الولايات المتحدة متورطة بعمق في أزمة هاييتي
“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر
لا يزال من غير الواضح ما حدث بالضبط في الفترة التي سبقت صبيحة 7 تموز، عندما اجتاح مرتزقة مسلحون منزل الرئيس الهاييتي جوفينيل مويس، لكن ما هو مؤكد هو أن مويس اغتيل، وأن ثمانية عشرة مرتزقاً كولومبياً (سبعة منهم تلقوا مستوى معيناً من التدريب من الجيش الأمريكي، وثلاثة من الهاييتيين الأمريكيين) متهمون بالتآمر لقتله.
الاغتيال يكتنفه الغموض والتآمر والتناقضات، إذ ولأكثر من 215 عاماً، عاقبت الولايات المتحدة هاييتي على ثورتها التي حدثت في وقت كان الاقتصاد الأمريكي مدفوعاً بالعبودية. قُتل مويس بالرصاص في منزله في بورت أو برنس، في هاييتي، على يد رجال مسلحين قالوا إنهم عملاء من وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، وتسبب الاغتيال فى مزيد من الانهيار للوضع السياسى الدقيق فى الدولة الكاريبية، مع محاولة المجموعات المتصارعة الاستيلاء على السلطة.
كانت الأزمة في الواقع شديدة للغاية، حتى قبل اغتيال جوفينيل مويس، لكن، بعد اغتياله، بات الوضع غير مستقر للغاية، كما قالت روزي أوغست دوسينا، الناشطة في منظمة لحقوق الإنسان تتخذ من بورت أو برنس مقراً لها، هي “المنظمة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان”، لموقع “ذا بروغرسيف”، مضيفة أن إدارة مويس أضعفت مؤسسات [الدولة]، وهو لم يجر انتخابات عندما اضطر إلى ذلك، لذلك، فإن الفراغ الذي خلفه اغتياله كبير للغاية.
كان الوضع في هاييتي يتدهور إلى حد كبير قبل الاغتيال، حيث واجه مويس انتقادات واسعة النطاق بشأن اتهامات بالفساد، والفشل في التصدي للعنف المتصاعد بين التنظيمات شبه العسكرية، والتسبب بأزمة دستورية عندما صرح أنه بقيت له سنة أخرى في فترة رئاسته، بعد انتهاء فترته الرئاسية في شباط.
تقول أوغست دوسينا: كان وضع حقوق الإنسان يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والقضاء لا يعمل على الإطلاق، وهناك اغتيالات وخطف واغتصاب جماعي ومجازر وجهاز شرطة ضعيف، وانتهاكات للحق في العيش بأمان.. هذا هو الوضع اليومي للبلد منذ عام 2018.
واجه حكم موبس أحادي الجانب احتجاجات شديدة في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، واستمر الوضع الأمني في التدهور. وقبل أسبوع واحد فقط من اغتيال مويس، قُتل صحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان، وثلاثة آخرون في إطلاق نار من سيارة مارة في بورت أو برنس. ومع ذلك، تلقى الرئيس المحاصر الدعم من إدارة بايدن، التي نادراً ما تحدثت عن الأزمة التي ساعدت الإدارة الأمريكية في خلقها.
تقول أوغست دوسينا: دعم المجتمع الدولي إدارة مويس حتى مع استمرار القول بأن دعم إدارة مويس كان دعماً أيضاً للفساد وللإفلات من العقاب. واليوم، حتى بعد اغتيال موس، لم يتغير شيء لأن المجتمع الدولي لا يزال في الجانب الخطأ من التاريخ. وتضيف: اعتباراً من اليوم، يدفع المجتمع الدولي لإجراء انتخابات بينما نطالب بمرحلة انتقالية، لأن السكان لا يثقون بهذا الفريق، وبسبب انتشار انعدام الأمن في كل جزء من البلاد.
بعد الاغتيال، تولى كلود جوزيف السلطة في البداية كرئيس وزراء بالإنابة، لكنه تنازل عن السلطة لأرييل هنري، الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي، فيما تصر الولايات المتحدة على إجراء انتخابات في هاييتي.
حافظت إدارة بايدن إلى حد كبير على السياسة الخارجية لعهد ترامب تجاه هاييتي، حتى في الوقت الذي كانت فيه سلطة مويس متمركزة حوله، وأطلقت العنان لإرهاب العصابات المدعومة من الحكومة ضد الأحياء الشعبية، واستهدفت الصحافة الهاييتية. في المقابل، حصلت الولايات المتحدة على مزيد من الدعم ضد الإدارة الفنزويلية لنيكولاس مادورو.
يقول برين كونكانون، المحامي، وعضو مجلس إدارة معهد العدالة والديمقراطية في هاييتي، لموقع “ذا بروغرسيف”: ما أبقى مويس في السلطة هو مزيج من الخوف والدعم من الولايات المتحدة، وقد ارتبط مصيره بدعم الولايات المتحدة، لذلك صوت ضد فنزويلا في منظمة البلدان الأمريكية.
يشير كونكانون إلى أن مويس ورث هياكل السيطرة التي بدأت مع الإدارة المدعومة من الولايات المتحدة لميشيل مارتيلي، وهو مغن معروف بأدائه على المسرح وكلماته الهابطة، وانتخب رئيساً لهاييتي في عام 2011. فشل مارتيلي، بداية، في الحصول على ما يكفي من الأصوات في انتخابات 2010 لايصاله إلى الجولة الثانية من الاقتراع، ولكن بعد اتهامات بالفساد والدعم من إدارة أوباما، تم دفعه إلى الجولة الثانية، وفاز في النهاية.
