مونودراما الشباب مهرجان يبحث عن الحياة
البعث الأسبوعية- غالية خوجة
ما الذي يضيفه مهرجان مونودراما الشباب بنسخته الثالثة الذي انطلق عام 2018 وتوقف مؤقتاً بسبب “كورونا” عام 2020؟ وهل من حالة تأسيسية في حلب لمسرح هادف وغير تجاري؟
يعتبر المسرح فناً ثقافياً يساهم في الوعي الحياتي المجتمعي، له رسالته المهتمة بتجذير القيم وإضاءة الوعي ومحاولة بناء دواخل الإنسان، ليشذب ذاته من الشوائب الفكرية، ويرتقي بسلوكه، وعائلته ومجتمعه، مما يجعل الحيز الإيجابي متفاعلاً بجمالية مع مختلف تنويعاته بين المسرح الشعري والرمزي والسوريالي والعبثي والهادف والكوميدي والتراجيدي والظل وغيرها، ومنه مسرح “المونودراما-Monodrama” الذي يؤديه ممثل واحد، فيصبح الحكواتي والراوي والممثل والشخصيات الأخرى المرتبطة بالنص الذي يؤديه، وتتداخل فيه فنيات “المونولوغ” و”الديالوغ”، التي من المتوقع أن تترك تأثيراته في ذات المتلقي، ولابد من “سينوغرافيا” متناغمة مع الحدث المسرحي والشخصية والبيئة والمكان والزمان، لأن الإضاءة والموسيقا والأزياء والديكور عوامل هامة يجب توظيفها توظيفاً هادفاً في نسق العرض، لتكتمل الدلالات والمعاني والإشارات والأهداف من هذا العمل المسرحي.
المسرح بوجهين
والمسرح الذي اشتهر بالمضحك المبكي، أو “التراجيكوميدي”، يرمز لذاته بوجهين، الوجه الباسم، قبل اعتماده كـ”إيموجي” أو أيقونة الكترونية باسمة، والوجه الباكي الحزين، وحتماً، لم يرتبط المسرح بهذين الوجهين المتضادين عبثاً، لأنه يؤكد من خلالهما أهمية تأثيره في المشاهدين والمتلقين، الذين، بلا شك، سيذكرون مسرح “خيال الظل” ووجه “كراكوز” ووجه “عيواز”، كما لا ينسون “صندوق الفرجة”.
وللمسرح المحلي والعربي والعالمي رموزه الإنسانية التي وظفت الثقافة والعلوم والمعرفة مثل بريخت وشكسبير وفسكي.
نواح وألم وانتحارات
من الضروري أن يتحرك المشهد المسرحي في حلب التي تعيدنا قلعتها إلى مسرحها الروماني الأثري المتسع المهيب حتى الآن، ومن الهام أن نلفت أن المسرح الحلبي، عموماً، اتسم بالتجاري، هدفه الربح على حساب الرسالة الفنية الثقافية الإنسانية الحاضرة بندرةٍ هنا، وهناك، إضافة إلى وجود محاولات للخروج إلى رحابة المسرح الهادف، ومنها المسرح المدرسي والشبيبي والجامعي ومسرح نقابة العمال ونقابة الفنانين ومديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي بحلب الذي احتفل برعاية الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، بمهرجان مونودراما الشباب بدورته الثالثة بين(21-10/6-11)، على مسرح دار الكتب الوطنية بحلب.
وتنافست في هذه الدورة (8) عروض هي (حبة سكر) تأليف محمد فاقي، تمثيل سلاف الكرز، إخراج محمد ملقي، (ليلة الوداع) تأليف جوان جان، تمثيل ديما مرعياني التي تقاسمت جائزة أفضل ممثلة مع محمد فاضل، إخراج حكمت عقاد، (الأخطبوط) تأليف وتمثيل عمر نعمة، إخراج فاطمة جاروخ، (الثقب الأسود) تأليف ضحى عساف التي فازت بجائزة أفضل نص، تمثيل وعد الرزوق، إخراج جمال خللو، (الأب) تأليف محمد فاقي، تمثيل وسام عبدو، إخراج نور الدين حلبي، (لا تنطفئ) تأليف وتمثيل وإخراج سوسن علي، (لا تجعلني ألبس الأسود) تأليف وإخراج محمد سعيد حمادة، تمثيل زينب ديب، (حلم رجل مضحك) تأليف فيودور ديستوفيسكي، تمثيل محمد فاضل الذي تقاسم جائزة أفضل ممثل مع ديما مرعياني، إخراج حسام خربوطلي الذي فاز بأفضل بجائزة أفضل إخراج.
