تحقيقاتصحيفة البعث

“الزراعة” تنأى بنفسها عن آفات المحاصيل.. والفلاح يلملم خسائر “التين المحلزن”

يبدو أن أخطاء وزارة الزراعة وعدم اتخاذها التدابير اللازمة لدرء الآفات الزراعية عن جميع المحاصيل سيدة الموقف، إذ تأتي التدابير والخطط بعد الوقوع في الخطأ ليبقى الفلاح الحلقة الخاسرة دوماً في العملية الإنتاجية، رغم محاولاته العديدة للاحتيال على الواقع لإنجاح زراعته وتأمين رزقه.

ومع انشغال الوزارة بخططها وبرامجها لمواجهة الحرائق  – كما يقول مسؤولوها –  ثمة تجاهل لوجود آفات ومخاطر تودي بالكثير من المحاصيل الإستراتيجية وغير الإستراتيجية، والتي كان آخرها تعرض فلاحي المنطقة الوسطى لخسائر لا تعيرها الوزارة الأهمية المطلوبة مقارنة بخسائر الحرائق مثلاً، إلّا أنها تشكل بالنسبة للفلاح مصدر رزقه لعام كامل، فانتشار حشرة التين الشمعية (حلزون التين) كمثال بسيط في هذه المناطق أرهق الفلاحين وشلّ حياتهم لأشهر قادمة.

عدم الإهتمام 

وعلى الرغم من أن شجرة التين “المباركة” لا تحتاج للكثير من الاعتناء، إلّا أنها لا تلقى الدعم والاهتمام الكافي للعناية بها، إذ يوجد في سورية 84 صنفاً من أصناف التين تنتشر زراعتها على طول وعرض الجغرافية السورية بحكم تأقلم هذه الشجرة مع البيئة المحلية، الأمر الذي استثمره الفلاح بالتوسع بزراعتها في المناطق الوسطى ومن ثم التصنيع والتفنن باستخدام هذه الفاكهة وعدم حصر تناولها في فصل الصيف بل تجفيفها وبيعها للأسواق (تين مجفف، هبول، مربيات، أو حتى للاستخدام الطبي)، ليتجه الكثيرون إلى شراء معدات خاصة بتصنيع التين بتلك الأشكال بعد أن تنبأ بوفرة الموسم هذا العام، خاصّة وأنها دخلت كبديل للجوز والفستق والتمر وغيرها من المواد التي كانت تدخل في صناعة الحلويات، وحلّ التين المجفف بديلا عنها بعد أن ارتفعت أسعار بعضها من جهة ومنع استيراد قسم منها من جهة أخرى، لكن تعرض هذه الشجرة لحشرة التين الشمعية هذا العام سبّب حالة من التشاؤم في القرى التي تتغنّى بها ولسان حال تلك القرى اليوم يقول “يا فرحة ما كملت”، ملقين اللوم على الوحدات الإرشادية وعدم توفر الأدوية والمبيدات الخاصة بهذه الشجرة، وعدم وضعها ضمن دائرة الاهتمام كباقي المحاصيل الإستراتيجية، علماً أن هناك الكثير من الأبحاث التي أجريت على زراعة التين في سورية وأصنافه، ونقلت إلى المجمع الوراثي في مركز البحوث العلمية الزراعي في إدلب قبل الأزمة ولا زال مصيرها مجهولاً.

