دائرة الخيارات الصهيونية تضيق في استهداف إيران
محمد نادر العمري
باتت وسائل الإعلام الصهيونية والمسؤولون الصهاينة السابقون الأكثر تعبيراً عن الحال التي وصل إليها الكيان الغاصب من العجز في مواجهة إيران، واستهدافها كما كانت تطمح وتخطّط له الحكومات الإسرائيلية السابقة، حيث مثلت مجموعة من العوامل والتطورات في المرحلة الأخيرة، أكثر الصور تعبيراً عن هذا العجز وخيبات آمال”اسرائيل”، فبعد فشلها في الكثير من المحاولات المارتونية لدفع الولايات المتحدة الأمريكية لشنّ عدوان عسكري كبير على إيران منذ ولاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب، أصبحت اليوم أمام خيبتين متتاليتين: الأولى ما كشفه الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي وقائد شُعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) الجنرال “الإسرائيلي” غيورا آيلاند، في بحث صدر مؤخراً عن مركز بيغن للدراسات، عن أن “إيران باتت تملك صواريخ دقيقة لدرجة أنها قادرة أن تقصف 80% من إسرائيل في وقت واحد ومن جبهات متعدّدة، وأي حرب معها ستصبّ لصالح تدمير “إسرائيل”.
تمثّلت خيبة الأمل الثانية، في تسارع وتيرة التقارب بين بعض دول الخليج، وخاصة السعودية مع الجمهورية الإيرانية، حيث يشكل مثل هذا التقارب تحطيماً كاملاً للصهاينة في إقامة ناتو خليجي يكون بديلاً عن الناتو الغربي، لشنّ عدوان على إيران، وهو ما يعني في جانب آخر فك العزلة والحصار عن إيران وتخفيف الضغوط عليها.
بالمجمل يمكن القول إن كل خيارات الكيان الصهيوني من خطة سُمّيت بـ(أ) والمتضمنة استخدام القوة العسكرية ضد إيران، والخطة (ب) والمتعلقة بزيادة الحصار عليها، أصبحت دون جدوى وربما دخلت في سبات سريري طويل الأمد، فلم يعد للولايات المتحدة والدول الغربية الدخول في حروب حاسمة في ظل تغيّر موازين القوى، والاقتصاد الإيراني تكيّف مع العقوبات والحصار وبدأ بإيجاد الحلول عن طريق الانفتاح باتجاه العمق الآسيوي ودخول شراكات استراتيجية منفردة مع دوله كروسيا والصين، أو بالانضمام لتحالفاته وتكتلاته الجماعية، والتي كان آخرها قبول إيران في منظمة شنغهاي، كما أن عدم قدرة المشاريع الغربية في تحقيق أهدافها في العراق واليمن وسورية ولبنان شكلت عاملاً قوياً للانفتاح على إيران لحلّ الأزمات المفتعلة في هذه الدول. ليبقى أمام الكيان الصهيوني، خطة ثالثة وأخيرة تسميها صحيفة معاريف بالخطة “س” وتتضمن فكرة، أشارت إليها مجلة فورين بوليسي الأمريكية مؤخراً، قوامها: “إنه في حال عدم تمكّن إسرائيل من دخول حرب عسكرية مباشرة مع إيران أو عبر حلفائها الغربيين أو العرب فإن عليها إبقاء حالة الحرب قائمة”. وهذا يعني اتباع سياسات وإجراءات وتكتيكات يكون هدفها الاستمرار في استهداف إيران وتوظيفها بشكل دائم.
وتدور أركان هذه الخطة بين عناوين ثلاثة: أولها رفع وتيرة الحرب السيبرانية ضد إيران، وانتقاء مراكز حيوية بعناية فائقة لتكون تأثيراتها كبيرة ومؤثرة، بحيث لا تقلّ خطورة عن حجم الأضرار العسكرية وإن كان بالإمكان تكون أكثر تأثيراً فهذا يحقق مصلحة متضاعفة، ثاني تلك العناوين: استغلال تردي الأوضاع الاقتصادية في الداخل الإيراني لتجنيد عملاء يساهمون في القيام بعمليات فوضى بالتزامن مع تفعيل الحرب الإلكترونية وحرب الشائعات لإبقاء النظام الإيراني في حال انشغال داخلي، المرتكز الثالث لهذه الخطة، افتعال أزمات في الدول التي تعيد تصحيح علاقاتها مع إيران واتهام الأخيرة بالوقوف خلفها، في محاولة لإعادتهم لدائرة الخصومة والتنافس والتوتر في العلاقات.
عندما يتحدّث رئيس حكومة الكيان “نفتلي بينت” في اجتماع حكومته المصغّر عن ضرورة اتباع كل أشكال الحرب على إيران، فهذا التسريب الداخلي لا يأتي في إطار الترويج الإعلامي السياسي الحزبي والانتخابي، بل يأتي نتيجة الخطر الذي باتت تشكّله الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب كامل محور المقاومة في إسقاط المشروع الصهيوني بالمنطقة، ولذلك فإن الصهاينة سيلجؤون لكل الخيارات الممكنة في محاولة الحفاظ على وجودهم.