يافطات أمريكا الخادعة
تقرير إخباري
بعد الانسحاب المخزي للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، برز سؤال عن سبب تراجع الدور الأمريكي من المناطق الساخنة التي كانت لاعباً أساسياً في أحداثها وإدارة أزماتها وافتعال الصراعات فيها.
ولو نظرنا إلى الوضع القائم في الولايات المتحدة في الوقت الراهن لوجدنا أن هناك أسباباً بعيدة لهذا التراجع وهذا الترهل، لعلّ أبرزها تلك السياسات الخاطئة والعنيفة التي انتهجتها الولايات المتحدة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. تلك السياسات الخاطئة اعترف بها قادة كبار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بالإضافة إلى اعتراف بعض القادة العسكريين في البنتاغون.
لقد خاضت الولايات المتحدة حروباً كثيرة بشكل اختياري، وفي معظم الحالات كانت تلك الحروب بعيداً عن المجتمع الدولي ومؤسساته، وقد أثبتت الأيام أنها كانت حروباً غير عادلة على الإطلاق، على الرغم مما سوقته الولايات المتحدة للرأي العام العالمي من مبررات بأن هذه الحروب تأتي في إطار مسؤوليتها الكبيرة في حفظ الأمن والاستقرار في العالم، كما هي الحال في غزو أفغانستان والعراق والتدخل العسكري السافر في ليبيا وسورية وما أحدثته من قتل وتدمير وحرق وسلب ونهب لثروات تلك البلاد، وقبلها التدخل في فيتنام ويوغسلافيا وغيرها من دول العالم.
يرى كثير من المؤرخين والباحثين الاستراتيجيين والمراقبين أن أهم أسباب انحدار الدول وتقهقرها قد يعود أحياناً إلى تمدّدها العسكري، والذي يأتي بسبب عقلية السوبرمان أو عقلية التفوق والبطولة التي تقودها إلى مغامرات كثيرة، وهذه العقلية تعززت في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية وحتى مع حلفائها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ بدا لمخططي السياسة في البيت الأبيض أن انتهاء حقبة الحرب الباردة ولّد ما يعرف بالقطب الواحد، وبالتالي بسط السيطرة والهيمنة الأمريكية على دول العالم وأهم المواقع الجيواستراتيجية الذي ظنّ قادة الولايات المتحدة أنه أمر سهل المنال، لكن وقائع الأحداث جاءت لتكذب هذه الاعتقادات وتقلبها رأساً على عقب، وتثبت أن العالم لا يمكن قيادته بالعصا الأمريكية. لذلك لا يمكن للولايات المتحدة دوام السيطرة مهما كانت قوتها، ولاسيما مع غياب أي بعد أخلاقي في كثير من الحروب التي أقحمت فيها الولايات المتحدة نفسها تحت شعارات كاذبة كنشر الديمقراطية، أو محاربة الإرهاب أو الدفاع عن حقوق الإنسان ، أو أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الشعارات التي ثبت بالملموس أنها لم تكن سوى يافطات لتبرير النزعات العدوانية والاحتلالات الجائرة من أجل نهب ثروات وخيرات البلاد.
ريا خوري