د. سامر عمران: لست مؤمناً بفكرة الأستذة في مشروع التخرج
عندما سيتوجّه المُشاهد لمشاهدة العرض المسرحي “3021” وهو مشروع تخرج طلاب السنة الرابعة في قسم التمثيل، سيفاجأ منذ وقوفه على باب المسرح بأن هناك شيئاً مختلفاً خارج توقعاته بمشاهدة عرض مسرحيّ تقليديّ اعتاد طلاب المعهد على تقديمه، حيث يكتشف تدريجياً أنه قد تورّط وأصبح شريكاً في هذا العرض، فيتقاسم مع أبطاله الحزن والفرح ضمن صيغة مسرحية اختار تقديمها د. سامر عمران بعد غيابه عن مشاريع التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية منذ سنوات، نتيجة انشغاله بإدارة جامعة المنارة في مدينة اللاذقية.
22 طالباً
ويبيّن د. عمران في حوار مع “البعث” أن إدارة المعهد العالي للفنون المسرحية دعته أكثر من مرة للإشراف على مشاريع الطلاب، لكن ظروفه حالت دون تحقيق ذلك، وعندما تجدّدت الدعوة له في هذه السنة من قبل رئيسة قسم التمثيل، د. ميسون علي، شعرَ بألم وشكل من أشكال التخلي عن المعهد إن رفض، فاتّخذ قراراً بالموافقة نظراً للوضع الخاص لهذه الدفعة من الطلاب وهو وضع استثنائي، حيث تمّ قبولهم منذ أربع سنوات وكانت سابقة أن يُقبَل نحو 34 طالباً في قسم التمثيل، وإن افترضنا إمكانية قبولهم فهو مرتبط برأيه بوجود شعب وإمكانيات لوجستية غير موجودة في المعهد، وقد وصل عدد هؤلاء في السنة الرابعة إلى اثنين وعشرين طالباً وطالبةً.
علاقة الإنسان بالحضارة
ولأنه لا يوجد نص مسرحي – على حدّ علم عمران – لا باللغة العربية ولا بأي لغة أخرى فيه حيّز يكفي لهذا العدد من الطلاب لتقديمه للجمهور كمشروع تخرج، حيث الكاتب عادة لا يكتب بهدف توزيع الأدوار، بل بهدف التعبير عن وجهة نظره من خلال شخصيتين أو ثلاث أساسية، وما تبقى من شخصيات أخرى لديه لا تكون إلا بمثابة سند لتلك الشخصيات الأساسية، مشيراً إلى أنه كان من المفروض بوجود دفعة بهذا العدد التفكير بها بشكل آخر كأن يُستكتَب أحد للكتابة لها، ولأن ذلك لم يحصل كان لا بد من الكتابة لهذه الدفعة من قبله وهو الذي في رصيده تجربة كتابية يتيمة وهي “نبوءة” التي عُرِضت عام 2015، فكانت “3021” التجربة الثانية، ومع ذلك يؤكد أنه ليس بكاتب، وهو أميل للقول إنه كان دراماتورجياً في هذا العرض، خاصة وأنه اتّكأ على ما كُتب في روايتين وكذلك من علم النفس المعاصر وفهمه للموت والحياة والعلم والتخريب عند الإنسان للحديث عن موضوع الزمن وعلاقة الإنسان بالحضارة، وكيف أن جشعه وأنانيّته ورغبته في التسلط والهيمنة على نوعه وجنسه يجعله يخلق حروباً تدمرُ ما صنعه وما وصل إليه.
نص جديد
يوضح عمران أنه وبعد أن أعجب الطلاب بالفكرة التي طرحها تمّ الاتّكاء على فكرة رواية “العمى” لخوسيه ساراماغو، حول فكرة وباء ينشر العدوى بين الجميع، وعلى رواية “وادي العميان” لهنري ويلز، لبناء نص جديد، وتمّ العمل مع الطلاب منذ فترةٍ طويلة ولكن بشكل متقطع، مبيّناً أنه كان لديه رغبة في تسليط الضوء على عدة مراحل بين عامَي 2021 و3021، إلا أن ظروفاً كثيرة جعلت الانتقال لـ3021 سريعاً عبر شخصيات تمّت كتابتها للطلاب، مؤكداً أنه من الصعب أن يعدل المخرج بين جميع الطلاب بوجود هذا العدد الكبير من الطلاب، لذلك عمل عمران على تقديم الطالب بطريقة مختلفة لها علاقة بتقنيات الممثل.
