ما زال خجولاً في أغلب المؤسسات.. متى يصبح التأهيل والتدريب أولوية لزيادة الكفاءة والإنتاجية؟
لا يكاد يخلو مبنى مؤسسة أو وزارة حكومية من وجود عدد لا يستهان به من الموظفين الشكليين غير القادرين على إنجاز أي معاملة مهما بلغت بساطتها أو حتى العمل على الآلات والماكينات بالشكل المثالي المطلوب، وعلى الرغم من وجود الكثير منهم من حملة الإجازات الجامعية إلّا أن اصطدام الخريجين بالحياة العملية المُختلفة كُليّاً للأكاديمية التي حفظها عن ظهر قلب دون تطبيق عملي لها، أوجد شرخاً كبيراً في عمل المؤسسات لاسيّما وأن العلوم المعرفية في حالة تطور وابتكار دائم تتطلب الإطلاع المستمر والتدريب الدائم المُغفل في قيود عمل مؤسساتنا والتي تبدو عليها علامات الخلل الإداري واضحة وضوح الشمس بشكل لم يعد خافياً على أحد كانتشار حالة ضعف الإنتاجية و أساليب العمل التقليدي وضعف التدريب والأتمتة والتنظيم الإداري والتوصيف الوظيفي في أغلب المنشآت مما أضعف عوائد الإنتاج بشكل ملحوظ.
عدم استجابة
بعد الكثير من الجهود التي بُذلت والمقالات التي كُتبت في الصحف والكُتب التي رُفعت من الوزارات لإقامة دورات تدريب للعاملين في الدولة، استجابت وزارة التنمية الإدارية وقامت بدورات تدريبية للقيادات الإدارية العليا من مدراء عامين ومعاوني وزراء لرفع سوية العمل المؤسساتي مغفلين أهمية تدريب الموظفين العاملين في هذه المؤسسات الذين يشكلون العمود الفقري لعمل هذه المؤسسات تحت ذرائع وحجج لا تبدو منطقية فتزويد الموظفين بالمعلومات والمهارات اللازمة ستجعلهم قادرين على أداء مهام محددة بشكل أفضل، وإحداث تطوير إيجابي في أدائهم وإعدادهم للتأقلم مع التغيير في المستقبل ومواكبة التطورات والتغيرات السريعة التي تحدث في مجالات العمل، ورغم محاولاتنا الكثيرة للتواصل مع هذه الوزارة لاستبيان رأيها في تدريب العاملين في الدولة والخطط الموضوعة لهذا الموضوع وما تم تنفيذه ضمن هذا الإطار، لكنّ عدم الرد والاستجابة من قبلهم دائماً يكون سيّد الموقف!
يؤكد كنان وسوف “خبير إدارة عامة” على أهمية رأس المال البشري المؤهل والمدرب وبرأيه يشكل غيابه في معظم الأحيان عائقا يحول أمام إنجاح عملية التنمية فالتجدد المستمر وتطور أدوات ووسائل الإنتاج والتقدم التكنولوجي السريع يستلزم تدريب القوى العاملة البشرية لزيادة كفاءتها وإنتاجيتها وهذا ما تُغفله الكثير من الجهات الحكومية تحت حجج وذرائع تنسبها لتقليص النفقات والتي ستتضاعف في حال استجابت لتفعيل برامج التأهيل والتدريب المستمر، لكن ما يحصل هو تضاعف الخسائر الناجمة عن أخطاء الأداء في العملية الإنتاجية بشكل يفوق النفقات المقررة لبرامج التدريب، وقد أكدت الكثير من الدراسات أن كل عام من التدريب يزيد في الإنتاجية أكثر من 15 ضعفاً ، ونوّه وسوف إلى أن التدريب الفني للعاملين يحقق رفع الكفاية الإنتاجية وإنجاز العمل بجهود أقل وخلال زمن أقصر، ما يخفف من تكاليف الإنتاج ويقلل الهدر في الوقت والجهد ويتحقق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية.
الجمود سيد الموقف!
