رغم توفيرها 2 مليار ليرة.. جدل حول تبني تقنية النانو في معامل الإسمنت وشكوك حول العقود!!
“البعث الأسبوعية” ــ محمد زكريا
رغم الشكوك التي تحوم حول فاعلية وجدية تطبيق تقنية النانو في معامل الشركة العامة لإسمنت طرطوس، إلا أن هذه التقنية، وهي خلط الفيول بالماء، لا تزال مستمرة في العمل منذ عام 2017 وحتى تاريخه.
البعض من أصحاب الاختصاص والخبرة شككوا بالجدوى الاقتصادية لهذه التقنية، لا سيما في ظل تآكل معدات وتجهيزات أفران الشركة، كما سجلوا عدة ملاحظات على آلية تنفيذ بنود العقد المبرم مع الشركة الأجنبية المنفذة لهذه التقنية، ومنها عدم التزام الشركة المنفذة بتدريب العاملين في شركة الإسمنت على هذه التقنية، في حين اعتبر البعض الآخر أن تطبيق هذه التقنية له منعكس إيجابي لجهة الوفر في مادة الفيول، وأنه لا تأثيرات سلبية على محتويات الأفران من الآجر الحراري، والدارة الإنتاجية، وأنابيب الفيول، والمعدات والتجهيزات.
اختلاف
الملفت في هذا الملف هو اختلاف الآراء حول جدوى هذه التقنية، حيث تؤكد شركة إسمنت طرطوس أن لا مشكلات فنية في تطبيق التقنية المذكورة، مع وجود وفر يقدر بـ 2 مليار ليرة سنوياً، في حين أن المؤسسة العامة لصناعة الإسمنت لها رأي مغاير، حيث أشارت إلى أن تطبيق التقنية المذكورة في ظل الظروف الفنية غير المستقرة التي تعيشها الشركة لا يمكن أن يحقق الوفر، ولا جدوى منه إلا في حالة تأهيل الأفران بشكل كامل.
مدير المؤسسة العامة للإسمنت المهندس المثنى السرحاني أوضح أن تجربة تطبيق النانو هدفها تخفيف نسب الفيول في الأفران عن طريق جهاز طرد مركزي، مشيراً إلى أنه يمكن الحصول على نتائج إيجابية لتطبيق هذه التقنية في حالة واحدة وهي معايرة وزنية لكل فرن على حدة، على الأقل كل 72 ساعة ولعدة مرات، كما أنه لا يمكن التحقق والتأكد من الوفر الحاصل من مادة الفيول إلا في حال وجود معايرات دقيقة للأفران، وهذا لا يمكن تطبيقه في معامل طرطوس بسبب تذبذب عمل الأفران، مبيّناً أن اللجنة الفنية المشرفة على تنفيذ العقد هي من تتحمّل المسؤولية، كاشفاً لـ “البعث الأسبوعية” أن المؤسسة شكّلت مؤخراً لجنة مهمتها التقييم والتدقيق والتحقيق في تطبيق النانو في إسمنت طرطوس، وستتم محاسبة المقصرين.
تهرّب من الإجابة
مدير الإنتاج في شركة إسمنت طرطوس المهندس حسان العلي بيّن لـ “البعث الأسبوعية” أن الشركة لا تزال مستمرة في تنفيذ مضمون العقد وفق مدة التنفيذ العقدية، إلا أن المادة 6 من العقد المذكور – والتي تنص على إجراء تجارب كل ستة أشهر، ويتم التقييم على أساسها للفترة القادمة طيلة مدة التنفيذ العقدية – لم تنفذ بالشكل المطلوب لاعتبارات تتعلق بالوضع الفني الحالي للأفران غير المستقر بسبب التغذية المتغيرة والمنخفضة، والتوقفات الطارئة حالياً؛ وبالتالي، يتم اعتماد نتائج تجارب الوزن السابقة التي أجريت بتاريخ سابق ريثما تتم تجارب وزنية جديدة يتم اعتمادها وفق ما نصت عليه المادة المذكورة، في حين تحفّظ العلي على السؤال الأهم، وهو: كيف يمكن كشف فاعلية هذه التقنية وجدواها الاقتصادية طالما أن التقييم المرحلي لها يعتمد أرقام ونتائج تجارب أوزان سابقة؟ والغريب في هذا الأمر أن المبررات التي ساقها العلي معروفة للجميع وليست وليدة الساعة!!
