أدب الطفل.. حصيلة غير مرضية!!
تضمّنت الندوة الأخيرة التي قُدّمت في مكتبة الأسد الوطنية ضمن الفعاليات الثقافية المرافقة لمعرض الكتاب الكثير من هموم أدب الطفل، وبدا من خلال مَحاور الندوة التي شارك فيها الكتّاب بيان الصفدي وقحطان بيرقدار وأريج بوادقجي أن هذا الأدب مازال وليداً ويحتاج لمزيد من الرعاية والاهتمام في ظل الاستسهال والعبث الذي يتعرّض له من قبل الجميع، مع أنه أصعب أنواع الأدب وأخطره لأنه يستهدف أطفالنا أملنا في المستقبل.
عجائب في أدب الطفل
في مشاركته التي حملت عنوان “رسالة أدب الطفل” رأى الشاعر بيان الصفدي وبعد تجربة طويلة له في أدب الطفل أن حصيلة رسالة هذا الأدب ليست مرضية، لأنها لم تقم بدورها في تكوين مفهوم المواطِن والمواطَنة وإعداد الطفل ليكون إنساناً بكل معنى الكلمة، وقد كان بما يحتويه عاملاً دافعاً للتخلف والتعصب والإساءة إلى الآخر (الجنس- اللون- الدين)، في حين أن رسالته يجب أن تقوم على تنمية ذكاء الطفل وعدم التلقين الوعظي له وتنمية خياله وانتمائه الوطني وتنمية حسّ الانتماء للطبيعة واحترامها، مؤكداً أننا لو بحثنا عن هذه المقاييس العامة في المنتَج الإبداعي عربياً لكانت الحصيلة أن أدب الطفل لا يُساهم في إنشاء المواطن العربي، وأننا لو دققنا في فيض ما يُقدّم للطفل من خلال دور النشر الخاصة بالتحديد لوجدنا العجائب في هذا النوع من الأدب، في حين أن جهات النشر الرسمية، وخاصة في سورية والعراق مازالت محافظة على الإطار العام لتكوين الطفل والمواطن وإن أخطأت في بعض الأحيان. وطرح الصفدي في نهاية مشاركته مسألتين عاجلتين برأيه تشكلان أساساً لمصداقية العمل من أجل الطفولة المميزة: الأولى منح جوائز مجزية لأدبائنا وفنانينا الصغار في مسابقات وزارة الثقافة تشجيعاً لهم، والثانية ضرورة وجود كتّاب أناشيد ملحنة في وزارة التربية لروضات الأطفال في سورية، وهو مشروع سبق وأن قدّمه للوزارة منذ سنوات لقناعته أن النشيد والأغنية هما الأسرع في إيصال ما نريده للطفل إلى جانب الاهتمام بالمسرح، وتقديم البرامج والمسلسلات التي تؤكد على الاستقلالية وتحفيز خياله وربطه بالعصر الذي يعيش فيه.
السهل الممتنع
من خلال تجربتها في رئاسة تحرير مجلة “شامة” الموجّهة للأطفال دون عمر الـ 7 سنوات أكدت أريج بوادقجي أن أدب الأطفال أصبح مستباحاً من قبل الجميع، فهناك من يكتب قصة للأطفال خلال ربع ساعة، مشيرة إلى العديد من السلاسل التربوية الصادرة للأطفال 90% من قصصها عبارة عن التقاط معلومات من الإنترنت يتمّ تقديمها بطريقة بعيدة عن الأدب استسهالاً من أصحابها لهذا النوع من الأدب، مبيّنة أن عدداً من الكتّاب الذين فشلوا في الكتابة للكبار يحاولون التجريب والكتابة للأطفال بسذاجة ودون أي دراية بعالمهم، فيخاطبونه من خلال طفولتهم في الوقت الذي أصبح فيه طفل اليوم قليل الصبر ومفتوحاً على جميع المعارف، موضحة أن الكثير من هؤلاء يستغربون رفض كتاباتهم وهم لا يعرفون أن طفل اليوم لا يحتملها لأنها غريبة عن عالمه، في حين أن عمل الكاتب برأيها أقرب ما يكون لعمل المُهندس المبدع الذي يمتلك فكرة ويُخطّط لها ويبني لها أساساً متيناً ليبدع تصميماً فريداً بعد ذلك، في