حصار الصين مازال مستمراً.. بنغلادش هدفاً جديداً لواشنطن وحلفائها
البعث الأسبوعية – سنان حسن
على الرغم من التغيير في قيادة أمريكا بوصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، إلا أن الخطط والبرامج لمواجهة الصين تسير بوتيرة عالية جداً، وكأن الرئيس دونالد ترامب ما يزال على رأس الإدارة الأمريكية، حيث وسعت واشنطن من دائرة استهدافها لبكين، وأعلنت صراحة أن الهدف المقبل بعد التضييقات التجارية والعقوبات والغرامات على الشركات الصينية ولاسيما التكنولوجيا منها “هواوي” مثال، هو المحاصرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بعنوان عريض هو تأمين مياه المحيطين الهادئ والهندي وضمان عبور تجارة حرة وغيرها من عناوين التدخل التي تتخذها واشنطن لتبرير سياساتها، حيث لا يخلو الإعلام الأمريكي يومياً من انتقاد واضح للصين وقادتها وشركاتها ومشاريعها فمثلاً الكاتب توماس فريدمان يتمنى في افتتاحية له في نيويورك تايمز “عدم نجاح إستراتيجية الرئيس الصيني شي جي بينغ لأن هذا من شأنه أن يشكل خطرا على كل دولة واقتصاد حر في المحيط الهادئ”.
مبادرة مضادة
لذا فقد عملت واشنطن على عدة جبهات والبداية كانت من قمة السبع “”G7 والإعلان عن مبادرة جديدة مضادة لمواجهة المبادرة الصينية “الحزام والطريق” برصيد مالي يقدر بـ 100 مليار دولار، يتم منحها عبر تمويلات لمشاريع البنى التحتية في الدول الفقيرة والمتوسطة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والهدف إيقاف المبادرة الصينية التي بلغ حتى الآن انتشارها 60 بلداً برصيد مالي يقدر 3.6 تريلون دولار على شكل مشروعات تمولها بكين، ومن هنا فقد أكد الرئيس الأمريكي بايدن “إنّ بلاده ترغب في إنشاء بنى تحتية ذات مستوى عال في العالم، مقارنة بما تنفذه بكين من بنى تحتية”، فالحزام والطريق وفق المنظور الأمريكي تمثل خطراً على المستقبل التجاري والاقتصادي والنفوذ السياسي لواشنطن كما يهدد مستقبل النمو الاقتصادي بالدول الرأسمالية.
فوضى أفغانستان
في الموازاة مع المواجهة الاقتصادية عملت واشنطن على تفجير الأوضاع الأمنية على حدود الصين البحرية والبرية، من خلال تنفيذ انسحاب قيل أنه متسرع من الجارة أفغانستان مع بروباغندا إعلامية توحي أن البلد الذي احتلته واشنطن عشرين عاماً ها هو اليوم يعود إلى الفوضى من جديد بعد انهيار الدولة وسيطرت المتطرفين وفي مقدمتهم حركة طالبان على الحكم، فالتسويق وصناعة الفوضى في أفغانستان يعني تعطيل طريق الحرير في مدينتان مهمتان وهما كابول وننغرهار هذه الأخيرة التي تعد معقلا رئيساً لتنظيم داعش خرسان وقد حدثت فيها العديد من التفجيرات الإرهابية بعيد الانسحاب الأمريكي، إضافة بقاء وادي بانشير مشتعلاً والذي للمصادفة كانت فيه المعارضة الوحيدة لطالبان ومدعومة من الصهيوني برنار ليفي، ومن جهة ثانية فتح باب أمام “الجهاديين” لدعم الأحزاب الإرهابية التركستانية المصنفة على قوائم مجلس الأمن، دون أن نغفل أن إحداث الفوضى في وسط آسيا سيعطل أيضاً الاتفاقات الإستراتيجية الصينية مع روسيا وإيران وباكستان. وبالتالي في جانب رئيسي من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ضرب الطريق الأهم والأقصر في مبادرة الحزام والطريق ما بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وما بين الصين والشرق الأوسط.
