في بعض مما قاله الرئيس
أحمد حسن
بدقة ووضوح وضع السيد الرئيس بشار الأسد الحكومة الجديدة-القديمة أمام أولوياتها الداهمة والعاجلة وعلى رأسها قضية “الإنتاج” فهو، اليوم، العامل “الضروري لاستمرار الاستقرار” بعد أن وفّر له الأمن الذي كانت استعادته أولوية خلال الفترة الماضية – وكان ذلك “ضرورياً للبدء ولاستمرارية الإنتاج”- المناخ اللازم للانطلاق، وهذا ما يضع الحكومة، حكماً، أمام استحقاق معالجة قضية “التحدي المعيشي” باعتبارها أهم التحديات الماثلة أمامها.
وبدقة ووضوح أيضاً رسم القائد الأسد معالم طريق معالجة هذه القضية، وغيرها، عبر تجنب “الغرق بالتفاصيل” كي لا “نبتعد عن الدور المنوط بنا كمسؤولين في السلطة التنفيذية”، لمصلحة وضع استراتيجيات وآليات محددة ومتغيّرة لتلائم الظروف المستجدة وذلك لتنفيذ السياسات القائمة والثابتة عبر عقود، وذلك واجب السلطة التنفيذية الأساس.
إذاً هذا قول فصل في ثبات السياسات الكبرى للدولة السورية. “الدعم” بأنواعه المختلفة هو إحداها وبالتالي لا تراجع عنه. “لكن خطط العمل التي تنبثق عن هذه السياسات هي التي بحاجة لمراجعة”، لأن فيها “الكثير من القصور، والكثير من الثغرات”، وهذا، بدوره، مفتاح هام للفهم ودعوة رئاسية مفتوحة للعمل.
تفعيل اللامركزية هو من ثوابت التوجيه الرئاسي أيضاً لأنه ضرورة لازمة لا غنى عنها لمواجهة قضية “ازدياد عدد السكان الكبير الذي أدى إلى ازدياد قطاعات الحياة مع تطوّر العالم بشكل عام” بحيث لم يعد في مقدور السلطة المركزية “أن تدير كل شؤون البلد أو الوطن بشكل مركزي”، ثم إن “المجالس المحلية هي الأقدر على معرفة مصالحها المحلية وطرح الحلول” لها، لكن الأهم والأوضح في التعبير الرئاسي -في هذا المجال- أن اللامركزية “تحقق التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق الأغنى والأفقر، وبين الريف والمدينة”، أي أنها الأقدر على حلّ مشكلة سورية مزمنة نشأت جراء السياسات التي مورست خلال الفترة الماضية وكانت نتيجتها “ترييف المدينة” وإفراغ الريف من طاقته البشرية والإنتاجية الأمر الذي جعلنا، ومعنا المدينة والريف، ندفع ثمناً اقتصادياً واجتماعياً، و”أمنياً”، هائلاً.
بيد أن ذلك كله لا يمكن له أن ينجح، مثلما أكد السيد الرئيس، إلا بالمشاركة بين الحكومة والمواطن، وهذا أمر يحتاج النجاح فيه إلى “الشفافية كمبدأ”، لأن “المواطن لا يستطيع أن يشارك ويبدي رأيه ويساعدنا في اتخاذ القرار بشيء هو لا يعرف عنه”، والشفافية هي مسؤولية “المسؤول” لا المواطن، وبالتالي على المسؤول أن يشرح ما يقوم به من عمل للناس، وهنا يبرز أحد أهم أدوار الإعلام المتمثّل “في أن يكون جسراً بين المواطن والمسؤول”، وأن يقوم بـ”طرح الحلول” وإلا “لن يجد لنفسه موقعاً بين المواطنين”، لكنه لا يستطيع أن ينجح في ذلك “إن لم تتوافر لديه المعلومة، والمعلومة موجودة لدى باقي الوزارات والمؤسسات بشكل أساسي”، فإن لم تتعاون الحكومة، بمؤسساتها المختلفة مع الإعلام “لا يمكن أن ينجح”، وبالتالي فأتمنى، والكلام للسيد الرئيس، “أن تكون هناك استجابة لكل متطلبات الإعلام بالمعلومة، بالتصريح، بالبيان.. وأتمنى أن نعطي هذه النقطة أهمية كبيرة جداً وليس خبر الزيارة ولا النشاطات ولا الاستقبالات، لا تعني المواطن، لا أحد يهتم من نستقبل ومن لم نستقبل، هو يهتم بالقرار وبالنتائج، هذا ما يهم المواطن”، وذلك توجيه رئاسي واضح بالابتعاد عن إعلام “استقبل وودع” والانفتاح على إعلام مشارك وفاعل، وهذا كلام لا يحتاج إلى بيان بعده.
هذا بعض مما قاله الرئيس، وبعض من التحدّيات التي وضعها أمام الحكومة وأمام الإعلام أيضاً، لكن العبرة في التنفيذ، فهل تنقلب الحكومة القديمة –الجديدة على نفسها وتغيّر صورتها، الخاملة، السابقة لتصبح حكومة أولوية الإنتاج ومعالجة قضية التحدي المعيشي وتفعيل مبدأ المشاركة والشفافية والتواصل والمحاسبة؟، وهل يغيّر الإعلام “ما بنفسه” لنكون أمام إعلام يطرح الحلول “كي يجد لنفسه موقعاً بين المواطنين”؟، والأهم هل تسمح لهما البيئة العامة الكابحة بهذا التغيير؟ ذلك ما يطرحه الرئيس، وذلك ما يأمله جميع السوريين ممن لم يبخلوا بالغالي والنفيس حين ناداهم الوطن وحان الوقت كي يحصلوا على بعض ما يستحقونه.