يقول كونكانون: استمرت الولايات المتحدة في دعمه على الرغم من أنه كان يستغل خزينة الحكومة لإنشاء البزنس الخاص به، وواصلت الوقوف إلى جانبه والتقليل من شأن شكاوى الشعب الهاييتي.
انتهت ولاية مارتيلي دون انتخابات رئاسية في عام 2016، وبينما تم تشكيل حكومة انتقالية، ابتليت الانتخابات اللاحقة بضعف الإقبال على التصويت، ولكن تم انتخاب مويس في عام 2016، ليتولى منصبه في شباط 2017. استمر مويس في تثبيت سلطته. واتسمت إدارته بالفساد والقضاء على كل ما يهدد نفوذه، بما في ذلك تعليق البرلمان وإلحاق القضاء بسلطته.
ووسط الأزمة التي نجمت عن اغتيال الرئيس مويس، طلب رئيس الوزراء بالوكالة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة إرسال قوات عسكرية للمساعدة في تأمين الوضع. في البداية، رفضت إدارة بايدن هذا الطلب، لأن أي نشر للقوات هناك سيكون مشكلة كبيرة، لا سيما أنه يوجد تاريخ طويل للتدخل الغربي في هاييتي.
يقول كونكانون: هناك سياسة من الحزبين للحد من الديمقراطية الشعبية في هاييتي، وإبقاء هاييتي قابلة للاستغلال لمصالح الولايات المتحدة، وطالما أن هذا هو الهدف الأسمى، فلن يكون أي تدخل مفيداً.
كانت هاييتي الدولة الأولى التي حرر فيها العبيد أنفسهم، وشكلوا الجمهورية الثانية في الأمريكيتين. ولكن منذ بداية الثورة الهاييتية، في عام 1791، والتي بلغت ذروتها في 1 كانون الثاني 1804، يوم إعلان الاستقلال عن فرنسا، واجهت البلاد الغزوات والابتزاز والتلاعب من قبل القوى الأجنبية، لاسيما الولايات المتحدة. ولأكثر من 215 عاماً، عاقبت الولايات المتحدة هاييتي على ثورتها التي اندلعت في وقت كان الاقتصاد الأمريكي مستنداً إلى العبودية. لم تعترف الولايات المتحدة رسمياً بهاييتي إلا بعد الحرب الأهلية.
احتلت قوات المارينز الأمريكية هاييتي في عام 1915، بعد سلسلة من الاغتيالات الرئاسية، ما تسبب في مخاوف “سيتي بنك” من عدم قدرة هاييتي على سداد ديونها. قوبلت السنوات الأولى من الاحتلال بتمرد قاده شارلمان بيرالت، الذي تم أسره وصلبه، في عام 1919، من قبل مشاة البحرية الأمريكية في تحذير بشع للسكان. أُجبرت قوات المارينز أخيراً على المغادرة في عام 1932، بعد انتفاضة أخرى ضد الاحتلال. لم يفعل الاحتلال شيئاً لتقوية الديمقراطية في هاييتي، وبدلاً من ذلك، أسس جيشاً كان مسؤولاً عن الانقلابات في العقود التالية.
في العقود التي أعقبت سحب قواتها، دعمت الولايات المتحدة الديكتاتورية الوحشية لفرانسوا دوفالييه، المعروف باسم بابا دوك، والذي حكم هاييتي لعقود من خلال الخوف.
تم نشر مشاة البحرية الأمريكية مرة أخرى في هاييتي في عام 1994، بعد عودة الرئيس جان برتران أريستيد، وهو كاهن شعبي وداعية من لاهوت التحرير، وقد تم انتخابه للرئاسة في عام 1989، وأطيح به في انقلاب عام 1991، وأعيد انتخابه للرئاسة في عام 2001، لكنه تمت الإطاحة به مرة أخرى في انقلاب عام 2004، بعد أن طالب فرنسا بسداد الأموال التي نهبتها من هاييتي في القرن التاسع عشر.
نشرت الأمم المتحدة قوة عسكرية لحفظ السلام في هاييتي، عُرفت باسم بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هاييتي، في أعقاب انقلاب عام 2004، الذي اتُهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقد شملت هذه الانتهاكات قوات الأمم المتحدة في شمال هاييتي التي تسببت في تفشي الكوليرا بعد إلقاء النفايات البشرية في الأنهار، في تشرين الأول 2010، وقد أنهت قوة حفظ السلام العسكرية التابعة للأمم المتحدة مهمتها في عام 2017.
يقول كونكانون: عندما غادرت [بعثة تحقيق الاستقرار]، كان لدى هاييتي أسلحة أكثر وديمقراطية أقل مما كان عليه في اليوم السابق لوجودها، فقد وجدت البعثة بالفعل لتدعيم الانقلاب.
على الرغم من الأزمة الحالية في هاييتي، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من الهاييتيين عدم القدوم إلى الولايات المتحدة. وهناك شعور بأن المجتمع الدولي لن يكون قادراً على المساعدة في الأزمة أيضاً، لكن من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة ودول أخرى في ممارسة نفوذها على السياسة الهاييتية من خلال وسائل أخرى، وهذا بالضبط ما يخشاه الكثير من الهاييتيين.
تقول أوغست دوسينا: يطلب الهاييتيون أن تتاح لهم الفرصة لحل مشاكلهم بأنفسهم، لا نريد أي تدخل أجنبي.. واليوم سنتعامل مع مشاكلنا بأنفسنا لإيجاد حلول هاييتية للأزمة.. دعونا نأخذ الوقت اللازم لذلك.