“إسرائيل” تحصل على ضوء أخضر جديد في تجسسها على الولايات المتحدة
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
يبدو أنه لم يعد من الضروري الإشارة إلى التجاهل المتعمد والمستمر لوسائل الإعلام المهيمنة في أمريكا وأوروبا الغربية، والتي تتستر على القصص والأخبار التي تظهر الشر الإسرائيليين، حيث أصبح ذلك مألوفاً لدى الجميع.
وتحاول الروايات الأخيرة حول استهداف الطائرات والصواريخ والمدفعية الإسرائيلية للمدنيين والأطفال، في غزة، تصوير الصراع على أنه حرب بين خصمين متكافئين، متجاهلة التباين الهائل في القوة العسكرية المتاحة للطرفين، حيث تمتلك “إسرائيل” جيشاً وقوة جوية وبحرية حديثة، بينما لا يمتلك الفلسطينيون سوى بعض الأسلحة الصغيرة، إضافة إلى الصواريخ البدائية الصنع والبالونات الحارقة.
ويعزى الإحجام عن انتقاد السلوك الذي ينتهجه” الكيان الصهيوني” إلى حد كبير، لقوة اللوبيات الصهيونية في البلدان المعنية من جهة، وإلى تواطؤ وتغاضي الحكومات الغربية عن سلوكيات الكيان الصهيوني في منطقتها، لذا يستمر الكيان في المطالبه بالحرب على إيران – التي يفضل أن تخوضها الولايات المتحدة!! – وقد كان ذلك جلياً في الآونة الأخيرة عندما أعلنت حكومة الكيان الجديدة أنها ستزيد ميزانيتها العسكرية تحسباً للحرب مع إيران. لذا، يمكن القول أنه من غير المستغرب أن يكون لدى الكونغرس الأمريكي أيضاً العديد من مشاريع القوانين المقترحة، والتي من شأنها زيادة المساعدة العسكرية للكيان بمقدار ثلاثة أضعاف.
وبصرف النظر عن المودة الكبيرة التي تكنها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، يسعى السياسيون والمتحدثون الرسميون في واشنطن، بشكل دائم، لإيجاد عدو يبررون من خلاله سبب فشل سياسات الأمن القومي، لذا تم تصنيف روسيا على أنها عدو خلال سنوات الحرب الباردة الطويلة، ومؤخراً بدأ كل من البيت الأبيض والكونغرس في التحذير من أن الصين تسعى لمواجهة المعايير الديمقراطية و”تصدير أنموذجها الاستبدادي”.
وبناء على كل ذلك، كان لابد للعديد من العاملين في غرف الأخبار أن يصعقوا، خاصة عندما اتضح أن الطرف المذنب وراء فضيحة التجسس التي تم الكشف عنها مؤخراً، ليس سوى “أقرب وأفضل حلفاء أمريكا”. فقد تبين أن شركة “إسرائيلية” خاصة للمراقبة، وبالاشتراك مع شركة أمنية تضم ضباطاً سابقين في الحرب الإلكترونية والجيش والمخابرات، تتمتع بعلاقات وثيقة مع حكومة نتنياهو، كانت تبيع برامج تجسس متقدمة لـ 45 حكومة على الأقل. وعلى الرغم من إدعاء الشركة بأن المبيعات مقيدة نظرياً بالاستخدام فقط في قضايا الإرهاب ومكافحة الجريمة، تم استخدام حصيلة عمليات التجسس بشكل روتيني ضد الصحفيين والنشطاء السياسيين ورجال الأعمال والسياسة، الأمر الذي يجعلهم عرضة لخطر الكشف عن أماكن وجودهم وإخضاعهم للمراقبة، واستخدام معلوماتهم الشخصية للنيل منهم. وعلى سبيل المثال، استخدمت السعودية برنامج التجسس لتعقب الصحفي جمال خاشقجي، الذي قُتل على يد عملاء سعوديين في إسطنبول، عام 2018.
