الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للوزارة الجديدة بعد أدائها اليمين الدستورية: الأولوية للإنتاج وفرص العمل ولا إصلاح اقتصاديا دون إصلاح مالي وضريبي على الاعلام أن يركز على محاربة المفاهيم الدخيلة وأن يكون جسراً بين المواطن والمسؤول
“البعث الأسبوعية” ــ سانا
أدى اليمين الدستورية أمام السيد الرئيس بشار الأسد، أمس الأول، السبت، أعضاء الوزارة الجديدة برئاسة المهندس حسين عرنوس.
بعد ذلك ترأس الرئيس الأسد اجتماعاً للوزارة، أكد فيه أن أولويات العمل الحالية تتمثّل بالإنتاج وخلق فرص العمل، حيث كان سابقاً الأمن ضرورياً للبدء بالإنتاج والإقلاع به، أما اليوم فالإنتاج هو الضروري لاستمرار الاستقرار، وخاصة بعد تحرير الجزء الأكبر من الأراضي السورية من الإرهابيين. وفيما يلي نص كلمة الرئيس الأسد خلال ترؤسه الاجتماع:
أهلاً وسهلاً.. أرحب بكم جميعاً وأرحب بشكل خاص بالوزراء الذين انضموا اليوم إلى فريق العمل الحكومي، المهام كثيرة والمسؤوليات كبيرة، والنجاح يكون من خلال قدرتنا على رؤية الواقع بتفاصيله الكثيرة وبتشعباته المعقّدة، بالشكل الذي يجعلنا نرى الحقائق كما هي، ولا نغرق بالتشاؤم، وبالمقابل لا نغرق بالتفاؤل.
النقطة الأهم هي أن نحدد كحكومة ما هي التحديات الموجودة أمامنا، وأي من هذه التحديات هو أساسي وأي من التحديات هو ثانوي، أحياناً نغرق بالتحديات الثانوية ونهمل الأساسية، أي من التحديات نحن قادرون على أن نقوم بحلها أو حل إشكالياتها في الظرف الراهن، وأي منها هو خارج قدراتنا الحالية، أن نحدّد أي من هذه التحديات مرتبط بظروفنا الداخلية، وعندما أقول ظروفنا الداخلية فأنا أقصد الظرف العام داخل الوطن، وبالوقت نفسه ظروف العمل بالنسبة للمؤسسة بما فيها الخلل والضعف والفساد وإلى آخره من التفاصيل التي تؤثّر سلباً على العمل.
رؤية كل هذه التفاصيل وبشكل منهجي هي التي تجعلنا نتمكّن من معالجة كل حالة بطريقة خاصة بها، وليس جمع كل هذه العناصر مع بعضها والوصول إلى لا شيء والبقاء في المكان، عندما نتمكّن من هذه الرؤية بشكل دقيق يمكن أن ننقلها إلى المواطنين أيضاً بشكل واضح، وعندها تكون الرؤية العامة في سورية لدى المجتمع هي رؤية واضحة، يصبح حوارنا موضوعياً ويصبح النقد موضوعياً، يصبح النقاش في مختلف القضايا أيضاً موضوعياً، وعندها يمكن أن يكون الكل محصّناً، وعندما أقول الكل فأنا أقصد حتى المسؤول، لأن البعض من المسؤولين يتأثّر بالدعاية، عندما تكون الأمور واضحة بالتفاصيل فيكون الكل محصّناً ضد الدعاية الخارجية التي تركّز طبعاً بشكل أساسي على المواطن لكي تجعل من هذا المواطن أو تجعل الدولة بالنسبة لهذا المواطن عدواً وتحوّل المواطن إلى عدو للدولة وبالمحصلة عدو للوطن.
