ثقافةصحيفة البعث

د. ثائر زين الدين: أميل إلى إيقاع العروض والخروج عنه بشكل أنيق

“أنت قربي لكنك لست معي، لن نعود سوياً إلى البيت، لن أقفل الباب مسرورة، لن أنام تحيط ذراعاك بي”، مقتطفات من قصيدة “القطار”، التي تحكي قصة الفراق المؤلم ومواجهة ريح الخريف، قرأها الشاعر د. ثائر زين الدين –المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب- بصوته المعبّر، في الندوة التي احتفت بتجربته للحديث عن عطائه الثقافي والفكري في المركز الثقافي (أبو رمانة) بمشاركة الأساتذة محمد طربيه وبيان الصفدي وسعد القاسم، وإدارة الإعلامي عبد الرحمن الحلبي ضمن ندوة كاتب وموقف. وقد تناول كل باحث جانباً من تجربة زين الدين من وجهة نظره ورؤيته تعلقت بالنقد والشعر والترجمة والدراسات البحثية، إلا أن الندوة أغفلت مشروع زين الدين الأخير الذي يساهم بنشر الأغنية الروسية وترجمتها إلى العربية من خلال الفيديوهات السينمائية القصيرة وعرضها على صفحته الخاصة.

الأغنية ضمن تقانات

الحلبي استهل الندوة بحديثه عن جدية الخط الذي انطلق منه د. ثائر زين الدين ومضى به، ثم ناقشه باستحضار الشخصيات التراثية، فأوضح زين الدين أنه في الشعر العربي استُحضرت الشخصيات التراثية المختلفة بطرق متعددة ابتداءً من الأساطير اليونانية والرومانية والهندية، إلا أن بدأت تُستحضر الشخصيات العربية الإسلامية، وقد استلهم كثير من الشعراء شخصية شاعر الحب  ديك الجن الحمصي الذي قتل محبوبته.

كما أثار الحلبي موضوع حضور الأغنية في الرواية والقصة الذي تناوله زين الدين في دراسته (قارب الأغنيات والمياه المخاتلة-2012) فبيّن أنه تطرق إلى نماذج من السردية العالمية والعربية، وتحضر الأغنية الوطنية والقومية والشعبية لكن ضمن تقانات تتعلق بفنية الكتابة، كما ذكر حنا مينه أغنية “يا ماريا” لغايات معينة.

الشاعر والناقد

أما الأديب محمد طربيه فقد أشار إلى زين الدين الذي جمع بين الشعر والنقد، فالشاعر عندما يكتب نقداً أدبياً لا يكون نقده صادراً عن مجرد التنظير والأدلجة أو محض الاستعراض، بل يكون نقده صادراً عن مبدع اكتوى بنار التجربة وممارسة عملية الخلق الأدبي، فركز على جانب النقد الأدبي في تجربته. وتوقف عند كتاب (خلف عربة الشعر-2006) المؤلف من ثلاث دراسات، ليتقاطع مع سؤال الإعلامي الحلبي في الدراسة النقدية لتجليات ديك الجن الحمصي في نماذج من الشعر العربي المعاصر كشخصية تراثية لها دلالاتها عند عدد من شعراء سوريين حديثين، إذ تمّ استرفاد الشخصية لتصبح أداة تعبيرية في نصوص شعرية معاصرة، منهم: عمر أبو ريشة ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي وغيرهم.

وتابع الدراسة الثانية بعنوان الشعر يستعير تقنيات السرد، يبيّن فيها أن الشاعر السوري خرج عن أسر الذاتية الشديدة أو الغنائية المفرطة ونأى عن المباشرة والخطابية والارتجال، ليخلق شخصيات منفصلة عن الشاعر تبني النص من الداخل وتتحرك كشخصية منفصلة على غرار ما يحدث في القصة والرواية. والدراسة الثالثة تناولت البنية الإيقاعية للقصيدة العربية من خلال انتقالها من نمط البيت الشعري التقليدي إلى التفعيلة.

كما توقف عند كتاب (شعراء وذئاب-2008) وتحدث فيه عن علاقة الشاعر بالذئب وما قيل من قصائد طريفة لشعراء عرب من العصرين الجاهلي والإسلامي، وتناول فيه أيضاً قصيدة أبي فراس الحمداني “عصي الدمع” وكانت رسائل شعرية “أشبه بيوميات أسير يحلم كل يوم بالحرية” أراد من خلالها إرسال رسائل خفية لسيف الدولة الحمداني من خلال حسنائه:

فلا تنكريني يا بنة العم إنه/ليعرف من أنكرته البدو والحضر

وفي كتاب (مرايا الظلال القادمة- 2018) يعدّد زين الدين أوجه توظيف التراث في الشعر العربي المعاصر، فيشير إلى التراث الديني والوقائع التاريخية والشخصيات والمدن والأماكن، كما درس البواعث القومية والوطنية والسياسية والاجتماعية والوجدانية والنفسية والثقافية التي دعت الشعراء الحديثين إلى استدعاء عناصر التراث المختلفة. ونوّه طربيه أيضاً بقدرة زين الدين على استخدام اللغة على صعيدين مختلفين لغة البحث ولغة الإبداع.

قناعة القارئ

وتمحورت مشاركة الأديب بيان الصفدي حول التجربة الشعرية لزين الدين، إذ يكتب بلغة بسيطة شفافة ويستخدم الكثير من التقنيات الحديثة في كتابة القصيدة، فيصل الشعر إلى القارئ بقناعة مقترباً من تيار القصيدة البسيطة العميقة فتميز بقصيدة التفعيلة، ويكتب نصوصه بشغف مهموماً بالكلمة والاكتشاف والتغيير، وفي الحب تحدث في كثير من قصائده بلسان المرأة أسوة بالشاعر نزار قباني.

القصيدة البصرية

الناقد سعد القاسم تحدث عن العلاقة بين الشعر والتشكيل التي مازالت قليلة في ثقافتنا، ورأى أن كتاب (ضوء المصباح الشعري-2020) قدّم دراسات مهمّة عن القصيدة البصرية، واستلهام الشاعر موضوع الرسم وتوظيف أعمال الفنان التشكيلي في القصيدة، وتوقف عند كيفية كتابة القصيدة بالتشكيل بالرسم والحروفيات مثل “من حروفيات أبو للينير”، وأظهر التراسل بين التشكيل والشعر بأمثلة متعدّدة منها قصيدة لناصر زين الدين بعنوان لوحة.

“أبصرتها ترمقني، من لوحة فارهة، في متحف المدينة”.

القراءة قبل الكتابة

اختُتمت الندوة باستغراب الكاتب عماد نداف من  د. ثائر زين الدين الذي جمع بين الأدب والنقد والهندسة والترجمة وألّف الكثير، فعقب زين الدين بأنه بلغ الثامنة والخمسين أمضاها بالقراءة والعلم، وقد توقف عن ممارسة العمل الهندسي في عام 2003 بشكل كامل وتفرغ للعمل الأدبي، وينفق الكثير من الزمن على القراءة قبل الكتابة، كما حفظ الكثير من الشعر العربي، وشوقه للشعر أكسبه لغته القوية الإبداعية والبحثية، إضافة إلى ميله للموسيقا وإيقاع العروض مع الرغبة في الخروج عنه كما فعل شعراء الحداثة لكن بشكل فني أنيق ومدروس دون حدوث عبث، كما أنه ترجم الكثير من الأعمال عن الأدب الروسي أثناء تحضيره أطروحة الدكتوراه في روسيا، كل هذا أوصله لإنجاز ستين كتاباً.

ملده شويكاني