على هامش “الدستورية”
أحمد حسن
مرة جديدة يثبت المثل الشهير القائل “اختلف اللصوص فبانت المسروقات”، صحته، وإن بصيغة أخرى، فخلال الأسبوع الماضي اختلف القتلة فبانت الجرائم والوسائل والغايات والأهداف.
الاتحاد الأوروبي وفي تقرير استخباراتي رسمي – صادر عن “وحدة الاستخبارات” التابعة له -اتّهم “السلطان” التركي وحزبه بتكليف “داعش” تنفيذ مهمة في قلب تركيا حيث قام انتحاريان بتفجير نفسيهما أثناء مسيرة سلمية – لم يرض عنها “الرئيس” و”الحزب” – نُظمت في العاصمة أنقرة عام 2015. بكلام آخر، هذا اتهام رسمي أوروبي بالعلاقة “الطيبة” و”التخادمية” بين الطرفين التركي والداعشي.
“السلطان” أيضاً اتّهم الغرب بالمسؤولية عن داعش في محطات عديدة. وزير خارجيته سمّى مؤخراً واشنطن مباشرة متهماً إياها برعاية “التنظيم” بنسختيه، السورية – العراقية، و”الخرسانية” الأفغانية أيضاً.
المفارقة هنا أن الطرفين صادقان، الغرب و”السلطان”، فهما معاً مسؤولان بالتكافل والتضامن، وخاصة في العشريّة الأخيرة، عن التنشئة والرعاية والتمويل والتدريب والحماية ليس لداعش فقط بل لكل فصيل إرهابي متشدّد بشرط أن تكون وجهته دمشق لا غير.
والحال أنه في موازين القوى الدولية تستطيع قوة عظمى كواشنطن أن تحمل هذا الاتهام وتمضي دون أن يترك أثراً عليها، وذلك وإن كان أمراً مستنكراً إلا أنه حقيقة واقعة لا يمكن إغفالها.
أيضاً، وفي موازين القوى ذاتها، تستطيع قوة إقليمية كتركيا تحمّل هذا الاتهام لكنه، وبسبب نوعية الجهة المتهمة، لا ولن يمر دون أن يترك عليها آثاراً ليست قليلة، على الأقل بعلاقتها مع أوروبا، أما من ناحية التوقيت الذي صدر فيه – بعد ستة أعوام من الواقعة المستند إليها – فهو سيُضاف حكماً إلى تلك الحبال التي بدأت تتزايد شيئاً فشيئاً وتضيّق الخناق حول “السلطان”.
الوقائع تؤكّد ذلك. اللعب على خافة الخلاف الروسي الأمريكي لم يعد بالسلاسة ذاتها. لقاؤه الأخير مع بوتين لم يكن مثمراً، الأدلة كثيرة على ذلك. الوضع الداخلي، اقتصادياً وسياسياً، يزداد تأزماً. سورية التي حاول جهده تدميرها ومحاصرتها بدأت تفك خيوط العزلة عنها واحدة إثر أخرى. “إخوانه” المزروعون في قلب “ولاياته” المتعددة، لم يلبثوا طويلاً في مرحلة “التمكن” – حتى في “الولايات التي وصلوا إلى حكمها، مثل تونس والقاهرة – بل انتقلوا، بقصر نظرهم، وبسرعة لافتة من مرحلة “التمسكن” إلى.. الهاوية.
إدارة “بايدن” لا تهتم كثيراً بمخاوفه ولا تحفل بمطالبه ولا عروضه، وهذا الأخطر والأهم بالنسبة له. استعصاء لقائه بايدن في الأمم المتحدة كان موحياً. لقائه المعتزم به على هامش قمة العشرين سيكون، كما تقول الوقائع، على هامش السياسة الأمريكية أساساً، بل إنها ستُذكر لاحقاً كإحدى آخر محاولاته لتجديد “عمالته” له، فالأمريكي، على رغم أهمية تركيا، يعاني من تخمة في العملاء. حتى محاولته الأفغانية لتقديم نفسه كوكيل -وجنوده كضحايا بدلاء- لم تكن نتائجها على ما يهوى ويحب.
والحال أنه لم يبق للرجل سوى التهديد على طريقة “أزعر الحارة” بخراب هنا ودمار هناك، وآخر “إبداعاته” تهديده السافر بشن هجوم عسكري جديد في سورية، وكأن ما كان يفعله هناك يومياً مهمة سلمية تحت رعاية “القبعات الزرق”!!.
التهديد ذاته دليل على ازدياد حجم “الضيق” الخارجي والداخلي، في الأول يشعر الرجل، وخاصة بعد لقائه بوتين، أن ورقة “ادلب” بدأت تخرج من يده، في الثاني، الداخلي، يرغب بهذا التهديد شد العصب القومي حوله، بعد أن تراخت كل الأعصاب التي كانت تمدّه بالنسغ من حوله. لذلك من الممكن أن يفعلها لكن النتائج البعيدة لن تكون لمصلحته.
صحف غربية رصينة تحدثت عن مرض غامض أصاب “السلطان” مؤخراً فأفقده توازنه وتركيزه. في حديثها بعض الصحة وليس كلها، فالمرض ليس غامضاً كما أنه ليس جديداً، وبالتأكيد ليس جسدياً، إنه جنون السلطة المستفحل، والقاتل، لا أكثر ولا أقل.
على الهامش: “السلطان” وسيد البيت الأبيض هم رعاة فريق كامل، ومحدّد، في “الدستورية”. في بيانه الأخير حول سورية “انتبهت” وسائل إعلام عربية وعالمية على عدم تطرق وزير الخارجية الأميركي إلى الاجتماع المقبل لـ”اللجنة” المعنية بذلك في جنيف، هذا، بحسب التفسيرات والوقائع، لم يكن سهواً، فهنا أيضاً يبدو رجال “السلطان” شبه عراة من الغطاء الأمريكي.. بالنتيجة السلطان عارٍ أيضاً.