لا عودة بسورية إلى حيث كانت قبل الحرب
التوجّهات العامة بالنسبة لعملنا في هذه الظروف أو المبادئ العامة للعمل، صعوبة الظروف وتعقيدها لا يدفعنا للعمل على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، كثير من الناس يقول إن شاء الله تعود الأمور مثل ما كانت، هذا الكلام شعبي لكن بالنسبة للحكومة لا يجوز أن نعود بسورية إلى حيث كانت، بل يجب أن نذهب بها إلى حيث يجب أن تكون في هذا الزمن، يعني أن نختصر الزمن، وبما أن الظروف لن تسمح لنا أن نقوم بهذا الشيء بكل المجالات، فنحن نستطيع أن نحدّد مجالات للخرق وننفّذ هذا الشيء، وهذا الشيء يحصل سواء بإصلاح الحكومة أو إصلاح مؤسسات الدولة، وهذا الشيء بدأنا به في الحرب، أتمتة الدولة والتحوّل الرقمي والدفع الإلكتروني والخدمات الإلكترونية، كل هذه العناوين هي عناوين حديثة نبدأ بها في ظروف الحرب ولا ننتظر عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب.
المشاركة والشفافية
الأولوية في المرحلة السابقة كانت لاستعادة الأمن، أما اليوم فالأولوية هي للإنتاج وفرص العمل، الأمن كان ضرورياً للبدء في الإنتاج والإقلاع به ولاستمرارية الإنتاج، أما اليوم فالعكس هو الصحيح، الإنتاج هو الضروري لاستمرار الاستقرار، وخاصة بعد تحرير الجزء الأكبر من الأراضي في سورية من الإرهابيين، أيضاً عندما نتحدّث عن قضايا عامة، عن شعب بعشرات الملايين، عن بلد كامل، عن قضايا وطنية، لا يمكن لهيئة مؤلّفة من عشرات الأشخاص أو من مؤسسات دولة مؤلّفة من مئات الأشخاص أن يتمكّنوا من القيام بالتفكير نيابة عن كل الشعب، بغض النظر عن الصلاحيات، لذلك فكرة المشاركة أساسية لنجاحنا في العمل، توسيع المشاركة قدر المستطاع، مع المبادرات الشعبية والهيئات الشعبية، مع أشخاص، مع أصحاب اختصاص، توسيع المشاركة يعني المزيد من الأفكار، عندما يكون أمامنا المزيد من الأفكار أولاً هذا يخفف عبئاً وجهداً على المسؤول، ثانياً يضع أمامه خيارات أكثر ويستطيع أن يختار الأفضل منها، يعني تقل نسبة الخطأ وتزداد نسبة النجاح بالنسبة للمسؤول، وهذا يؤكّد المبدأ المعروف إنسانياً وبشرياً بأن العمل الجماعي هو دائماً أفضل وأكثر إنتاجاً وصواباً من العمل الفردي، وبما أننا نتحدّث عن المشاركة فلا يمكن أن نشارك المواطن دون الشفافية كمبدأ، يجب أن تكون الشفافية مبدأ أساسياً في عملنا، المواطن لا يستطيع أن يشارك ويبدي رأيه ويساعدنا في اتخاذ القرار بشيء هو لا يعرف عنه، فإذاً يجب أن تكون هناك شفافية مع المواطن ودون خجل، بالعكس المواطن يقدر الشفافية حتى ولو كان ضد المسؤول، هذه المشاركة مع الشفافية تقلّل من أخطائنا كمسؤولين، وبالمحصلة عندما نطلب من المواطن أن يتفهّم الظروف فهو سيتفهّم ولكن كيف سيتفهّم شيئاً هو لا يعلم عنه؟ فلا بد من أن نعطيه كل المعطيات بشكل واضح، وعندها لا داعي لكي نطلب منه التفهم، هو سيتفهّم.