تمحورت العروض حول ثيمة حياتية موضوعية تختزل البعد الذاتي المتداخل مع اليومي والاجتماعي والإنساني، وعكست النواح والبوح والألم والمعاناة والمشاكل بين الذات والعائلة والمجتمع والحرب والغربة والقانون، صراعات نفسية ونفسية اجتماعية أودت بثلاث شخصيات في ثلاث مسرحيات إلى الانتحار كنهاية مأساوية! ورغم بساطة الديكور الموظف قدر الإمكان لخدمة العرض، نلاحظ أن الممثلين حاولوا استطاعتهم ليقنعوا الحضور المحتشد بكافة فئاته الشخصية والرسمية والمحبة للمسرح، كما أن محاولة المخرجين والمخرجات كانت واضحة الإصرار على تقديم الأفضل.
وبالمقابل، احتشدت المنصة بالصراخ والألم والانكسار والخوف والبحث عن الحياة خارج النص، كما أن بعض العروض تمتعت بمزيد من الحشو الذي كان من الممكن اختزاله، أو تقديمه بإيقاعات متسارعة رمزية، أو بكثافة إشارية، كي لا يشعر المتلقي بالملل واللا جدوى من الإطالة الزمنية وتكرار فعلية الأداء.
ولاحظت “البعث” أن بعض الحضور انتبه إلى هذه الثيمات الموضوعية والفنية، وبعضهم الآخر كان سعيداً بعودة العروض إلى المنصات، لكن، ما رأي بعض القائمين على المهرجان والمشاركين؟
جوائز لعمل شاق
صرح رئيس المهرجان محمد حجازي مدير مسرح حلب القومي ومدير دار الكتب الوطنية، لـ”البعث الأسبوعية” قائلاً: نحاول إعادة الصورة الحقيقية للمسرح القومي ليقدم أعمالاً هادفة، ورسالة إنسانية فنية، وأن نؤسس لفنانين وممثلين ومخرجين جدداً، ونؤسس لمسرح هادف يستلم زمام الأمور من المسرح التجاري، وهذا المهرجان ينطلق معتمداً على النصوص المحلية، آملين أن نقدم عروضاً تحمل سمات تدعو إلى البهجة رغم الحزن، ليكون الضحك الكوميدي موجهاً هادفاً ومفيداً ونوعياً، تترسخ أهدافه مع الأعوام القادمة لتجذب إليها الجماهير عفوياً.
وأجاب عن كون المؤلف هو الممثل في إحدى المسرحيات المشاركة، والمؤلفة هي الممثلة والمخرجة في مسرحية أخرى: المونودراما عمل شاق يحتاج لخبرة ودربة، وهذا المسرح التجريبي يجب ألاّ يأخذ واقع الظاهرة السائدة لأن العمل المسرحي عمل مشترك ولا بد له من الخبرة والإبداع، وهذه انطلاقتنا بعد العشرية الظلامية، والحرب على سورية.
شخصيات مأزومة ونصوص مهزومة
ورأى الكاتب المسرحي المبدع عبد الفتاح قلعه جي المهرجان جميلاً ويشكل مرحلة تأسيسية لكتابة السيناريو المحلي، ولكنه يحتاج إلى مزيد من التنظيم، مؤكداً على أن المونودراما هروب من المسرج الجماعي والمسرح فن جماعي، ولنا أن تعتبر هذا المهرجان عتبة للوصول إلى مهرجان يضم فرق عمل جماعي، كي لا يكون مونودراما بلا مونودراما.
وأضاف: المونودراما تجسيد لتضخم الذات من مؤلف ومخرج وممثل، وأغلب موضوعات المونودراما هي شخصيات مأزومة منفصلة عن المجتمع والوسط المحيط، وأغلب النصوص ضعيفة أو ميتة، تفتقد جوهر الدراما (الصراع) مما يبعث المتفرج على الملل.
ولفت: كان يجب على لجان المشاهدة أن تشاهد العرض كاملاً قبل العرض، والسبب، أحياناً، يظهر في العرض ما لا يظهر في النص، فتبدو المسرحية نصاً مشوشاً، وأثناء العرض الجميع رفض العرض، لأنه قدم عائلة فاسدة، وأشرت إلى أن ما قدم هو طقس من طقوس عبدة الشيطان!
وأكد: لا يجوز أن يكون مدير المهرجان من لجنة التحكيم، لا يجوز أن تكون خصماً وحكماً في الوقت ذاته، لذلك تمت مناقشة الموضوع وبقي محمد مكاراتي مديراً للمهرجان، بينما تألفت لجنة التحكيم من كل من إبراهيم مهندس، محمد أبو معتوق، سندس ماوردي.
