“قسم” ملحمة ابن التراب.. الرتبة الأعلى في الحياة والخلود
كأجنحة الضوء وتحليق أرواح النسور أنبتت الأرض من عبقها ابن الأرض، فملأت الأرجاء أرواحاً من شقائق النعمان، معلنة أن شهداءنا الأبرار فخرنا ودماءهم الطاهرة حياة للوطن، رفعة وكرامته.. المرتبة الأعلى في الحياة والخلود، تلك المقولة العظمى فلسفياً مجازياً، ودلالياً افتراضياً، ورؤى شرطية تمتزج مع الواقع الملحمي البطولي في مواجهته للإرهاب التكفيري، جاءت الرواية الدرامية السينمائية “قسم” سردية الإيقاع الحكائي، الحدث الافتراضي المتخيّل، بصرية نورانية في ملاحمها البطولية، ولتبشرنا شخصيات بإرث أجدادنا، مواسم قوافل الشهداء.. خير وأمان شعب لا يقهره غدر العدوان، شعب يعود في كل يوم إلى ذاكرته قبل نحو قرن من الزمان، يوم أزهر الياسمين الدمشقي بلون قانٍ على خبر قيام جمال باشا السفاح بإعدام نخبة من بذور الفكر والسياسة والثقافة في دمشق وبيروت في محاولة لإخماد نار الحمية في دماء السوريين، إلا أن هذا اليوم أضحى عيداً للشهادة والشهداء، بل يوماً مقدساً في تاريخ سورية عنوان النضال والمقاومة، سورية التي لم يهادن شعبها إلى اليوم محتلاً أو إرهاباً ظلامياً تكفيرياً، مستمر جيشها الباسل بتسطير ملاحم بطولات روت ترابها أنقى الدماء، دماء شهداء سورية، والذين عاهدهم مضمون الفيلم بـ”القسم” الحفاظ على العهد، للوطن، لتاريخ وموروث أجداده، أبناء التراب، وذلك الضابط الأمين على العهد. المقدم “عهد” باسل حيدر الوحيد لأمه القديرة فاتن شاهين، والممتد –أي المقدم عهد- في ذاكرة كل من بقي على قيد الحياة، بعد إبلاغه بالأمانة (الرسالة– المهمة) من شريكه في المعارك الخضراء المروية بالدماء الطاهرة، العقيد الشهيد “خضر” علي صطوف إلى النقيب “شأم” روعة شيخاني، القناصة البطلة، الرمز الآخر للكبرياء والتضحية إلى الشهيد المخترع “عيسى عبود” مجد مشرف، وشخصيات أخرى مهمّة سجلت بصماتها في تاريخ سورية المضيء، والتي تتوّج بدعوة ممسرحة على لسان الدكتور المفكر، بل ذاكرة الضمير الوطني النجم زهير رمضان المؤمن بأن تداعيات الحرب لن تؤثر على توازن الإنسان السوري الخلاق، الوجود الإنساني، وإلى يوم القسم بتحرير كل شبر في بلدنا الحبيب، كل مواطن حاصره الإرهاب امتداداً لقسم الولاية الدستورية الجديدة للسيد الرئيس بشار الأسد، وكأن الصوت (القسم) الشعب بمختلف فئاته وأطيافه، صوت الحق، العدالة الإنسانية التضحية والفداء تحت راية العلم السوري وعلى خلفية سورية يا حبيبتي.
الفرضية المتخيلة
حين التقى السيد الرئيس بشار الأسد بنات وأبناء الشهداء، بمناسبة ذكرى السادس من أيار (عيد الشهداء) خاطبهم بقوله: يجب على كل واحد منكم أن يكون فخوراً بأبيه الذي قدّم دمه فداءً للوطن وفداءً لكل مواطن.. ولو أن كل الناس أقوياء وصلبين ولا يخافون مثلكم ومثل عائلاتكم فبكل تأكيد سوف ننتصر على الإرهابيين. وختم السيد الرئيس كلمته بالقول: في العيد القادم نلتقي إن شاء الله ليس فقط للاحتفال بعيد الشهداء وإنما أيضاً في الاحتفال بعيد الانتصار على الإرهابيين الذين ارتكبوا أفظع الجرائم بحق الشعب السوري.
وها هي مقولة السيد الرئيس تترجم حقيقة على أرض الواقع في انتصارات بواسل الجيش العربي السوري على المؤامرة التكفيرية الإرهابية، ومن هذا المنطلق جاء الفيلم فرضية متخيلة- فانتازيا، محسوسة غير ملموسة (خيال) لكل من يرى ويسمع، وحقيقة ملحمية لكل من شارك فيها، فكانت الفانتازيا صيغة حامل لشخصيات عاشت في أزمنة متباعدة خلال مئة عام تخلّلها الرمزية الكوما- الشظية وبمعنى آخر “الجسم الغريب” المخترق للرقم الأوغاريتي، والذي يمثل جوهر الإنسان إشارة إلى دلالات الأهداف العليا وإسقاطها على الأحداث الواقعية الإنسانية، والتي احتملت تلك الفلسفية المجازية في التعبير عن ذاكرة المجتمع، ابن التراب السوري، برع في محاكاتها الفكرية والبصرية والتقنية كاتب ومخرج الفيلم (سامي نوفل) الذي لم يخلُ من الخطابية والمباشرة الملحة في هكذا نوع من الخطاب الإنساني الوطني المتمازج مع الموسيقا المتواترة الآسرة والمؤثرة للمؤلف الموسيقي البارع رعد خلف، نوع من الوفاء لقسط من حق الشهداء الأبطال -أغلى ما يملك الإنسان من أجل وطنه– مؤكداً الفيلم أنهم استحقوا بدمائهم الطاهرة مرتبة الخلود، الأمانة في أفئدتنا، والنبراس المنير الذي أضاء درب الانتصار في زمن التحدي والصمود، في زمن القسم بالوفاء للأرض، الإنسان السوري، أرواح الشهداء، امتداداً لقيمة الشهادة (قيمة القيم وذمة الذمم) كما وصفها القائد الخالد المؤسّس حافظ الأسد، وكما جاء على لسان بطل الفيلم المبدع في رهافة أدائه ونبرة سرده الروائي “باسل حيدر” مركزاً على ما قدمه أبطالنا الشهداء الميامين من أساطير في التضحيات، بدعوة نستمد معها ومن مواقفهم القوة والمنعة والإيمان والثبات، وأن الشعب الذي يملك أبناؤه إرادة الشهادة، هو الشعب الذي يملك حتمية النصر والسلاح الأمضى في مقارعة أعداء سورية.
الياس الحاج