حين أن القصص التي تأتي إلى “شامة” أشبه ما تكون بالأبنية مسبقة الصنع، موضحة أن أدب الطفل يجب أن يسعى لتحقيق ثلاث قيم تربوية ومعرفية وجمالية وكل نصّ يتم قبوله عليه أن يُحقق هذه القيم، مع الإشارة إلى أن إحدى هذه القيم قد تطغى على الأخرى لكن دون أن تلغي البقية، مع تأكيدها أن أحد أهداف أدب الطفل تحفيز الفكر، لهذا يتمّ الحديث دائماً عن ضرورة التوجّه للطفل بطريقة غير مباشرة وعدم إطلاق الأحكام والنصائح لأنها ضد الاستنتاج والأسئلة المفتوحة، مؤكدة أنه ودون توفر هذه المعايير لن يجد أي نص مكاناً له في المجلة، وخاصة تلك النصوص التي لا يعرف كاتبها ماذا يريد من نصه، منوهة بأن المطلوب حين التوجّه للطفل عبر القصة التكثيف وتقديم السهل الممتنع وبناء حوارات تعلّم الطفل مهارات الحوار والتواصل مع الآخر، مع الانتباه لبناء شخصيات ملهمة تحرضه على العمل وعدم التراخي، والأهم تقديم ما يتناسب مع العصر الذي يعيش فيه الطفل من خلال نصوص تقوم على المعرفة وفتح أفق للمستقبل.
جرعات جمالية وقيمية
وأشار الشاعر قحطان بيرقدار إلى أن الطفل يتذوق الشعر منذ سنواته الأولى لما يتميّز به من إيقاعات سريعة تألفها الأذن وأفكار وصور تميل إليها القلوب، وهو يسهم في تعزيز الجانب الروحي والوجداني لديه، إلى جانب دوره التعليمي والتربوي البارز. وأكد بيرقدار أن الشاعر لا يفلح في كتابة قصيدة موفقة للطفل ما لم يكن في الأساس موهوباً وعارفاً بالشعر وأشكاله وأوزانه وقوافيه، مبيناً أن الشعر الموجّه للطفل يجب أن يقوم على الأوزان العروضية القصيرة والسريعة التي تستميل إصغاء الطفل بحركاتها وسكناتها ومحاكاتها لإيقاعات أحاسيسه ومشاعره الخاصة بما يتضمن من جرعات جمالية وقيمية، في حين أن الموضوعات التي يمكّن أن يُعالجها الشعر الموجّه للطفل كثيرة، ومن الضروري برأيه أن تُختار بحرص وتأنٍ وأن تكون ملائمة لمرحلة الطفولة المراد مخاطبتها، وأن تُعالج على نحو فني مرهف بحيث تبقى روح الشعر هي المسيطرة لا أن تتحوّل القصيدة إلى موضوع إنشاء، وأن يعبّر عن عالمه الخاص وأفكاره وما يحبه ويجذبه من أشياء وحالات بهدف إحداث التأثير المطلوب، مبيناً أن الشاعر الذي يكتب للطفل يجب ألّا يبقى في برجٍ عاجي، وأن يكون واعياً بأنه يُخاطب طفلاً لا كبيراً فينطق بلسانه ويعبّر عن مشاعره وأحلامه ورؤاه بلغته وبطريقة تفكيره الطفولية الخاصة، بعد مراعاته الدقيقة للمرحلة العمرية التي يخاطبها من خلال لغة ذات إيقاع رشيق تُناسب مدارك الطفل ومعجمه اللغوي في مرحلته الطفولية التي يعيشها، مع الابتعاد عن التراكيب الطويلة الصعبة، وأن تكون الصور الشعرية بسيطة ومعتمدة على الصور المتحركة والمواقف الدرامية البسيطة، فهذا برأيه يسهم في زيادة تأثير القصيدة في وجدان الطفل وتحقيق الغايات المرجوة منها، شرط الإيجاز والتكثيف والوضوح وبعيداً عن الإطالة والمباشرة الفجة والوعظ والإرشاد، مؤمناً بأنه من النافع أن يُلقى الشعر للطفل إلقاءً، وأن يُغنّى له فهذا يجذب الطفل ويدخل في قلبه المتعة والسرور ويُساعد كثيراً في إيصال رسالة القصيدة إليه، والتي يجب أن تثير في داخله ملَكة التذوق الفني وتحفزه على الخلق والابتكار.
أمينة عباس