تقرير اللجنة
مدير شركة إسمنت طرطوس المهندس هلال يوسف عمران أوضح أنه تم تشكيل لجنة من المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا مهمتها الاطلاع على مضمون العقد الموقّع مع الشركة المنفذة للتقنية، والكشف على التجهيزات المتعلقة بالعقد المذكور ودراسته، لا سيما من النواحي الفنية والتجارب والنتائج، حيث خلصت هذه اللجنة إلى نتيجة مفادها أن استخدام الفيول المستحلب بنسبة 8% في المراجل والأفران معاً يوفر بالفيول حوالي 2 مليار ليرة سنوياً، وهنا لا بد من التوضيح أن النسب والأرقام الإنتاجية حول الفرق بين استخدام الفيول والمستحلب، والتي اعتمدتها لجنة المعهد، هي من صناعة لجنة الإشراف المشكّلة في الشركة، وبالتالي بنت لجنة المعهد نتائجها على الأرقام المقدمة لها من قبل اللجنة التابعة لإدارة الشركة.
مدير الدراسات في المؤسسة المهندسة هديل عفارة أشارت إلى أن الوضع الفني غير المستقر للأفران نتيجة التغذية المتغيرة والمنخفضة والتوقفات الطارئة أعاق تطبيق التقنية، وهذا الأمر بات واضحاً، وأنه لا يمكن التأكد من تحقيق الوفر طالما أن واقع الأفران غير مستقر، وبيّنت لـ “البعث الأسبوعية” أنه بعد الانتهاء من تأهيل الفرن الرابع في الشركة سيتم تقييم التقنية عليه من خلال إجراء تجربة وزنية على الفيول المستحلب، ومقارنة نتائجها مع نتائج تجربة وزنية الفيول العادي، ومن خلال الأرقام التي ستظهر يمكن الحكم على مدى فاعلية هذه التقنية، وغير ذلك فهو غير دقيق.
تساؤلات علمية
أحد الخبراء – فضّل عدم ذكر اسمه – أشار إلى أن هذه التقنية قديمة وتستخدم في المراجل، وفي محركات السفن بقصد التخفيف من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، وليست هناك أية صلة بعملية توفير الوقود، كما أن عملية الحرق داخل أفران الإسمنت تعتمد على تسخين الفيول عبر حراقات، ومنها إلى الأفران، وأن عملية إضافة الماء إليه تخفف من درجة حرارة الفيول، وبالتالي عملياً هي تستهلك وقوداً أكثر وليس أقل للوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة داخل الفرن، موضحاً أن الآجر المستخدم داخل منطقة الاحتراق، وهو الآجر المنغيزي، يتأثر جداً بالماء، ولذلك فإن توصيات الشركات الصانعة للأفران دائماً تؤكد على عزله بعيداً عن الرطوبة، كما أن عمليات تفكك جزيئة الماء تحدث على درجات حرارة عالية جداً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحدث مثل هذا التفكك من خلال حرارة فرن الاحتراق 1200 درجة مئوية.
ناجحة أم وهمية؟
ولجهة بنود العقد، أكدت مصادر في الشركة لـ “البعث الأسبوعية” أنه إلى اليوم لم تلتزم الشركة المستثمرة بإرسال عدد من العاملين في الشركة للتدريب الخارجي، علماً أن العقد نص على ذلك، مبيّنة أنه تمت محاولة معرفة شيء عن الشركة المنفذة من خلال النت، إلا أنه لا موقع رسمياً لها، متسائلاً عن اختراع بهذا الحجم كيف لا يتم اعتماده لدى مؤسسات دولية أو إقليمية مثل الاتحاد العربي للإسمنت مثلاً.
بالمحصلة، إن كانت هذه التقنية ناجحة في معامل الإسمنت، لماذا لا يتم تطبيقها وتعميمها على معامل إسمنت عدرا وحماة والرستن؟ ولماذا هي محصورة في إسمنت طرطوس فقط؟ وإن كانت وهمية ولا فائدة اقتصادية منها، من يتحمّل صرف مئات الملايين على هذه التقنية؟