اللامركزية تحقق التنمية المتوازنة بين المناطق
بالإطار نفسه، باعتبار أن المجتمع، كما قلت مجتمع كبير، والمجتمع خلال أربعة أو خمسة عقود تضاعف عدة مرات، إضافة إلى أن ازدياد عدد السكان الكبير أدى إلى ازدياد قطاعات الحياة مع تطوّر العالم بشكل عام، فأصبح من غير الممكن للسلطة المركزية أن تدير كل شؤون البلد أو الوطن بشكل مركزي، لا بد من توزيع الصلاحيات، وهنا يأتي دور الإدارة المحلية، وصدر قانون الإدارة المحلية قبل الحرب ولم يكن لدينا كل هذه التحدّيات وصدر القانون انطلاقاً من هذه المبادئ، ولكن الحرب أخّرت تفعيل أو تطبيق هذا القانون والانتقال من المركزية إلى اللامركزية ولو تدريجياً، أعتقد أن الفرصة مناسبة الآن لهذه الخطوة، لأن المجالس المحلية هي الأقدر على معرفة مصالحها المحلية وطرح الحلول، وهذا يساعد السلطة المركزية والمسؤول المركزي على أن يبتعد عن الغرق في التفاصيل ويتجه باتجاه التفكير الاستراتيجي والمراقبة ووضع الخطط وإلى آخره من المهام الأساسية التي يفترض أن يقوم بها، بالوقت نفسه فإن اللامركزية تحقّق التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق الأغنى والأفقر وبين الريف والمدينة، لدينا تجربة بسيطة تمّ تطبيقها خلال العام الماضي هي موضوع مشاركة الإدارة المحلية في مراقبة الأسعار وأثبتت فعالية جيدة، ولو أن التجربة في بداياتها ولا بد من تطويرها، فإذاً نحن نستطيع أن نعتمد على المجالس المحلية من خلال تطبيق هذا القانون، وبما أننا نتحدّث عن اللامركزية وعن التنمية المتوازنة فخلال عملنا لإعادة الإعمار في المرحلة الحالية في المناطق التي دمّرها الإرهاب، من الضروري أن نعطي الأولوية للمناطق الريفية لأنه من خلال التجربة قبل الحرب وليس في الحرب، كنا نركّز في التنمية دائماً على المدن بالخدمات وبالأشياء المختلفة فهذا الشيء كان يشجّع المواطنين في الريف على الهجرة إلى المدينة فكانت المدينة تخسر قيمة الخدمات والريف يخسر الخدمات أساساً، فالأول يخسر والثاني يخسر، بينما عندما نطوّر الريف، وهي فرصة الآن لتطويره وإعادة إعماره من جديد ببنية تحتية جيدة ولو مع الزمن، لكن أنا أتحدّث الآن عن التوجّه وعن السياسة العامة، فيربح الريف وتربح المدينة عندما نتمكّن من دفع الهجرة بالاتجاه العكسي من المدينة إلى الريف.
الأولوية للتحدي المعيشي
التحديات كما قلت كثيرة، ولكن الأولوية طبعاً هي التحدي المعيشي، أي دولة تواجه تحديات معيشية وغيرها، ولكن كيف تواجه الدول هذه التحديات، ليس بالغرق بالتفاصيل كما يحصل أحياناً مع بعض المسؤولين، يعملون بجد وباندفاع ووطنية وكل هذه الصفات، ولكن من دون منهجية، عندما نغرق بالتفاصيل فنحن نبتعد عن الدور المنوط بنا كمسؤولين في السلطة التنفيذية تحديداً في الحكومة أو في مجلس الوزراء، كل الدول لديها سياسات وتنطلق في عملها من السياسات، والسياسات هي الرؤى العامة للقطاعات المختلفة، ينبثق عن السياسات استراتيجيات وهي خطة التنفيذ لسنوات، ولو عدنا للسياسات فلا أعتقد بأنه لدينا مشكلة في السياسات الآن، أي السياسات السورية بمعظمها، وسياسات السلطة التنفيذية هي سياسات ثابتة منذ عقود، مثلاً سياسة الدعم، عمرها أكثر من خمسة عقود الآن أو ستة عقود، دعم المواطن في المواد الأساسية لم يتغيّر ولكن الاستراتيجية والآليات تتغيّر حسب الظروف، لدينا سياسة دعم الفلاح، سياسة دعم المحاصيل الاستراتيجية، سياسة الحفاظ على القطاع العام وغيرها من العناوين الكبرى، التي لا أرى ضرورة لمراجعتها وتبديلها، لكن خطط العمل التي تنبثق عن هذه السياسات هي التي بحاجة لمراجعة، أولاً فيها الكثير من القصور، والكثير من الثغرات، وفي بعض الأحيان نرى أنه لدينا برامج ولدينا مشاريع ولكنها لا تخضع لاستراتيجية بالأساس، الاستراتيجية غير موجودة، لذلك نرى فوضى، نرى خللاً، نرى برامج كثيرة ولكنها لم تحقق أي شيء، لا خلال الحرب ولا قبل الحرب، فأعتقد من أولى مهام الحكومة بدايةً على مستوى كل وزارة هي مراجعة، طبعاً مراجعة السياسة لأن الاستراتيجية ستنطلق منها، ولكن الهدف هو مراجعة وتعديل وتطوير أو وضع استراتيجية تتناسب مع الأهداف المخططة لهذه الوزارة وللقطاع الذي تشرف عليه.
