ماذا عن الأدوات العميلة؟
علي اليوسف
من الطبيعي أن اتكثر مقارنة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بانسحابات محتملة من أماكن أخرى يتواجد فيها الاحتلال الأمريكية، وأن تطرح هذه المقارنة سؤالا مهمّا جداً، وهو: هل تلقى العملاء وأدوات الولايات المتحدة في المنطقة والعالم الدرس القاسي من الانسحاب؟
هذه المقارنة والكثير من الأسئلة ليست مفاجئة بالنظر إلى السياسة الانعزالية لإدارة بايدن، والتي لا شك ستكون مقلقة للحلفاء والأدوات كما حصل في أفغانستان، وما سيحصل مع الأدوات الأخرى، وخاصةً في سورية على سبيل المثال.
منذ الاحتلال الأمريكي للأراضي السورية، استقطبت وكالة الاستخبارات المركزية عملاء ما يُسمّى “قوات سورية الديمقراطية”، واستخدمتهم ضمن إستراتيجية ما ادّعته محاربة “داعش”، والتي بدأت تتكشّف خيوطها الكاذبة لجهة دعمها ورعايتها للمجموعات الإرهابية بغضّ النظر عن مسمياتها، ودعمها المشروع الانفصالي لتلك المجموعة التي ارتهنت للأوامر الأمريكية.
وعلى الرغم من أن الدولة السورية لا تزال تفتح الباب لأي حوار جامع، إلا أن ميليشيات “قسد” ترفض حتى الآن هذا الحوار، وكأنّ المشغل الأمريكي باقٍ على دعمهم ودعم مشروعهم الانفصالي إلى الأبد. ولكن اليوم إذا تخلّت الولايات المتحدة عن حلفائها في الجزيرة السورية كما فعلت في أفغانستان، أين ستذهب عصابات الخونة، وماذا سيكون مصيرها؟
عندما فاز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، تحدث بخطاب – مثل العديد من الرؤساء الآخرين – شبه سطحي لجهة السياسة الخارجية، وهو ما أعطى الانطباع بأن الولايات المتحدة تسير في اتجاه يغيّر المعادلة النمطية والكلاسيكية التي كانت تسير عليها الإدارات السابقة. بمعنى آخر: لم يعد لدى الولايات المتحدة الحق الأخلاقي في حكم العالم كما كان سائداً، أو بالأحرى كما كان يتمّ الترويج له عبر الآلة الإعلامية الأمريكية. وإذا كان غزو أفغانستان واحتلالها، بمعنى ما، خطيئة أمريكا الأصلية، فلا شك أن الندم على هذه الخطيئة تمّت ترجمته بالتخلي بطريقة فوضوية عن أفغانستان وعن الحلفاء الأدوات، وقد ينطبق هذا السيناريو على مناطق الاحتلال الأمريكي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أجزاء من سورية.
وبهذا المعنى، وبما يتماشى مع تخلي أوباما عما كان يُسمّى النمط التقليدي، واستمرار ترامب في تلك السياسة، فإن دور بايدن القادم سيكون بلا شك تتويجاً للتراجع الأمريكي نحو الواقعية السياسية، ومن ضمنها الانسحاب من الأراضي التي تحتلها بما فيها سورية، عاجلاً أم آجلاً. وهذه الواقعية السياسية – القائمة على عدم القدرة على تحمل تكلفة الاحتلال المادية والمعنوية، وما أظهرته الدولة السورية من قدرة على الصمود وعدم التنازل – تقع ضمن الاختصاص الأيديولوجي لنهج بايدن الذي يسير عليه، فضلاً عن أنها كانت نتيجة طبيعية للمعارضة الداخلية داخل الإدارة والكونغرس، والتذمر الدولي بين حلفاء الولايات المتحدة من السياسات الأمريكية التقليدية. لذلك من المنطقي ألا ينظر بايدن إلى سورية من خلال عدسة القوة وحدها، ومن المنطقي أيضاً أن ينهي بايدن العقوبات المفروضة على سورية، والاعتراف بالمزايا الاقتصادية والجيوسياسية للدولة السورية.
حتى الآن، وأمام كل التطورات الميدانية في سورية، والتطورات السياسية حول العالم، من غير المستبعد أن يقوم بايدن بسحب قواته من الأراضي السورية، لتتخلّى الولايات المتحدة وبسعادة عن “دورها” في سورية. ولكن ماذا عن أدواتها العميلة؟