وعلى الرغم من استخدام البرنامج بصورة منتظمة ضد مسؤولين حكوميين وصحفيين أمريكيين، يبدو أن إدارة بايدن كانت على دراية بقدراته ولم تفعل شيئاً لإيقافه. وفي سياق دفاعها عن نفسها، زعمت شركة البرمجيات الإسرائيلية “إن إس أو” التي طورت برمجيات التجسس، بشكل غير قابل للتصديق، أن من غير الممكن استخدامه لاختراق الهواتف الأمريكية!! لكن المخبر السابق في وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، فضح زيف هذا الإدعاء، وكتب في تغريدة له عبر تويتر: إن ادعاء شركة البرمجيات الإسرائيلية “إن إس أو” أن من المستحيل تقنياً التجسس على أرقام الهواتف الأمريكية هو كذبة مكشوفة، فالبرنامج الذي يستهدف “أيفون” الذي يستخدمه ماكرون سيعمل بنفس الطريقة على هاتف “أيفون” الذي يستخدمه بايدن، فأي شيفرة مكتوبة لحظر استهداف بلد ما يمكن حذفها أيضاً، وهذا الإدعاء الكاذب ليس سوى ورقة التوت”.
لم يأتِ الكشف المفاجئ عن النشاط الإسرائيلي من وكالة استخبارات حكومية مضادة، لكن من مجموعة مكونة من 17 منظمة إعلامية دولية شكلت اتحاداً للتحقيق في تسرب البيانات المتعلقة بالهواتف المخترقة، وتضمنت المجموعة منافذ إخبارية رئيسية استهدفها برنامج التجسس “بيغاسوس” للقرصنة، والذي تم تصميمه بشكل أساسي لاختراق ميزات الأمان للهواتف الذكية.
وصف أحد المهندسين الذين عملوا، سابقاً، في الأمن السيبراني لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية “مشروع بيغاسوس” بأنه أداة “بغيضة” يمكن استخدامها لـ “التجسس على سكان العالم بأسره تقريباً”، خاصة أنه يمكن تثبيت البرنامج عن بُعد على الهاتف الذكي للشخص المستهدف دون مطالبته باتخاذ أي إجراء، مثل النقر على رابط أو الرد على مكالمة. وبمجرد تثبيته، يسمح للجهة المرسلة للرابط بالتحكم الكامل بالجهاز، بما في ذلك الوصول إلى ملفات الهاتف، والتي تتضمن الرسائل من تطبيقات المراسلة المشفرة مثل واتس آب، وتشغيل الميكروفون والكاميرا، ويمكنه أيضاً الكشف عن موقع الهاتف.
تم تصميم البرنامج بـ “منفذ سري” يسمح لـمجموعة “إن إس أو” القيام بعمليات المراقبة، ويُعتقد أنه تم مشاركة المعلومات أيضاً مع المخابرات “الإسرائيلية”. ويشير أحد التقديرات إلى أنه تم الوصول إلى 50 ألف هاتف ذكي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك هواتف 10 رؤساء وزراء وثلاثة رؤساء، من ضمنهم الرئيس الفرنسي ماكرون، وأحد الملوك العرب، ووزراء خارجية وصحفيين، ومسؤولين حكوميين في كل من الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
كما كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، التي شاركت في التحقيق، أنه “تم تحديد ألف شخص منتشرين في 50 دولة مختلفة على أنهم يحملون أرقاماً في القائمة”، ومن بينهم “العديد من أفراد العائلات المالكة العربية، و65 مديراً تنفيذياً على الأقل، 85 ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، و189 صحفياً، وأكثر من 600 سياسي ومسؤول حكومي”. كما تشمل روبرت مالي، مبعوث إدارة بايدن الخاص لإيران، وصحفيين يعملون في شبكة “سي إن إن”، ووكالة “أسوشيتيد برس”، وصحيفتي “وول ستريت جورنال”، و”النيويورك تايمز”. ومن بين وكالات الأنباء الأخرى التي اخترقها “بيغاسوس” وكالة “فرانس برس”، و”فرانس 24″، و”راديو أوروبا الحرة”، و”ميديابارت”، و”إل باييس”، و”لوموند”، و”بلومبرغ”، و”الإيكونوميست”، و”رويترز، “وصوت أمريكا”.
