أمل طنانة.. شاعرة المقاومة وراثية الشهداء والمنادية بفلسطين
“الشعر بحدّ ذاته ليس بندقية، لكن البندقية تحتاج إلى قلب ينبض خلف زنادها، يسدّد فوهتها إلى صدر العدو، ويحشوها بالغضب، هذا القلب ليس إلا الشعر والقصيدة، وغضب الشاعر يمكنه أن ينبض في قلب المقاوم”.
هذه المفردات ذكرتها شاعرة الجنوب اللبناني، بنت جبيل وسورية وفلسطين، وكل مكان تنبض فيه المقاومة، أمل طنانة، التي ترى أننا نحتاج إلى شعر يؤكد قيم المقاومة المسلحة، فهي وحدها تجسّد الردّ الأكيد، فكانت قصيدتها الشهيرة “موعد العمر” العمودية المهداة إلى الأم الفلسطينية التي تعيش حلم العودة من أجمل ما كتبت:
يا موعد العمر ما زال الهوى حرقاً
قل كيف أهرم والأشواق تحترق؟
مازلت ضوءاً تسامى فوق داليتي
بين العناقيد والأوراق يندلق
وتأتي قفلة القصيدة التي تحمل الدهشة والإيمان والثقة والتأكيد على العودة المرتقبة:
مفتاح بيتي سنأتي في رجال تقى
ما عاهدوا الله إلا بالفدى صدقوا
اتّسم شعر أمل طنانة بقوة تراكيبها وجمال صورها البيانية، وتمكّنها من بحور الشعر العربي ساعدها على كتابة الشعر العمودي المقفى بأبهى صوره، ويعود ذلك إلى ولادتها في دمشق ونشأتها في بيئة حاضنة تتقن اللغة العربية وتهتمّ بها، فنما شغفها باللغة العربية ورافقها منذ أن كانت طفلة تصغي إلى تلاوة جدها لأمها القرآن الكريم، فتعمّقت بعلوم اللغة من خلال دراستها في مدارس دمشق التي تركز على اللغة العربية وتجعلها الفاصل في نجاح الطالب. فبدا هذا الشغف في ممارستها تعليم اللغة العربية فيما بعد في مدارس لبنان وعملها على تعزيز التواصل باللغة العربية مع طلابها، وإلى جانب عشقها اللامتناهي للغة القرآن الكريم تأثرت بالأدب الفارسي المترجم واستلهمت منه الكثير من الصور الجميلة، لتميزه بالشكل الشعري وبما يحمله من قضايا فكرية وإنسانية تستوقف القارئ وتؤثر به، فقرأت لطاهرة صفار زادة وللشاعر حميد سبزواري وغيرهما ممن ترجمت أشعارهم إلى اللغة العربية.
ومضت مسيرة أمل طنانة التي كتبت شعر المقاومة ورثت الشهداء في قصائد تردّدت في مجالس العزاء، وألّفت عدداً من الأوبرات المحمّلة بالقيم والمبادئ عبْر النغم والغناء، كما كتبت قرابة خمس وثلاثين مسرحية للأطفال، منها مفتاح النور، قمر الأعياد، العطش، والكثير من القصص وبعض الأناشيد الدينية. وفي مجال الإعلام عملت بإعداد برامج تلفزيونية منها برنامج علم الإنسان، لها مجموعات شعرية “هذا هو الحب، هذيان في حمّى الحب، حلم من ضياء”، والعديد من المناهج المدرسية التي ألفتها للمرحلتين الابتدائية الإعدادية منها: جنان اللغة ومبادئ القراءة والتحليل وسلسلة مروج الكلمات. والملفت أنها عملت في الصحافة فشغلت منصب رئيس تحرير مجلة الحدائق، إلا أنها لم تجد نفسها بالعمل الصحفي الذي يحتاج إلى كثير من الانضباط والتركيز والسيطرة على الانفعالات كما ذكرت في لقاء تلفزيوني، ولاسيما أنها تميل نحو الفوضى كحال المبدعين، فتوقفت وتابعت في مجال التعليم والملتقيات الشعرية فترأست ملتقى الأدباء والشعراء اللبنانيين، ونالت قصيدتها سكران غصن الهوى التي خصّت بها لبنان شهرة كبيرة.
لبنان كبّر إذ فاضت منابعه
لما الظماء ابتلى في البيد أعرابا
ولدت أمل طنانة عام 1965، والدتها نورا رمضان مديرة إحدى مدارس دمشق، ووالدها نمر محمد سعيد طنانة الذي انتقل في الأربعينيات من مسقط رأسه بنت جبيل في الجنوب إلى الجولان واستقر في مدينة فيق، وإثر الاحتلال الصهيوني للجولان عام 1967، نزح إلى دمشق ثم عاد إلى الجنوب ليستقر في مدينة صرفند، عاشت أمل ودرست في مدارس دمشق وبعد الثانوية انتقلت إلى لبنان وأكملت دراستها الجامعية في قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية ثم حصلت على درجة الماجستير في الأدب العربي، تحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية. تأثرت بتفاصيل حرب تشرين عام 1973 كون والدها شارك في القتال ضد العدو الصهيوني، عاشت مع عائلتها في مدينة الصرفند في الجنوب اللبناني لتكون قريبة من بنت جبيل المحتلة، فأعادتها المقاومة بعد سنوات طوال إلى مدينة والدها بنت جبيل فدخلتها بعد تحريرها من العدو الصهيوني في عام 2000، أول قصيدة كتبتها حينما كانت في الرابعة عشرة لروح طفل فلسطيني استشهد برصاص الصهاينة وهو يحمل حقيبته وفي طريقه إلى المدرسة.
حقّقت حضوراً إعلامياً وثقافياً وشعرياً كبيراً، وحصلت على جوائز عدة، ودعت كل شعراء العرب لرفض كل أشكال الخيانة والخيانة العظمى بالتطبيع مع العدو الصهيوني، شاركت مؤخراً في مهرجان شعري أقيم في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وضمّ مجموعة شعراء من سورية ولبنان وفلسطين بمناسبة انتخاب السيد الرئيس بشار الأسد والاحتفال بذكرى انتصار المقاومة اللبنانية.
ملده شويكاني