تونس تخلع رداء “الإخوان”
محمد نادر العمري
من المؤكد أن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في نهاية الشهر الماضي، وبالتحديد في الخامس والعشرين من تموز 2021، كان لها دور كبير وبارز في قلب المشهد السياسي الداخلي التونسي ووضعه في نصابه الفعلي الحقيقي. هذه القرارات لم تكتفِ بتصحيح مسار المشهد والحفاظ على الحياة الدستورية العامة لتونس، بل سحبت البساط من تحت أقدام النظام الإخواني الذي تمدّد في الدول العربية تحت ما سُمّي “الربيع العربي” عبر الإيديولوجية المعمّمة من قبل مركز هذا النظام في تركيا.
لقد تجلّت الصورة الأولى لقرارات الرئيس التونسي في إبعاد “حركة النهضة” عن الحكم، لتؤكد هذه القرارات وهذه الإجراءات أن من يتستّر بعمامة الإسلام كوسيلة لتنفيذ أجندات خارجية، ولاسيما على وجه التحديد جماعة “الإخوان” لن يكون له مستقبل في ذلك، وها هو النموذج يتكرّر سقوطه في تونس بعدما شهدته مصر عام 2013 ليكرس هذه الحقيقة.
الصورة الثانية لهذه القرارات أنها لاقت تأييداً شعبياً وسياسياً واضحاً من قبل شريحة واسعة من الأحزاب والقوى والجماعات السياسية بمختلف تسمياتها، باستثناء بعض القوى المقربة من “حزب النهضة”، والتي تجمعها مصالح مشتركة. كما تمثلت حالة التأييد هذه بالارتياح الشعبي الذي عبّر عنه معظم أطياف الشعب التونسي وتمثل ذلك في شقين: الأول المسيرات المؤيدة لتحييد حزب الإخوان المتمثل بالنهضة وإزاحته من المشهد السياسي بعد الهيمنة غير الدستورية على مقدرات ومؤسّسات البلاد واستفراده بالتعيينات والمناصب المهمّة، والشق الآخر لم يكن هناك تحركات أو مظاهرات مندّدة بقرارات الرئيس سعيد، وهو ما يؤكد التأييد الشعبي. ويمكن وضع شق ثالث يؤكد هذا التوجّه عندما قامت مجموعات شعبية غاضبة ومتأثرة سلباً من “حزب النهضة” وحكمها بالهجوم على مقرات الحركة في معظم المدن.
أما الصورة الثالثة لهذه القرارات فقد تمثّلت في إظهار زيف ادّعاء النهضة خلال مدتها في الحكم وقبلها، بأنها حركة سياسية داخلية، وزعمت سعيها لنشر الديمقراطية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب التونسي.
لذلك بعد قرار 25 تموز، بات من الواضح لأي مراقب ومختص في شؤون السياسات العامة بمعناها الضيق وعالم السياسة بمعناه الواسع، توجهات وإرادة الشعب التونسي الرافض لهذه الحركة وما تمثلة من دور في تنفيذ مشاريع لمصلحة النظام الإخواني، سواء من خلال احتكار الحكم واتخاذ قرارات داخلية تصبّ في مصلحة ذلك النظام وتحرم الشعب التونسي من مقدراته وحياته وحقوقه السياسية أو الاجتماعية، أو من حيث السياسات الخارجية المتمثلة بإلحاق الضرر بالعلاقات العربية البينية كما هو حال موقف “حركة النهضة” وبإيعاز من النظام التركي تجاه سورية ومصر.
وتظهر الصورة الرابعة في إخفاق “حركة النهضة” بتحوّلها لحزب سياسي شعبي، لأن أي حزب من الناحية النظرية يتمتّع بشعبية منتمية لصفوفه بشكل ديمقراطي وبكامل الرغبة الانتمائية الحزبية، تناصر حزبها إيماناً منها بمنطلقات الحزب ومبادئه وأهدافه وتوجهاته، وهذا الواقع لم نره أبداً، باستثناء بعض الأصوات لشخصيات مقربة من الحركة التي تجمعها مصالح نفعية معها.
الصورة الخامسة والتي بيّنتها القرارات وكشفت عن حقيقتها هي تلك المتمثلة بالدور الوظيفي لـ”حركة النهضة” في الداخل التونسي وعلى مستوى المنطقة لمصلحة النظام الإخواني، فالمتوقف عند التصريحات التركية والقطرية، فضلاً عن البيانات التي أصدرتها جماعات متأسلمة كثيرة، في مقدمتها ما يُسمّى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظمات أخرى تدور في فلك الإخوان، يدرك هذه الحقيقة المتجلية بشكل واضح، وارتفاع شدة هذه المواقف والتصريحات هو بسبب أن تونس تمثل الوجود الأخير في الدول العربية لحركة الإخوان والتي تظهر بصورة واضحة في السلطة والحكم.
الآمالُ من قبل التونسيين اليوم ترتسم حول تحقيق تطلعاتهم في نظام سياسي ديمقراطي تكون فيه مؤسّسات الدولة هي الحاكم الفعلي، وتمنع تفرد الإخوان أو غيرهم بالسلطة، وربما تباطؤ الرئيس سعيد باتخاذ قرارات تأتي في سياق هذا التوجّه، بمعنى آخر التدرج بعملية سياسية هادئة توصل الشعب التونسي ومؤسّساته إلى بر الأمان، من خلال إرضاء كل الأطياف السياسية التي يجب أن تجمعها مصلحة تونس قبل أي شيء.