أنا الآن سأتحدّث عن بعض العناوين التي قد يكون جزء منها بالمشاريع أو نضعها بالبرامج، أتحدّث الآن عن عناوين بما أننا لم ننظم كل مهام الدولة بشكل منهجي، فأتحدّث مباشرة عن العناوين التي تهمنا الآن في الظرف الحالي، وأعتقد هي أولوية بالنسبة لكم جميعاً، أولاً قانون الاستثمار، صدر منذ أشهر قليلة وكان الصدى إيجابياً جداً من قبل المهتمين في هذا القطاع أو المستثمرين أنفسهم، ولكن كما يعلم الجميع لم تصدر التعليمات التنفيذية، والتعليمات التنفيذية هي الصيغة التنفيذية لأي قانون وهذا يعني بأنها هي أساس نجاح أي قانون من القوانين، فالكل ينتظر هذه التعليمات التنفيذية وما سيتبعها من قرارات أو إجراءات تؤكّد أن هذا القانون سيتمكّن فعلاً من فكفكة أو تفكيك العقبات التي تعترض الاستثمار في سورية، وهناك جانب آخر، إذا كان القانون والتعليمات التنفيذية وكل ما يليها هو المحور بالنسبة للمستثمر فهذا لا يعني أن البيئة التي تحتضن الاستثمار تتوقّف عند هذا القانون، لأن هناك قوانين أخرى لا أريد أن أقول مكملة ولكنها أيضاً تشكل بيئة محيطة ببيئة الاستثمار، هناك إجراءات، تبسيط إجراءات في مؤسسات أخرى غير مشمولة بقانون الاستثمار نفسه، هناك سياسات مصرفية، سياسات مالية، هناك سياسات تمويلية، هناك إجراءات جمركية، هناك سياسات وإجراءات تتعلّق بالاستيراد وبالتصدير وإلى آخره، لذلك أعتقد أن النقطة المهمة التي يمكن أن نسير بها بالتوازي مع كل هذه البيئة الجديدة التي استحدثت لدفع أو لتحفيز الاستثمار هي الإسراع بالخدمات الإلكترونية المتعلقة بكل بيئة الاستثمار، وهذا ممكن لأننا تحرّكنا بموضوع الخدمات الإلكترونية، نحن لا نبدأ من الصفر بكل الأحوال.
المشاريع الصغيرة والمتوسطة رافعة للاقتصاد
بالوقت نفسه لا بد أن تبدأ الوزارات مباشرةً بتحديد ما يعنيها من هذا القانون، من خلال تحديد ما هي المشاريع الاستثمارية المشمولة بقطاعها، وتصدر دليلاً أو أدلة فيها المزايا، فيها الإجراءات، فيها كل ما يهم المستثمر، وفي حال كانت هيئة الاستثمار هي الجهة المعنية بالتسويق فتقوم هي باستلام هذه الأدلة وتقوم هي بعملية التسويق وغيرها من المهام المكلفة بها.
