صناعتنا النسيجية مهددة بالزوال .. هل ستنجح آليات وضوابط قرار استيراد القماش المصنر في حمايتها؟!
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
رغم تعارض وتضارب وجهات النظر حول القرار 790 الصادر عن وزارة الاقتصاد الذي سمح باستيراد القماش المصنر، والاستمرار بنفاذ القرار السابق باستيراد كافة أنواع الأقمشة وفق القدرة التشغيلية للمنشآت النسيجية، ورغم تأكيد البعض على أن القرار يحظى بموافقة جميع الصناعيين سواء في حلب، أو دمشق، لكن بالمقابل ما زالت المخاوف تسود جميع الصناعيين الذين شككوا بالقدرة على وضع آليات وضوابط تحوّل هذا القرار إلى سبيل لإنعاش الصناعة النسيجية، لا لعامل من عوامل الإغراق للسوق الوطني بالمنتج الأجنبي والمهرب.
نمو متوازن
إن حلقات أية صناعة يجب أن تكون متكاملة لجهة الكم والنوع، وإلا ستفشل تلك الصناعات في إخراج منتج نهائي تنافسي وطني متكامل، وإن أي قرار تصدره الحكومة مبني على مجموعة من الإحصاءات والدراسات الدقيقة والمتعددة والنقاشات مع كبار الصناعيين، وغرف الصناعة.
وزير الصناعة زياد صباغ كان قد كشف خلال اجتماعه بصناعيي قطاع النسيج في غرفة صناعة دمشق وريفها، عن وجهة نظره بضرورة صناعة المنتج الوطني بشكل متكامل، ولكن واقع الحال أثبت ضرورة دعم صغار الصناعيين كقاعدة اقتصادية هامة، والعمل على استمرار عمل كافة المنشآت الكبيرة والصغيرة بشكل متوازن، ودون توقف أحدها على حساب الآخر، وذهب الوزير إلى أن منع الاستيراد ومهما كانت غايته الحماية فقد يسبب احتكار المواد وهذا ما نعاني منه في كافة قطاعاتنا الاقتصادية.
معاناة مستمرة
وبين الدكتور سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها خلال الاجتماع أن القماش الوطني يعاني من مشكلات قلة الجودة أو عدم المواكبة للجديد، عدا عن الارتفاع عن السعر العالمي للمادة بما يعادل 2 دولار وسطياً، مما أدى لتعذر التصدير .
تذكير لعله ينفع!
هنا لا بد من التذكير أن وزارة الصناعة قد حددت مجموعة من الضوابط والشروط لمنح المنشآت الصناعية مخصصاتها من مادة الأقمشة المصنرة، على مرحلتين كل ستة أشهر، ولا تمنح المنشآت الصناعية الموافقة على استيراد مادة الأقمشة المصنرة إلا بعد إجراء الكشف الحسي عليها والتأكد من جاهزيتها للعمل والإنتاج وتركيب الآلات ومدى مطابقة الآلات المسجلة بالسجل الصناعي للواقع الفعلي مع تحديد نوع الأقمشة المصنرة ومواصفاتها وكميتها بدقة، وإجراء كشوفات ميدانية دورية مفاجئة على هذه المنشآت الصناعية القائمة للتأكد من استخدام المواد الأولية المستوردة ضمن المنشأة حصراً، وتجري تلك الكشوفات من قبل مديرية الصناعة المعنية بمشاركة ممثل عن اتحاد غرف الصناعة السورية، ويجب أن تكون المنشأة الصناعية مشتركة بالتأمينات الاجتماعية وبعدد عمال مطابق لعدد الآلات المسجلة في السجل الصناعي بموجب وثيقة صادرة عن التأمينات الاجتماعية بنفس عام طلب المخصصات، وفي حال كانت المنشأة تستخدم مولدة كهربائية يجب أن تكون ذات استطاعة مناسبة لتشغيل المنشأة وفي حال كانت مشتركة بالشبكة الكهربائية العامة تبرز ما يثبت كمية استهلاكها للكهرباء ويتم التأكد من ذلك خلال الكشف على المنشأة، ويرى نائب رئيس مجلس إدارة غرفة مصطفى كواية القرار جيد جداً يمنع المتاجرة والتلاعب من قبل الورشات الوهمية التي برزت مؤخراً واستوردت كميات مبالغ بها من الأقمشة تفوق قدراتها وبشكل صارخ في عدد من المناطق التي لا تعنى بصناعة النسيج نهائياً.
