زيارة إلى غوانتانامو
ترجمة: هناء شروف
كتب مراسل الشرق الأوسط في صحيفة الأندبندنت البريطانية: “لقد عدت لتوّي من زيارة إلى خليج غوانتانامو، ومازلت أعيش غرابة الأمر”، ويقول في مقالته: في حياتي السابقة كمراسل للشرق الأوسط زرت عدداً كبيراً من القواعد العسكرية، ولكن لم أقترب من هذا المعسكر الذي يعد أحد أكثر معسكرات الاعتقال شهرة في العالم، دخلت قواعد أمريكية في عدد من دول العالم، كلها دون استثناء كانت أماكن غريبة للغاية، ولكن لم يكن أحدها أغرب من خليج غوانتانامو.
للوصول إلى هناك يمكنك القيادة عبر صفوف من المنازل المكسوّة بألواح خشبية مع حدائق أنيقة وحفلات شواء بالخارج، تمر بمدرسة وملعب رياضي يركض الناس على طول الطريق في طريقهم إلى الشاطئ، كنت ضمن مجموعة صغيرة من المراسلين الذين مُنحوا مؤخراً حق الوصول إلى القاعدة لحضور جلسة استماع قبل المحاكمة لسجين محتجز في مركز الاحتجاز، لقد كانت قصة مهمة، لكنني كنت مهتماً بالقدر نفسه برؤية القاعدة نفسها، واكتساب بعض البصيرة في هذا المكان شديد السرية، ومع اقتراب الحرب على الإرهاب من نهايتها، ما الذي يمثّله هذا المكان؟ وما هو الغرض منه؟.
كانت القاعدة موجودة بشكل ما منذ أكثر من مئة عام، سيطرت الولايات المتحدة على الخليج في عام 1898 أثناء الحرب الاسبانية الأمريكية، وفي عام 1903 وقعت عقد إيجار دائم مع الرئيس آنذاك، وهو عقد تدعي أنه لايزال قائماً حتى يومنا هذا، تنظر الحكومة الكوبية الحالية إلى القاعدة على أنها احتلال غير شرعي.
لقد كان الغرض الرسمي للقاعدة هو الحفاظ على نفوذ أمريكا الاستراتيجي في منطقة البحر الكاريبي، يتعرّج المجمع على مساحة 45 ميلاً مربعاً عبر خليج المياه العميقة، وهو موطن لحوالي 6000 من الجنود وعمال المنازل المتعاقدين، فضلاً عن عائلاتهم.
في بعض الأجزاء تبدو وكأنها مدينة أمريكية عادية أكثر من أي شيء آخر، ولكنني مثل الكثيرين في جميع أنحاء العالم، ربطت منذ فترة طويلة القاعدة بمرفق الاحتجاز الذي تم إنشاؤه في عام 2002 لإيواء “أسوأ الأسوأ” في حرب أمريكا الطويلة على الإرهاب بملابس برتقالية اللون، وتعذيب وسوء معاملة.
جميع المراسلين في هذه الرحلة كانوا حريصين على سؤال قائد القاعدة الجديد، الكابتن صموئيل وايت، عندما حصلنا على مقابلته: كنا نسمع من الناس أن هناك فكرة خاطئة حول ماهية خليج غوانتانامو، فما هو رأيك في ذلك؟ قال: “أنا لا أحكم على الخير والشر، ما إذا كان يجب ترك شيء ما وراءنا، نحن موجودون هنا للقيام بمهمة محددة، ولدينا التزام بأمن وسلامة جميع العاملين في هذه المنشأة، ربما كانت فرصة لمعالجة المفاهيم الخاطئة المفترضة”، لقد كان هناك تردد في الحديث عن هذا الجزء من ماضي غوانتانامو.
في غضون ذلك، تعمل إدارة بايدن على إغلاق مركز الاحتجاز بهدوء، حيث تم نقل أول سجين في عهد بايدن إلى بلده الأصلي المغرب بعد أسبوعين من مغادرتنا القاعدة، هدف بايدن هو إغلاق القاعدة في نهاية المطاف بمجرد نقل السجناء الـ 39 الباقين إلى دول أخرى.
عندما يغادر آخر سجين، ماذا سيصبح مصير خليج غوانتانامو بعد ذلك؟ هل سيعود إلى كونه مجرد قاعدة بحرية أخرى، أم أنه سيُنظر إليه على أنه من بقايا زمن آخر؟ هل سيختفي من الذاكرة ببطء ويصبح مجرد قاعدة على أرض أجنبية ترى حكومتها أن وجودها غير قانوني، أم أنه سيبقى تذكيراً مادياً بفترة من أحلك الفترات في التاريخ الأمريكي الحديث؟.