النقطة الثانية هي المشاريع الصغيرة، قبل قانون الاستثمار بعدة أشهر صدر قانون التمويل الصغير، وهو المتعلّق بالمشاريع المتناهية الصغر، يعني عملياً ما بين قانون الاستثمار، الذي يشمل المشاريع الكبرى، والتمويل الأصغر، الذي يشمل المشاريع المتناهية الصغر، نحن غطينا جزءاً مهماً من الاستثمار المفترض، لأن كلا القانونين لم يحقق النتائج بعد، لذلك أقول المفترض أو القادم على الطريق، لكن في كل دول العالم الاستثمار الأهم والذي يشكل رافعة للاقتصاد هو استثمارات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
السؤال هنا، إذا كنا قد أصدرنا قانوناً للاستثمارات الكبيرة وللأصغر، فلماذا لا نصدر قانوناً لهذه الفئة من الاستثمارات بالرغم من أنها الفئة الأهم والأقوى والأكثر صموداً في الأزمات، هذا أحد العناوين الأساسية للنقاش في الحكومة، يحدّد هل نحن بحاجة للذهاب بالاتجاه التشريعي، أم فقط باتجاه الإجراءات، ولكن لا يمكن أن نترك هذا القطاع خارجاً لأنه هو الأكبر، والذي يشكل النسبة العظمى من الاستثمارات حتى في الدول الأكثر تطوراً والأكثر غنى، وهذا الاقتصاد حالياً غير ملموس، لأنه يعتبر اقتصاداً غير مرئي، اقتصاد ظل، عندما يظهر إلى العلن وإلى الضوء وينظّم تشريعياً يستفيد أصحابه من التمويل ومن التسهيلات المختلفة، يستفيدون من التدريب ومن الاستشارات وكل الخدمات المختصة بهذا القطاع.
النقطة الأخرى هي مؤسسات التدخل الإيجابي، كان هناك اجتماع في ربيع عام 2020، أعتقد في شهر أيار حول هذا الموضوع، وتنشطت مؤسسات التدخل الإيجابي وحققت إنجازات لن أدخل في أن أقول إنجازات كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، حققت إنجازات معينة، يعني أثبتت أنها قادرة على التدخل بقوانينها الحالية وبكوادرها القائمة عليها، أتمنّى أن يتم تفعيلها بطاقتها القصوى لكي نحارب الاحتكار وارتفاع الأسعار، بالرغم من أن سعر الصرف لم يتغيّر كثيراً خلال الأشهر القليلة الماضية.
لا إصلاح اقتصاديا دون إصلاح مالي وضريبي
أما الفساد فنستطيع أن نتحدّث بشكل موسّع عن تراجع الأخلاق الذي أدى إلى انتشار الفساد، وهذا صحيح، ولكن الدولة لا تنتظر تحسّن الأخلاق لكي تكافح الفساد، وإنما علينا أن نضع دائماً ضوابط ومعايير وآليات واضحة، والممارسة الجيدة التي نطبقها من خلال هذه المعايير والآليات التي ستساهم في ضبط الفساد، وأنا لا أتحدّث عن كل الناس طبعاً أتحدّث عن الفاسدين.
إذا كنت قد تحدّثت عن الفساد سابقاً بجوانب مختلفة، وفي كل مرة كنت أعطي مثالاً أو جانباً مختلفاً اليوم، أتحدّث تحديداً عن الضريبة ولو بشكل مختصر، لأن الإصلاح الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على الإصلاح المالي، لا يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي من دون إصلاح مالي، ولا يمكن أن يكون هناك إصلاح مالي من دون إصلاح ضريبي، فإذاً.. نجاحنا في معالجة أو تطوير النظام الضريبي وتحسين مستوى المؤسسات ورفع أداء الكوادر، عندها نتمكّن من الوصول للهدف الأساسي وهو عدالة ضريبية ومكافحة تهرّب ضريبي، وعندما نتمكّن فعلاً من مكافحة التهرّب الضريبي، وهو ثغرة كبيرة جداً جداً في الاقتصاد السوري، عندما نتمكّن من مكافحتها فستحصل الدولة على مبالغ كبيرة من الأموال وسوف تكون قادرة على تقديم خدمات أفضل للمواطنين، بالإطار نفسه نرى أن عمليات التهريب في إطار الفساد، عمليات التهريب، تهريب البضائع والمواد من الخارج وبيعها في الأسواق السورية منتشر بشكل كبير، وهذا تهريب مرهق بلا حدود لليرة السورية من جانب وللصناعة السورية والمنتج السوري من جانب آخر وأيضاً للاقتصاد بشكل عام، الاقتصاد، يصبح الاقتصاد مشوّهاً في الواقع.