ويُجمع أهل الاقتصاد على ربط الإنتاجية ونجاح المؤسسات بتدريب العاملين فيها وتأهيلهم بشكل مستمر، فمن وجهة نظر الدكتور إسماعيل مهنا ” دكتور اقتصاد” هناك ضرورة للخروج من أطر التفكير النظري والانتقال إلى التطبيق على أرض الواقع، ففشل الكثير من منشآتنا في تحقيق النتائج الموضوعة من عملها وبقائها تراوح مكانها لسنوات طويلة رغم توافر العنصر البشري ورأس المال في الكثير من الأحيان مع تكرار غياب التدريب لليد الفنية العاملة وإهماله بشكل مُخيف جعل الجمود يسيطر على عمل مؤسساتنا والروتين يقتل معاملاتها، ولفت مهنا إلى ضرورة التركيز في المرحلة الراهنة على تدريب اليد العاملة لا المدراء ومعاوني الوزراء كما جرت العادة، مشيراً إلى أن استمرار عمل المؤسسات بذات الهيكلية يؤدي حتماً لتسرب اليد العاملة إلى القطاع الخاص أو خارج البلد لينجح هناك دوماً ونبقى هنا في حيرتنا الدائمة حول أسباب هذا التسرب الوظيفي والترهل الإداري.
قيم مضافة
ولأن العمل الخلّاق لإدارة أي مؤسسة يكون بتدريب العاملين والكوادر الفنية فيها كان لخبير الإدارة العامة محمد كوسا رأيه الذي أكد فيه أن التدريب هو حركة التجديد والتطوير لثقافة المؤسسة فحركة الإبداع والابتكار تعتمد على التدريب الفني للعاملين، وميّز كوسا بين التدريب الفني والتدريب الإداري، فتدريب المدراء ومعاوني الوزراء هام لتكوين فكرة عن رسم السياسات إضافة إلى المقدرة والمهارة على تطوير ذاتهم باتجاه المعارف الحديثة في العالم بالتالي بنشاط المؤسسة أو الوزارة لتكوين رؤية جديدة لها، لكن يبقى هذا التدريب نوعي ومحدود إذ أننا لا نستطيع تدريب جميع القيادات، ناهيك عن أن الغالبية العظمى من المدراء وصلوا لمراحل متقدمة من الخبرة والتكوين المعرفي، ولفت كوسا إلى أهمية التدريب الفني للعاملين مقارنة بالإداري خاصة مع امتلاك المؤسسة مواضيع ابتكاريه ومنظومة معرفية متراكمة عبر تاريخها يُفترض نقلها للعاملين فيها سواء الجدد أو ممن معارفهم ليست كافية بعمل المنظمة، وأكد كوسا على الحاجة الماسّة اليوم لتحقيق قيم مضافة في الإنتاج فمهما كانت الإدارة متطورة ما لم تستثمر الخبرات الفنية فيها لن تستطيع تحقيق قيمة مضافة لها، منوّهاً إلى أن التوّجه الملاحظ اليوم من قبل وزارة التنمية الإدارية هو تدريب القيادات الوسطى “رؤساء أقسام ودوائر..” وهو أمر ضروري أيضاً، كي لا نصل إلى تشوّه في بنية الإدارة العامة للمؤسسة، وهذا يتطلب أيضاً وجود خطة مسبقة للجوانب الإدارية والمهارات القيادية وأن تكون الخطة محدودة وفق معايير محددة ومتعارف عليها ومتفق عليها كي لا يكون الجهد في التدريب عبارة عن عبء وتكاليف، ونفى كوسا أن يكون التدريب خاسر ومُرهق مادياً فمهما كان الصرف على التدريب الفني والاختصاصي الذي يتبع لعمل المؤسسة هو رابح حتماً في الإنتاج المستقبلي، وكي نصل إلى مؤسسات ربحية ناجحة خارجة عن أطار الروتين والجمود لا بدّ من أن يكون 95% من العاملين في المؤسسات عمال مهارة في الاختصاص الفني الذي ينتج لنشاط عمل المؤسسة، لاسيّما وأن التدريب الفني يوّلد حالة ابتكار للمستقبل.
ميس بركات