القوّة الإقليمية الصاعدة.
الوقائع المُرتسمة على الأرض، بعد كلّ ذلك الخراب، وباعتراف كبار المحلّلين الغربيّين المنحازين لتلّ أبيب، كلّها تقول إنّ محور المقاومة قد كسر شوكة الهجمة البربريّة، وأنّ أفقر بلد، على سبيل المثال، في حلف المقاومة، وأعني اليمن، قد تمكّن من وضع الهيبة الغربيّة الدّاعمة لقوى البغي، ولأسلحتها الفائقة التطوّر، في حرَج لم يعد خافياً، والمعارك التي بُثّت على شاشات التلفزيون خير شاهد على ذلك.
إنّ استعادة سوريّة لبعض عافيتها، وهو أمر بالغ الضرورة، اجتماعيّاً، واقتصاديّاً، يعني تقريب زمن الفصل الذي يُخرج المنطقة ممّا وضعه فيها الاحتلاليّون الغربيّون منذ بدايات القرن التاسع عشر، لتستعيد هذه المنطقة دورها الإنساني والحضاري الذي صادرتْه قوى الاحتلال الغربيّ، وما تزال متمسّكة بالنّهج ذاته، وهذا يتجلّى في إصرار تلك العواصم على دعم الباطل الصهيوني، وتغييب الحقّ العربي، رغم نصوعه الموجود في قرارات هيئة الأمم المتّحدة، الموضوع على رفوف لا تسمح حتى بالتّذكير به!!.
إنّ تعافي سوريّة شرط لبدء أزمنة جديدة.
aaalnaem@gmail.com