لست أستاذاً
طلاب هذه الدفعة برأي عمران كبقية الدفعات الأخرى السابقة، متنوعو الإمكانيات والقدرات والهواجس، وكلّ واحد منهم كان يتلقف المعلومة بطريقة ما، مؤكداً أنه ليس مؤمناً بفكرة الأستذة بمشروع التخرج، بل كمخرج محترف يعمل مع ممثلين يجب أن يكونوا أقرب ما يمكن للاحتراف في هذه المرحلة “التخرج”، وهو مقتنع بأن مهمته ليست أستاذاً يريد أن يعلمهم بل مخرج يعمل معهم على بعض النواقص بالطريقة ذاتها التي يعملُ فيها مع أي ممثل محترف، من خلال نبش القدرات الكامنة لديه، مع إشارة عمران إلى أنه في مشروع التخرج عليه أن يتعاطى مع مجموعة من العناصر الفنية، أهمها على الإطلاق العمل على الممثل لأنه صاحب المشروع، وعليه كمخرج أن يُقدِّم أفضل ما لديه ضمن الحدود الموضوعية التي يمتلكها، وقد منح كل طالب حيّزاً محدداً يتفرّد فيه ليتميّز الطالب الذي اشتغل على نفسه وتدرّب كثيراً.
ابن الحرب
أشرف عمران على عدة مشاريع تخرج، ومع هذا يرفض أن يُقارن بين طالب اليوم وطالب 2001 مثلاً لإيمانه أن المخرجين والممثلين والأساتذة يجب أن ينظروا إلى الطالب كما هو وليس كما يرغبون، فالطالب الذي يتخرّج اليوم لا تجوز مقارنته بالطالب الذي تخرج منذ خمسة عشر عاماً، لأنه ابن الحرب. لذلك كان حرص عمران على أن يتعامل معه كنتاج لحرب طويلة، مع الأخذ بعين الاعتبار تطور التكنولوجيا وعلاقة الطلبة بالثقافة ووسائلها التي تنوعت، وبالتالي بنفس هذا الحيّز يرى عمران طالباً يبحثُ عن جديد ضمن هذه التكنولوجيا، وطالباً آخر يتعاطى معها بشكلٍ سطحي، وهذان النموذجان كانا موجودين منذ خمسة عشر عاماً، لذلك لا يستطيع القول إن الطالب منذ خمسة عشر عاماً كان أفضل، وقد كانت آلية التعاطي العالمية مختلفة، معترفاً أن ذلك عذّبه كثيراً، فهو كمخرج يريدُ متطلبات محدّدة من الطالب، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يتفهم طبيعة مزاجه وغرائبية علاقته مع الحياة وهي تختلف عن علاقته مع الحياة ومع اهتماماته. ومع ذلك يرى عمران أنه اقترب من هذا الطالب كثيراً، ووصل إلى نتائج معقولة بالرغم من العذاب الذي عانى منه.
فكرة سطحية
لا يتفق عمران مع من يقول إن الشق الأكاديمي أخذ من وقته كثيراً كمخرج لإيمانه إيماناً مطلقاً أنه لا يتعامل مع مشاريع التخرج إلا كمخرج يقومُ بإخراج مسرحية مع ممثلين، مؤكداً أنه لو أخرج مسرحية في المسرح المحترف فسيتعاطى معها بالطريقة ذاتها، مشيراً إلى أن هناك فكرة سطحية عن عمل المخرج وهي أنه يشكل ويحرك الممثلين ولا يعمل معهم وهذا برأيه كلام قديم لم يعد مقبولاً اليوم، لذلك فإن مشاريع التخرج بالنسبة له هي عروض مسرحية وإن كانت تتوجّه لجمهور معيّن هو جمهور المعهد الذي يحب أن يتوجّه إليه، لأن المسرح بالنسبة له ليس للعامة وإنما هو لمن يرغب به، ولا يقصد هنا بالعامة بنخبة المثقفين، وإنما هي النخبة التي تذهب إلى المسرح، سواء كانت هذه النخبة طبيباً أو معلّماً أو عاملاً.
لبوس المضمون الشكل الفني – كما يبيّن عمران دائماً – هو لُبُوس المضمون والصيغة التي يستطيعُ من خلالها تقديم مجمل أفكار أي مضمون، من هنا كان الشكل الفني الذي ارتآه في 3021 منسجماً مع مضمونه وهو شكل لم يعتد عليه الجمهور الذي سيكتشف أنه شريك في العرض منذ البداية وسيتفاعل وينفعل مع الأحداث ولن يكون مجرد متلقّ، مبيناً أنه في مسرحية “3021” عدة مراحل زمنية ودرامية وكان من المفترض أن يكون الفارق بينها 100 عاماً، ولكن ولأسباب كثيرة تمّ الانتقال سريعاً لعام 3021 مع الأخذ بعين الاعتبار تقديم هؤلاء الطلبة من قبله بشكلٍ متنوّع.
يُذكر أن عروض “3021” مستمرة ليوم الخميس القادم في المعهد العالي للفنون المسرحية- مسرح فواز الساجر.
أمينة عباس