ضمانات من التجار
معلوم أن الصناعات النسيجية حظيت فيما سبق بكل الحماية من قبل الحكومة، لجهة إدخال المواد الأولية برسم 1%، وإدخال الأقمشة برسم 15%، وكانت الأسعار الاسترشادية للأقمشة 10% من السعر العالمي، وطالب عضو غرفة صناعة حلب لقطاع الصناعة النسيجية محمد صباغ بوضع آليات وضوابط دقيقة قبل تنفيذ القرار وإلا سنكون أمام إغراق السوق بأقمشة مستوردة من ذات الأنواع المصنعة محلياً، أو إدخال أقمشة نخب ثاني، وهذا ما قد يتضافر مع عوامل أخرى تؤدي لإضعاف حماية صناعتنا، واليوم وزارة الصناعة مشكورة قد ضيقت الخناق على أصحاب المنشآت الوهمية، أو الصناعي الوهمي الذي حاول فقط الاستيراد والبيع مستغلاً قرار المخصصات عبر تشديدها الضوابط والمحددات لموضوع الاستيراد، ولكن على المقلب الآخر للقرار 790 فإننا بحاجة لتعهد من التجار بعدم استغلال هذا القرار من بعض ضعاف النفوس لاستيراد أقمشة قد تكون مصنعة محلياً وبشكل قد يؤدي لإغراق الأسواق، فالأسعار الاسترشادية للأقمشة المصنرة تترواح بين 3.5 إلى 6 دولار، والرسم الجمركي %10، والمواد الأولية رسمها الجمركي 5% وذلك سيسبب ضرراً بكافة الحلقات الزراعية والصناعية التي تشكل60% من الصناعات النسيجية، كما أن القرار 790 صدر في وقت تشهد فيه الصناعة النسيجية إقلاعة حقيقية وغير مسبوقة، وكان من الأولى التريث به، بالإضافة للتركيز على إعفاء مدخلات هذه الصناعة من الرسوم أسوة بالآلات الصناعية التي تم تحديد رسمها ب 1% لمدة سنة كون الصناعة النسيجية صناعة أساسية وهامة وتشكل حالياً أكثر من 40% من القطاع الصناعي، ناهيك عن الآثار النفسية للاستيراد فمن المعلوم أن المواطن قد يرغب للقماش الأجنبي لمجرد عدم قناعته بالمنتج الوطني على الرغم من أننا نشاهد وبأم العين منتجات سورية تتصدر واجهات المتاجر في الدول الأجنبية وتلقى إقبالاً كبيراً من الزبائن، كما ذهب صباغ إلى ضرورة صدور بيانات دقيقة من قبل وزارة الاقتصاد توضح فيها كميات القماش المصنر المدخلة، والكميات التي تم تصديرها مما يساعد بالتعرف على القيمة المضافة التي ستحققها تلك الأقمشة بشكل فعلي ومدروس يبين مدى الجدوى من القرار.
توقفت أعمالنا
وعلى المقلب الآخر يجب أن لا ننكر وجود مصاعب جمة في مشاغل الخياطة والورشات الصغيرة وفي مقدمها سوء القماش الوطني بالمقارنة مع المستوردة، هنا روى أحد الصناعيين أنه أغلق جميع محلاته لبيع الألبسة في مصر والعراق بسبب عدم قدرة الألبسة الوطنية على منافسة الأنواع الموجودة في أسواقهم، وإن معامل النسيج تعاني من مشكلة عدم تبديل الخيط الصيفي أو الشتوي حتى آخر لحظة من الموسم وهذا الأمر يسبب توقف ورشات الألبسة عن العمل لفترة في بداية الموسم الصيفي أو الشتوي، كما يعاني السوق المحلي من احتكار القطاع من كبار صناعيي النسيج وتحكمهم بالسعر ورفعه إلى ما يفوق السعر العالمي، وقلة المصانع بالمقارنة مع العدد الهائل للمشاغل والورشات الصغيرة وعدم قدرة المصانع على تلبية احتياجات تلك الورشات، ومشكلة الصباغة حيث يشترط أصحاب المصابغ صباغة ألف متر من القماش كحد أدنى مما أثر على تنوع الألوان.
وطالب الصناعي مازن الحكيم باستيراد جميع مستلزمات الإنتاج من آلات وأقمشة ودون استثناء، فجميع مصانع النسيج في سورية تنتج أقل من 15% من الأنواع المطلوبة عالمياً وهذا بحسب رأي الحكيم يؤثر سلباً على إيجاد منتج تنافسي قابل للتصدير إلى الأسواق الخارجية، فمعامل القماش في معظم دول العالم باتت تغير أقمشتها وتصاميمها في كل موسم، ومن يريد المنافسة في الأسواق العالمية عليه السير في هذا الاتجاه الدقيقة البعيد عن واقعنا الحالي بفعل الحرب والحصار.
وكان بعض الصناعيون فيما سبق يصدرون 90% من إنتاجهم في حين يبيعون الباقي ضمن الأسواق المحلية، وبالتالي لابد من العودة إلى ذلك الواقع الذي كانت تشكل ضمنه الصناعات النسيجية 34% من الدخل الوطني وتشغل 25% من اليد العاملة وكانت منتجاتنا وخاصة القطنية تصدر إلى البلدان الأوروبية.
حلول أفضل
الصناعات النسيجية الآن مهددة بخطر الزوال وبحاجة للاهتمام والدعم عبر كافة حلقاتها، فلا بد من دعم الفلاح وكافة مستلزمات محصول القطن، والمحالج، وصولاً لمستلزمات المصانع والورشات من قطن وخيوط وأصبغة وكهرباء وفيول ومازوت واستيراد الآلات ومواد كيميائية وتمويل للخيوط والصباغة وغيرها.
وتساءل رئيس لجنة الصناعات النسيجية في غرفة صناعة دمشق وريفها- عضو لجنة تطوير الصناعة النسيجية أسامة زيود فيما إذا كان مبرر القرار 790 هو التصدير، فلماذا لا يتم تبني حلول أخرى مثل قانون الإدخال المؤقت الذي يسمح للصناعي بإدخال أقمشة لفترة معينة على أن يصدرها بعد تصنيعها؟، فالسوق السورية غارقة بالأقمشة المهربة التي سيزداد دخولها، كما أن عدد من المنشآت الوهمية تقوم باستيراد مخصصات ضخمة جداً من القماش لاحتكارها وبيعها في السوق السوداء، وتابع زيود إن الصناعة النسيجية تحتاج لمصانع الملابس وكل الحلقات ما قبل وبعد صناعة النسيج، ولا يمكن لقطاع أن يعمل بمعزل أو منافسة مع الآخر، مشيراً إلى معاناة أصحاب معامل النسيج من ضغوط خارجية بفعل الحرب، وخوفهم من المعاناة من ضغوط داخلية فيما بعد الحرب.