أين المسرح الجماعي؟
وبدوره، خص الكاتب والممثل والمخرج المسرحي د.وانيس بندك “البعث” بقوله: أنا من لجنة القراءة والمشاهدة لاختيار الأعمال المقدمة للمهرجان، وبشكل عام أنا مع تقديم عروض مسرحية جماعية، وعلينا أن نقدم مسرحاً حقيقياً لمدينة حلب قبل إقامة مهرجان للمونودراما، لأن هذا النوع من المسرح يكرس الحالة الفردية عند فناني المسرح بينما المسرح هو طقس وحالة جماعية.
وأضاف: هناك مهرجان واحد على مستوى الوطن العربي هو مهرجان الشارقة للمونودراما ويتم اختيار مجموعة من العروض بدقة شديدة، وعدد العروض التي يتم اختيارها من كل البلاد العربية، ربما هو أقل من مهرجان حلب للمونودراما.
وأكد: أنا شخصياً أخرجت مونودراما “الزبال” من تأليف الشاعر والكاتب المسرحي الراحل ممدوح عدوان، وتمثيل الفنان حازم حداد، منذ عشرين عاماً تقريباً، عندما لم يكن أحد يفكر بالمونودراما، ولقد حضر العرض ممدوح عدوان شخصياً مع زوجته ومجموعة من أصدقائه جاءوا من دمشق لحضور العرض، ويومها، قمنا بتكريمه على مسرح دار الكتب الوطنية بعد العرض مباشرة، وكان ذلك قبل رحيله بثلاثة أشهر تقريباً، ولقد اعتبر أن عرضنا هو أهم عرض شاهده لنصه من بين عدة عروض شاهدها سابقاً.
واسترسل د.بندك: وفي عام 2010 شاركنا بالعمل ذاته في مهرجان الجزائر الدولي للمسرح المحترف بعد أن قمنا بالتحضير الجيد من خلال إعادة البروفان، وحينها، كتبت عشرات الصحف الجزائرية آنذاك عن العرض وأهميته، وأنا شخصياً كتبت ونشرت أكثر من نص مونودراما، ولكنني ضد أن يتحول هذا الشكل المسرحي إلى ظاهرة ويصبح هو الأساس في حياتنا المسرحية.
واختتم: علينا أن نحقق مسرحنا الحقيقي الجماعي قبل كل شيء، وإذا كانت هناك عروض هامة استثنائية في مجال المونودراما لتكن ضمن هذا النشاط المسرحي الجمعي العام، والاستثناء يجب أن لا يتحول إلى قاعدة.
الخوف غير الموجود يخيف
وكانت قد شاركت الكاتبة ضحى عساف بنصها المسرحي “الثقب الأسود” هذه الدورة، ورأت أن المهرجان تظاهرة فنية فريدة من نوعها، والملفت للانتباه هو استثمار طاقات الشباب والمواهب وتوظيفها على خشبة المسرح، لأن عروض المونودراما تعتمد على طاقة الممثل وموهبته لإثبات قدرته على تقمص أكثر من شخصية، يغير بها مولتون الصوت، والتعابير التي تناسب كل حالة يقوم بتأديتها.
وتابعت: الأمر الثاني الملفت هو معالجة أغلب النصوص المشاركة لمعاناة المرأة في ظروف عديدة يتصف بها مجتمعنا، والأمر الثالث الملفت أن نظرة الإخراج لم تكن كافية لخدمة بعض النصوص المقدمة لاسيما وأنّ بعض الأفكار وصلت خاطئة للمتلقي.
وأكدت على أن جلسات النقد اللاحقة للعروض اتسمت بالحوارات الناقدة الهادمة المفتقرة لسمت الحوار وأسسه، مع تجاهل كبير لوجود لجنة تحكيم تحتوي على أساتذة في الأدب والمسرح والإخراج، وهم أكثر دراية بما يُقَدم على هذه الخشبة، لأن هذا المهرجان تمتع بتحديد الأعمال المشاركة مُسبقآ بعد جلسات قراءة ومشاهدة من قبل اللجنة.
وأضافت: عروض المونودراما ليست ببعيدة عن الواقع، فنحن نعيشها بشكل مستمر بيننا، في ظل واقع بات مؤخرآ يحاصر الإنسان بضغوطاته، ولقد شاركت بنص الثقب الأسود العاكس لمعاناة امرأة تكبدت الصبر وألم سنوات وهي تحاول إصلاح مايهدمه المجتمع بذكوريته، فأقفلت على نفسها الباب لأنها كانت تخاف أن تصطدم بجدار “الواقع” خلف الباب، فتحول الخوف إلى ثقب أسود في داخلها يبتلع كل مايحتويه ذاتها كامرأة، وأسوأ منافس للمرء هو خوفه من شيء لا وجود له بالأصل.