جونسون وحيداً في مواجهة الانتقادات والسبب موقف حكومته من التطورات أفغانستان
وحيدا يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عاصفة لا تنتهي من الانتقادات؛ بسبب تعامل حكومته مع التطورات في أفغانستان، وعملية الإجلاء “الكارثية” التي ما زالت مستمرة في مطار كابل وأسفرت عن مقتل عدد من المدنيين.
وتحول البرلمان البريطاني إلى قاعة لمحاكمة جونسون ومعه الحكومة وأجهزة المخابرات التي اتهمها عدد من قادة حزبي المحافظين والعمال بأنها فشلت في توقع هذا السقوط السريع لمطار كابل، فضلا عن المطالبة بإقالة وزير الخارجية دومينيك راب من منصبه بسبب تعامله مع حادث دخول طالبان لكابل.
وزاد من متاعب الحكومة البريطانية ما يظهر أنه أزمة صامتة استمرت أسبوعا مع الولايات المتحدة، بسبب تفاصيل عملية الانسحاب، وعتاب لندن على واشنطن أن الأمر تم بسرعة غير متوقعة ودون التنسيق المطلوب.
ويمارس رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ما استطاع من الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل تأجيل الانسحاب الكامل للقوات الأميركية إلى ما بعد نهاية الشهر المقبل، وذلك لضمان إجلاء كل الرعايا الغربيين من كابل.
ومن المتوقع أن يواصل جونسون إلحاحه على بايدن خلال قمة مجموعة السبع التي ستتم هذا الأسبوع عن بعد، من أجل إبقاء القوات الأميركية لحين إجلاء المئات من البريطانيين، لكن حتى الآن لم يحصل على أي ضمانات بذلك.
دخول جونسون على الخط جاء بعد لقاء جمع وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني دومينيك راب، وفيه قدّم الأخير عرضا يبين فيه أهمية تأجيل الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان، لكنه لم يحصل أيضا على أي تطمين.
يأتي هذا بعد أسبوع ارتفعت فيه حدة الانتقادات الموجهة للأميركيين من الطبقة السياسية البريطانية، بما فيها المحسوبة على جونسون، لما اعتبروه تسرعا أميركيا وعدم التنسيق مع بريطانيا التي تعتبر معنية بكل تطور في أفغانستان.
“لماذا لم تتوقع مخابرات بلادنا هذا السقوط لكابل؟” هو السؤال الذي تردد على لسان أكثر من سياسي كبير في بريطانيا، بمن فيهم رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي التي قالت صراحة إن ما حدث في كابل هو فشل استخباري في عدم تقديم المعطيات الدقيقة.
الانتقادات أيضا جاءت من مارك هاربر الذي كان مرشحا لقيادة حزب المحافظين وأحد النافذين فيه، فقد وصف ما حدث بأنه “فشل كارثي في توقع وتقدير قدرة حركة طالبان على السيطرة على كابل”، في تعبير عن لسان حال كثير من السياسيين البريطانيين الذين يعتبرون أن ما حدث هو عجز استخباري عن تقدير الموقف.
لكن الرد الذي جاء من جونسون للدفاع عن المخابرات وعن حكومته بأن “أحداث أفغانستان توالت مثل الفيضان، والانهيار تم بسرعة لم تتوقعها حتى حركة طالبان”، رافضا في الوقت ذاته اتهام الحكومة بأنها لم تكن مستعدة للتعامل مع التطورات.
ومن أكبر ضحايا أحداث أفغانستان هناك وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الذي ما زالت المطالب بإقالته مستمرة، وذلك بسبب وجوده في عطلة وعدم رده على اتصالات الكثير من كبار مسؤولي الحكومة في اليوم الذي كانت فيه حركة طالبان تسيطر على العاصمة كابل.
وفي كلمة قوية لزعيم المعارضة كير ستارمر وبعد أن استعرض أسماء كل الموجودين في البرلمان ممن سبق لهم الخدمة في أفغانستان، اعتبر أن تعامل حكومة جونسون ووزير خارجيته “أمر مخجل”، مضيفا أنه عندما كانت طالبان على أبواب كابل “كان وزير الخارجية في عطلة”، ليرد عليه وزير الخارجية بأنه لو كان محله فكيف سيتعامل مع حدث مثل هذا؟ فكان رد ستارمر بأنه سيكون متواجدا في مكتبه لا على الشاطئ.
الانتقادات الموجهة لوزير الخارجية وصلت للإعلام الذي يتهم أجهزة الخارجية بأنها “وضعت كل الثقل على وزارة الدفاع ولم تقم بواجبها”، وهو ما تنفيه الخارجية التي تؤكد أنها تتابع الأحداث عن كثب.
إلى ذلك وبعد أيام من الصمت، خرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في مقال مطول ينتقد فيه القرار الأميركي بالانسحاب من أفغانستان بهذه السرعة، مؤكدا أن على الغرب مسؤولية أخلاقية بأن يبقى إلى حين إجلاء كل من يجب إخراجهم من أفغانستان.
ووصف بلير الانسحاب بأنه “قرار متسرع ومأساوي وخطير وغير ضروري ويقوض أهداف الغرب”، متهما الرئيس الأميركي بايدن بأنه مدفوع بـ”شعار سياسي معتوه حول إنهاء الحروب الأبدية، وكأن مشاركتنا في عام 2021 يمكن مقارنتها عن بُعد بالتزامنا قبل 20 أو حتى 10 سنوات”.
واتهم بلير، الرئيس الأميركي بأنه جعل كل الغرب موضع تساؤل، لأن “العالم الآن غير متأكد من موقف الغرب، لأنه من الواضح جدا أن قرار الانسحاب من أفغانستان بهذه الطريقة لم يكن مدفوعا بأبعاد إستراتيجية بل بالسياسة”.
فيما تتجه لجنة المراقبة البرلمانية للأمن، لطلب كل الملفات الاستخبارية المتعلقة بأفغانستان، وخصوصا تلك المتعلقة بأحداث سيطرة طالبان على العاصمة كابل، وذلك للتأكد من مدى مصداقية تصريحات الحكومة البريطانية من أنهم صعقوا من سرعة سيطرة طالبان على البلاد.
وتريد لجنة التحقيق أن تعرف إذا ما كانت المخابرات قد حذرّت الحكومة من انهيار وشيك للقوات الأفغانية، أم أنها كانت تتوقع أن تصمد لمزيد من الوقت. وللجنة المخابرات والأمن في البرلمان البريطاني صلاحيات تتيح لها الاطلاع على ملفات المخابرات والاستماع لعملاء المخابرات الذين يشتغلون على الملف الأفغاني.