ضرب الفساد دون تردد
قمنا مؤخراً وقامت مؤسسات الدولة المعنية بحملة ناجحة على التهريب خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية وتمكّنت من ضبط كميات كبيرة من المهربات، يعني ما زال الطريق أمامنا في مكافحة التهريب، هذا الموضوع يجب أن يكون من أولويات الحكومة، ويجب على المؤسسات المعنية أن تكون حازمة وحاسمة في ضرب الفساد من دون تردد، واستغل هذا الموضوع لكي ينشر، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الأوساط الشعبية المختلفة، بأن الدولة لديها الآن توجّه ضد المستثمرين أو ضد أصحاب الأموال، في الواقع هذا غير منطقي، نحن مع كل شرائح المجتمع، ونحن مسؤولون أمام شرائح المجتمع ومسؤولون عن كل شرائح المجتمع، ولكن إذا كان هناك من يشعر بالقلق، كما يسوّق من هذه الحملة، فإذا كان فاسداً فعليه أن يشعر بالقلق، يجب على كل فاسد أن يشعر بالقلق في كل لحظة، وبالمناسبة كثير من الذين تورّطوا دخلوا إلى السجون ويحاسبون حسب الأنظمة كما تعلمون، أما من لم يثبت أنه متورّط ولكنه مهمل فسرّح من الدولة.
لا تغيير في سياسة الدعم بل تنظيمه
هناك جانب آخر من الفساد متعلّق بالدعم، والدعم الذي هو ضروري، دعم المواطنين بالمواد الأساسية، استغلال الدعم لجيوب بعض الفاسدين في سورية، والحديث الذي يدور حول هذا الموضوع، تنظيم الدعم لا يرتبط أبداً بإلغاء الدعم، كما قلت دعم المواطن هو جزء من السياسة السورية، ولا نفكر ولم نفكر على الإطلاق بتغييره، ولكن نفكر بتنظيمه وبتغيير الاستراتيجيات وبتغيير الآليات، وجوهر موضوع التنظيم يتعلّق بالدرجة الأولى بمن يستحق الدعم ومن لا يستحق الدعم، فإذا كان هدف الدعم هو دعم الشرائح الأكثر حاجة كما نعرف، فعندما يأخذ الميسور فهذا يعني أن هناك خللاً في البرنامج، فإذاً الهدف الأساسي والجوهر هو من يستحق ومن لا يستحق، وهذا بحاجة لشفافية والشفافية لا يمكن أن تتم من دون أتمتة الخدمات والإجراءات، وهذا ما تسير به المؤسسات المعنية ولكنه بحاجة لتسريع.
لدينا عدة مؤشّرات الآن نستطيع أن نحدّد من خلالها من هي الشريحة التي لا تستحق، في البداية لن يكون هذا التحديد دقيقاً جداً، ولن يكون واسعاً ولكن مع الوقت ومع زيادة المعطيات وزيادة المعايير يمكن أن نصل لشرائح أكثر دقة لكيلا نذهب باتجاه ظلم أو تقصير تجاه أي مواطن، ولكن البدء بتنظيم هذه العملية ضروري لكيلا نظلم المستحقين، ولكي نكافح الفساد الذي هو واسع تحت عنوان الدعم.