تبادل الاتهام

توجهنا بسؤالنا إلى عدد من الوحدات الإرشادية في القرى التي تتركز بها زراعة أشجار التين ملقين اللوم على الفلاح الذي يمتنع عن حضور الندوات التوعوية والإرشادية لحماية أشجاره، وعند حدوث الآفة يسارع للشكوى والتذمر واتهام الجهات المعنية بالتقصير، ذلك أن غياب ثقافة حضور الندوات والالتزام بالنصائح التي يقدمها المهندسون سائدة في القرى من مبدأ أن الفلاح لا يحتاج للتعليم فهو “ابن الأرض”، وهذا ما تُعانيه الوحدات الإرشادية دائماً، فيما يخص جميع الأشجار، حيث أكد لنا ياسر الخليل – مهندس زراعي في الوحدة الإرشادية بمحافظة حماه – الالتزام هذا العام ككل عام بتوعية الفلاحين ممن لديهم أشجار تين لرش الأشجار بالزيوت الشتوية الخفيفة في مرحلة السكون، وغسل الأشجار المصابة بالماء باستخدام ضغط عال، كذلك الرش بالزيت الصيفي في فترة خروج الحوريات المتحركة، مشيراً إلى أهمية المكافحة الكيماوية بعد فقس البيض وخروج حوريات الطور الأول وقبل إفراز الغطاء الشمعي، ويكون ذلك عادة في أواخر شهر أيار وبداية شهر  حزيران، لافتاً إلى أهمية رش المبيد فوق جميع أجزاء الشجرة للحصول على نتيجة مرضية، وإجراء عملية مكافحة كيمائية بشكل جماعي لضمان عدم حدوث العدوى من الحقول المتجاورة، إلا أن الكثير من الفلاحين لا يلتزمون بهذه الإرشادات الأمر الذي يؤدي إلى إصابة كرومهم بالآفة وانتقال العدوى إلى أشجار غيرهم ممن التزموا بالنصائح والإرشادات.

وعند سؤالنا المهندسة رشا العلي رئيسة دائرة الوقاية في مديرية زراعة حماة، أكدت قيام المديرية بجولات تحر وكشف ومتابعة لأشجار التين في أماكن زراعته وتتبع الحالة الصحية له في انتشار الأمراض والآفات من خلال فريق عمل دائرة وقاية النبات وتم إرشاد وتوجيه المزارعين وتعريفهم ببرنامج الإدارة المتكاملة لشجرة التين، والتي تتضمن العمليات الزراعية والميكانيكية والحيوية، وانتهاء بالكيميائية، حيث قدّرت العلي المساحة المزروعة بأشجار التين حوالي ١٥٤٧ هكتار منها ٤٤ هكتارا مرويا و١٥٠٣ هكتارات بعل، كما يبلغ العدد الكلي للأشجار تقريباً ٤٩٣ ألف شجرة، المثمر منها ٤٧٨ ألفا وقدرت العلي الإنتاج الكلي بحوالي ٧٣٨٤ طنا من ثمار التين.

تناقض 

في المقابل، كان لاتحاد فلاحي حمص رأي متناقض، حيث أكد يحيى السقا، رئيس الاتحاد، في اتصال هاتفي معه، ورود شكاوى كثيرة من قبل الفلاحين حول “حلزنة” أشجار التين في أراضيهم، مشيراً إلى أنه ورغم استخدامهم للمبيدات إلّا أن الاستفادة معدومة، لكنه طلب منّا التريث ليجري اتصالات مع مراكز الاتحاد، ليغّير، من ثم، تصريحاته، مؤكداً أنه تواصل مع مدير الرابطة الفلاحية في المركز الغربي ونفى وجود إصابات كبيرة بهذا المرض، بل على العكس كانت جميع الإصابات خفيفة لم تصل إلى حد الآفة الكارثية، كما هو متداول بين فلاحي تلك القرى، ويتم معالجتها من قبل الفلاحين بشكل فردي، وألقى السّقا اللوم على عدم توفر أدوية في الوحدات الإرشادية واضطرار الفلاحين لشراء أدوية مهربة “لا على التعيين” دون التأكد من فعاليتها، مشيراً إلى تجاهل مطالب الاتحاد الدائمة بإنشاء شركة لإنتاج مثل هذه الأدوية أو السماح باستيرادها عن طريق شركة معينة تضمن فعالية الدواء، لكن سؤالنا للسقا عن إمكانية “معالجة الفلاح لهذه الحشرة بشكل فردي، ونجاحه في القضاء عليها بعد أن تكون الثمرة نضجت، وقد عشعش بها المرض؟” بقي دون إجابة!!

ميس بركات