ولا بد أن يتساءل البعض عن سبب التزام بايدن الصمت بشأن شركة “إن إس أو”، حيث لم تحدد إدارته الشركة الإسرائيلية على أنها تشكل تهديداً للأمن القومي، كما لم تطلب من الحكومة الإسرائيلية” التوسط لدى “إن إس أو”، وإيقاف استخدام” بيغاسوس” حتى يتم تطوير بعض اللوائح الدولية لاستخدام برنامج القرصنة هذا. ويبدو أنه يمكن تفسير هذا الإحجام، جزئياً، بسبب تعاقد شركة الشؤون العامة والاستشارات السياسية SKDK”” التابعة لكبيرة مستشاري البيت الأبيض، أنيتا دن، مع شركة “إن إس أو”، في العام 2019، لتقديم مشورة بشأن “العلاقات العامة” لتحسين صورة الشركة”.
بالإضافة إلى ذلك، وما لا شك فيه، يرجع هذا التردد للحقيقة المتمثلة في أن “اسرائيل” متورطة، لكن أولئك الذين يتذكرون سجلها الطويل في سرقة الأسرار الأمريكية يجب ألا يتفاجؤا بالمشروع الأخير.
وعلى سبيل المثال، كان جوناثان بولارد، المحلل السابق في البحرية الأمريكية، الذي جندته “اسرائيل” للتجسس على الولايات المتحدة وتسريب معلومات سرية وحيوية لصالحها، يستغل عمله كمحلّل استخبارات مدني في القوات البحرية الأمريكية؛ ومن خلال محادثاته مع رافي إيتان، رئيس مكتب الاتصال في المخابرات الإسرائيلية، الذي كان مسؤولاً عن الاتصال معه، شكل بولارد الجاسوس الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة. ولـ “إسرائيل”، في الواقع، تاريخ طويل في سرقة التكنولوجيا والأسرار العسكرية الأمريكية يشمل مشاركتها مع الدول التي تعتبرها واشنطن عدوة.
وتحتل “إسرائيل” مكانة بارزة دائماً في التقرير السنوي لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي يحمل عنوان “التجمع الاقتصادي الأجنبي والتجسس الصناعي”. وبحسب تقرير عام 2005، “تمتلك إسرائيل برنامجاً نشطاً لجمع معلومات مسجلة الملكية داخل الولايات المتحدة، وتهدف أنشطة الجمع هذه بشكل أساسي إلى الحصول على معلومات حول الأنظمة العسكرية وتطبيقات الحوسبة المتقدمة التي يمكن استخدامها في صناعة الأسلحة الثقيلة في إسرائيل”. ويضيف التقرير أن “إسرائيل تجند الجواسيس، وتستخدم الطرق الإلكترونية، وتقوم باختراق الحواسب للحصول على المعلومات”.
كما أشار تقرير لدائرة التحقيقات الدفاعية لعام 1996 إلى أن “إسرائيل حققت نجاحاً كبيراً في سرقة التكنولوجيا عبر استغلال العديد من مشاريع الإنتاج المشتركة مع البنتاغون”. وبدورها، وصفت دراسة لمكتب “المسألة العامة لعمليات التجسس الموجهة ضد الصناعات الدفاعية والأمنية الأمريكية” كيف “سرق إسرائيليون مقيمون في الولايات المتحدة تكنولوجيا حساسة لتصنيع “سبطانات” المدفعية، وحصلوا على خطط سرية لأنظمة استطلاع، وتمرير تصميمات فضائية حساسة إلى مستخدمين غير مصرح لهم”. وخلص “مكتب المسألة العامة” إلى أن “إسرائيل تنفذ عمليات تجسس عدوانية ضد الولايات المتحدة أكثر من أي حليف آخر”.
وفي الآونة الأخيرة، أفاد جون كول، ضابط مكافحة التجسس التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، عن عدد قضايا التجسس الإسرائيلي التي جرى إسقاطها بموجب أوامر من وزارة العدل، حيث قدم تقديراً متحفظاً حول 125 تحقيقاً قابلاً للتطبيق يتعلق بقضايا التجسس الإسرائيلي – تشمل مواطنين أمريكيين وإسرائيليين – أوقفت بسبب الضغط السياسي.
في الواقع، تحصل “إسرائيل” على ضوء أخضر جديد في تجسسها على الولايات المتحدة، خاصة وأن إدارة بايدن لم تعقب بشكل قاطع على قضية التجسس الأخيرة.