الأكل على الرصيف من جو حلب اللطيف
“البعث الأسبوعية” ــ غالية خوجة
تتشابه الثقافة الحياتية في المدن بمجالاتها المختلفة، ومنها ثقافة الطعام؛ فمثلاً، تشتهر دمشق بتقديم الكاتو مع البوظة، بينما في مدن الساحل، كاللاذقية وطرطوس، ليس ألذ من السمك على موائدها، لكن حلب الشهيرة بالكباب والكبب تتفنّن في أصناف الطعام كافة، وتشتهر بمأكولات لا يمكن أن تتذوقها إلا في الشهباء مثل “اللحم بالكرز”.
الحياة في حلب معروفة بالحيوية والشغب الاجتماعي، فلا تهدأ نهاراً ولا تسكن ليلاً، بل هي مفرطة بنشاطها بين العمل والترويح عن النفس في الأماكن العامة، مثل الحدائق وحول القلعة والمطاعم والمقاهي المنتشرة في كل مكان، ومنها العزيزية والسليمانية ونزلة أدونيس ومحطة بغداد ومنطقة الجامعة والشلالات؛ ومن الملفت أن تجد العائلات والصبايا والشباب يتناولون طعامهم وهم يمشون لقضاء أمورهم، أو يتمشون ويتنزهون؛ لكن الملفت أكثر أن تكون هناك أماكن للطعام والشراب أصبحت من معالم حلب، وصمدت وعادت لنشاطها، ومنها كافيتريا النخيل قرب الحديقة العامة، ومطعم حنا كعدة القريب من شارع بارون، ومطعم “آفو” للسندويش المشهور بمأكولاته المميزة على الطريقة الحلبية والأرمنية معاً.
وعن صموده في الحرب، وعودته إلى ما كان عليه، أخبرنا صاحب المطعم “آفو أوردكيان” أنه من حلب، وقد افتتح هذا المطعم، الذي هو عبارة عن محل صغير متكامل الأدوات والنظافة، عام 1979، مع أخيه، واستمر لأن مصيره من مصير الوطن، وتحدى ظروف الحرب والحصار مثل أي مواطن سوري، ولم يفكر بالمغادرة، وصبر حتى النصر، وأضاف باللغة العربية الحلبية بلكنة أرمينية محببة: “السمعة هي أساس أي عمل”.
ابتسم مضيفاً: عندما عدنا إلى حياتنا الطبيعية، فرح جميع من اعتاد على الأكل من هذا المكان المتواضع؛ ونحن سعداء بتقديم هذا السندويش المتنوع بنكهته الخاصة مثل السجق، والمرتديلاّ الحلبية.
الازدحام على هذا المكان، وفي أي وقت، دليل على حصوله على ثقة الذواقة، لكن الرائحة هي الأهم، لأنها تخبرك – وبالفصيح – أن المأكولات طازجة أم لا، ومطعم “آفو” يجمع هذين المؤشرين معاً، إضافة إلى الطيبة في التعامل، ما يجعلك تجلس على أحد الكراسي البلاستيكية على الرصيف أمام “آفو”، منتظراً سندويشتك التي يتم تجهيزها أمامك، وكما تشاء؛ ولك أن تتناولها على الرصيف متأملاً المارة ولون السماء وإيقاعات جرس الكنيسة القريبة، أو صوت المؤذن من المسجد القريب، ما يجعلك تأكل وتتأمل وتفكر، وتشرد بين شجر الرمان كنبات رمزي لأرمينيا، وبين شجرة الفستق الحلبي كرمز لحلب، بينما أشعة الشمس تشرد في ما يحدث على الكرة الأرضية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، متسائلة: لماذا يقتل الإنسان أخاه الإنسان؟ ولماذا الجشع يقتل الإنسان؟ ولماذا الفقراء يقتلهم الجشعون؟