لا قيمة للقوانين دون إدارة وإجراءات سليمة
عندما أتحدث عن القوانين لا يمكن إلا أن نتحدّث عن الإجراءات والإدارة، أي الإصلاح الإداري، ثلاثة أشياء هي تشكل جسداً واحداً، نشبهها بجسم الإنسان، هناك هيكل عظمي يحمل كل الجسم لا يمكن لكل الأعضاء أن تعمل من دون حامل لها، والهيكل العظمي يعبر عنه الإصلاح الإداري، أما القوانين فهي الأجهزة التي تحافظ على سلامة الجسد، على العقل، القلب، الكبد، والكلى وغيرها، أما الإجراءات فهي كالدماء التي تجري وتحمل معها الأغذية والهرمونات وغيرها من الأشياء، فلا يمكن الحديث عن واحدة من دون السير بالأخرى، ولا يمكن أن نحقق نتائج بواحدة من دون الأخرى، لذلك الحديث عن القوانين من دون إدارة سليمة ومن دون إجراءات سليمة ليس له قيمة، لذلك قمنا بثورة تشريعية والكل يسميها ثورة تشريعية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ولكن نتائجها كانت محدودة لأن الإدارة كانت ضعيفة والإجراءات لم نعرها أي اهتمام في ذلك الوقت، فإذاً هي مواضيع مرتبطة ببعضها لكن الهدف الأساسي من الإصلاح الإداري النهائي هو العدالة للموظف، العدالة للموظف لا تعني أن هناك موظّفاً مظلوماً وعلينا أن نعيد له الحق، لا، العدالة تعني أن يأخذ ما يستحق من منصب لا أكثر ولا أقل، وهذا يعني مكافحة الهدر بالقوى البشرية، وهذا يعني أن نحسّن آليات عمل الدولة وعندها ستنعكس النتائج على قراراتنا وعلى المواطنين بشكل عام.
الطاقة البديلة بما أنها العنوان المتداول بشكل واسع، وبما أنه عنوان جديد، طبعاً هي حرفياً ليست طاقة بديلة لأن العالم لم يستغن عن النفط وما زالت أسعار النفط من أهم الأسعار في البورصات العالمية، والصراعات الدولية حول النفط لم تتغيّر كما يعتقد البعض، لكنها هي طاقة فعلياً داعمة، وهناك اعتقاد بأن الدولة تدفع الناس الآن لتبنّي الطاقة البديلة، لا، نحن لا ندفع أي شخص لكي يتبنّاها ولكن اعتقد بأن الظروف التي نمر بها، وخاصة بالنسبة لموضوع الكهرباء والمحروقات، تدفع الناس باتجاه تبني الطاقة البديلة، وهو شيء جيد، ولكن باعتبارها قطاعاً جديداً بالنسبة لنا فهي لا تخضع لسياسة ولا لضوابط، واعتقد بأن التحدّي العاجل الآن أن يكون لدينا سياسة ولدينا تنظيم لهذا القطاع لأننا إذا لم نقم بعملية التنظيم بشكل عاجل فهناك عملية استغلال تحصل الآن للمواطنين من قبل الجشعين وأصحاب المصالح، تستغل الحاجة من جانب وتستغل عدم المعرفة بقطاع هو قطاع جديد بالنسبة لنا في سورية، فإذاً تنظيم القطاع هو الهدف الأول لهذه السياسة، ولكن هناك جانب آخر وهو يطرح للنقاش وليس لدينا جواب طارئ، هل ندعم هذا القطاع، وما هو شكل وأوجه هذا الدعم، هل ندعم التصنيع أم ندعم الاستخدام؟ هل ندعم، إن دعمنا، ندعم الإنتاجي؟ المناطق الإنتاجية أو المنتجين؟ أم ندعم السكني؟ هل ندعم الزراعي لأهمية الزراعة في سورية أم ندعم باقي القطاعات، أم لا ندعم ولا واحداً من كل ما سبق ونقوم بدعم الشركات التي ستأتي لإنشاء محطات توليد طاقة كهروضوئية أو بالرياح على سبيل المثال، كل هذه الأسئلة بحاجة إلى أجوبة بما فيها إذا قررنا الدعم، ما هو مفهوم الدعم؟ هل هو قروض أم تسهيلات ومزايا فقط؟ كل هذه الأسئلة وغيرها وربما من الأسئلة الكثيرة لا بد أن نجيب عنها قبل أن نتحدّث عن توفر الإمكانيات المالية أو التمويل وخاصة أننا بصدد دراسة، اعتقد القانون في مجلس الشعب، قانون الطاقات المتجدّدة الذي يركز على التمويل بشكل أساسي، ولكن السياسات يجب أن تدرس بشكل أساسي في الحكومة لكي نعرف إلى أين نسير بهذا القطاع خلال السنوات القادمة ولربما خلال عشرات السنين القادمة.