اتفاق أوكوس
في حين كان اتفاق “أوكوس” بين بريطانيا واستراليا أبرز التحركات العسكرية باتجاه بكين، والذي كلف واشنطن خصومة مع الحليف الفرنسي بعدما سحبت منه صفقة بناء ثماني غواصات لكانبيرا ونقلتها لإحدى شركاتها تحت دعوى أن التقنية الفرنسية غير ملائمة لما تريده استراليا في المحيط الهادئ، طبعاً الحصول على الغواصات النووية يعني سلفاً أن استراليا وزيادة قوتها التدميرية وقدرتها على المواجهة والأهم أنها باتت قوة نووية وبإمكانها الاستفادة من الوقود النووي الذي ستزود به في الاستعمالات العسكرية الأخرى، هذا التفصيل الذي تم السماح به لكانبيرا يتم رفضه مع إيران رغم أنها تعهدت باستخدامه للأغراض السلمية، كما وتسعى أوكوس إلى تعزيز تحالف العيون الخَمس الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، أي نحن أمام محاصرة للصين من بوابة المحيط الهادئ.
إحياء كواد
وبعد أسبوع واحد من الإعلان عن أوكوس، استضاف الرئيس الأمريكي زعماء دول الهند واليابان واستراليا في اجتماع لإحياء التجمع الأمني الرباعي المعروف بتحالف “كواد” بين أمريكا والهند واليابان واستراليا والذي تشكل بعد التسونامي المدمر في 2004 وأصبح رسمياً عام 2007، وكان بايدن قد عمل عليه في فترة رئاسة أوباما.
حيث أكد البيان الصادر عن القمة الرباعية على “العمل معاً من أجل استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ في إشارة مستترة إلى مواجهة نفوذ الصين المتزايد”.
بنغلادش هدف جديد
إذن واشنطن وعلى الرغم من إدعائها أنها تنفذ سياسة عدم مواجهة مع بكين كما أعلن بايدن في برنامجه الانتخابي، إلا أن ما يقوم به يرقى إلى مواجهة مستترة تحمل في طياتها حصاراً يصل حد الخنق للصين في مناطق نفوذها، ولكن لاستكمال الحصار لابد من تعطيل اتفاقات وتفاهمات الصين مع بنغلادش التي ترتبطهما علاقات مميزة تجارية وسياسية واقتصادية وتشكل أيضاً الخط السادس ضمن مبادرة الحزام والطريق والذي يمتد من جنوبي الصين إلى الهند “بنغلاديش – الصين – الهند – ميانمار”، وبالتالي إحداث فوضى في هذه الدولة عبر وصول مجموعات تتبنى السياسات الأمريكية يعني إحكام الحصار البري على بكين ومنعها من الاستمرار في مشروعها الحزام والطريق.
شيطنة الصين
في مقابل كل التحركات الأمريكية في المحيطين الهادئ الهندي تواصل واشنطن على زيادة العبث بالداخل الصيني تارة من بوابة أقلية الإيغور والإدعاء بان بكين تحرمهم من حقوقهم الأساسية، وتارة من بوابة هونغ كونغ ومحاولة إعادة فصلها عن الصين تحت ذرائع تقييد الديمقراطية وما إلى ذلك من إدعاءات تقودها مجموعات ممولة من الخارجية الأمريكية، وتارة أخرى من بوابة تايون والمواجهة العسكرية في بحر الصين الجنوبي ومحاولة تسعير الأجواء بين الدولة الأم وتايون، حيث لا تتوانى واشنطن لحظة عن الاستثمار في الأجواء المتوترة بين الطرفين والتي كان آخرها الإعلان عن إصابة غواصة نووية أمريكية في منطقة قرب بحر الصين الجنوبي دون ذكر الأسباب، ولكن الأخطر على الإطلاق هو استمرار العمل على اتهام بكين بأصل منشأ فيروس كورونا والتشكيك بالمعلومات التي قدمتها بكين لمنظمة الصحة العالمية.
مصيرها الفشل
في موازاة تبدو بكين واثقة من الخطوات التي تقوم بها في محيطها والعالم وتؤكد أنها تعمل وفق القانون الدولي وبهدف واحد هو دعم التنمية والاستقرار، فتطوير البنى التحتية والتشبيك بين الدول سيبعد فكرة الحروب ويقرب العمل والإنتاج، أما بالنسبة للمشاريع الأمريكية المستمرة لمحاصرتها فمصيرها الفشل وهذا ما عبر عنه الناطق باسم الخارجية تشاو ليغيان حول مشروع أوكوس “زمرة مغلقة وحصرية تستهدف الدول الأخرى إنما تسبح ضد تيار العصر وطموحات دول المنطقة. لن تجد من يدعمها ومآلها إلى فشل محتوم”. ولعل الإعلان عن الدوريات المشتركة الروسية الصينية التي انطلقت لأول مرة في المحيط الهادئ هي رد عملي على أن المخططات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها تحت المجهر لن تمر.