على الإعلام التركيز على محاربة المفاهيم الدخيلة
الإعلام أيضاً هو الموضوع الذي يطرح دائماً في كل مرة، لأن المشكلة الأكبر بيننا وبين المواطن هي التواصل، وإذا نجحنا في كثير من المفاصل والعناوين والمحاور كحكومات متعاقبة، لكن في موضوع التواصل دائماً لدينا مشكلة حقيقية، مهام الإعلام بالإضافة إلى المهام التقليدية، ربما بهذه الظروف يجب أن يركز على موضوع محاربة المفاهيم الدخيلة على المجتمع السوري، بما أننا في خضم هجمة عالمية لتشويه المفاهيم الوطنية لكل الدول من دون استثناء، والهدف منها هو إلغاء علاقة الإنسان بوطنه وتحويله إلى شخص تحرّكه الغرائز والمصالح فقط، هذا عنوان كبير جداً لا يرتبط فقط بالإعلام، يرتبط بالثقافة، يرتبط بالتربية، يرتبط بالتعليم العالي، يرتبط بالأوقاف، يرتبط بكل مؤسسات الدولة، حتى ولو لم تكن اختصاصية، لأن هذا الموضوع موضوع اجتماعي يمس كل عائلة ويمسنا جميعاً.
الإعلام جسر بين المواطن والمسؤول
النقطة الثانية هي دور الإعلام في أن يكون جسراً بين المواطن والمسؤول، وقلنا هذه الكلمة بشكل متكرر في مناسبات مختلفة، ولكن إن لم يدخل الإعلام بطرح الحلول فلن يجد لنفسه موقعاً بين المواطنين، وبالنسبة لنا كمسؤولين نحن أكثر من يستفيد من أي جهة تطرح علينا حلولاً لكي نتبناها، ونختصر الزمن ونختصر الجهد على أنفسنا وعلى الآخرين، ولا يمكن للإعلام أن ينجح إن لم تتوافر لديه المعلومة، والمعلومة موجودة لدى باقي الوزارات والمؤسسات بشكل أساسي، فإن لم تتعاونوا مع الإعلام لا يمكن أن ينجح، وبالتالي نجاح الإعلام أنتم ستكونون جزءاً منه وفشل الإعلام أنتم ستكونون جزءاً منه، فأتمنى أن تكون هناك استجابة لكل متطلبات الإعلام بالمعلومة، بالتصريح، بالبيان، من غير الممكن أو من غير الكافي أن نقوم بعمل وألا نشرح عن العمل، بالنسبة للناس هو غير ملموس، ويصبح ملموساً عندما يترافق الواقع مع الحديث ومع الشرح، أتمنى أن نعطي هذه النقطة أهمية كبيرة جداً وليس خبر الزيارة ولا النشاطات ولا الاستقبالات، لا تعني المواطن، لا أحد يهتم من نستقبل ومن لم نستقبل، هو يهتم بالقرار وبالنتائج، هذا ما يهم المواطن، علينا ألا نطلق التزامات غير قابلة للتطبيق وغير واقعية وعندما نأخذ قراراً يجب أن نلتزم بموعد زمني لأن هذا يعطينا مصداقية ويرسخ الثقة بالمؤسسات لدى المواطنين.
آخر نقطة علينا أن نبادر دائماً من دون خوف من الخطأ، علينا أن نخاف من تكرار الخطأ، علينا أن نخاف من عدم التعلم من الخطأ، علينا أن نخاف من عدم القدرة على التطور، لكن المبادرة تبقى أساسية بشرط أن تكون ضمن السياسات العامة للدولة، وضمن الاستراتيجيات التي يقرها مجلس الوزراء.
في النهاية أتمنى لكم كل التوفيق في مهامكم الكبيرة والتحديات الصعبة والتي قد تكون شاقة في بعض الحالات، ولكن هذا هو حال الحروب، بكل الأحوال إذا الحرب دفعتنا للخلف علينا أن نفكر دائماً بالتقدم إلى الأمام وليس بالتوقف، وإذا شدتنا إلى الأسفل علينا أن نفكر كيف نصعد إلى الأعلى وليس إلى ما كنا عليه.