الفساد الإداري يزداد مع ضآلة الرواتب الأجور.. والتدخلات تصنع قرارات خاطئة؟
دمشق _ لينا عدره
خلال ورشة العمل التي أقيمت مؤخرا في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، ونظمها المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية تحت عنوان “محددات المشكلات الاجتماعية في سورية بعد الأزمة”، أشار الدكتور نجم الأحمد أستاذ القانون الإداري في كلية الحقوق، إلى أنه وعلى الرغم من طرح الحكومات المتعاقبة “شعار مكافحة الفساد” إلاَّ أنه لم تلمس أية نتائج على أرض الواقع إلى الآن، لافتاً إلى الأثر السلبي للحرب التي مرت بها البلاد على مدار عقدٍ من الزمن، والتي أفرزت نتائج سلبية كثيرة من ضمنها هذه الظاهرة، لترتفع بالتالي نسب الفساد بشكلٍ كبير عما كانت عليه قبل الأزمة،
أسباب الفساد
يشير الدكتور الأحمد أن للفساد أسبابا كثيرة “سياسية واجتماعية،اقتصادية،وثقافية،تربوية ومالية”، إلاَّ أنَّ التركيز فيما مضى اقتصر على نقطة واحدة هي الأسباب الاجتماعية للفساد الإداري، فعلى سبيل المثال لا الحصر انتشار ثقافة معينة وإن كانت سلبية أو التعاطف مع من يتعاطون الفساد أو القبول بالأمر الواقع إن جاز التعبير كلها أسباب اجتماعية تؤدي من حيث المآل إلى الإسهام بتفشي هذه الظاهرة ،إضافة إلى تكريس ثقافة أن من لا يدفع المال لن يتمكن من الحصول على الخدمة التي يريدها، لتتحول هذه الظاهرة مع مرور الوقت إلى ظاهرة مألوفة وسلوك يومي، يضاف إلى ذلك أمر في غاية الخطورة، ناتجٌ عن تدخل قوى مجتمعية في صناعة القرار الإداري، بناءً على معطيات عشائرية أو عائلية أو إقليمية أو حتى دينية،ليصبح الولاء فيما بعد لهذه الانتماءات، عوضاً عن الدولة، لأن من يتولى الوظيفة بعد ذلك سيشعر أن الولاء ليس للدولة كمؤسسة وإنما لمن أتى به إلى هذا المكان.
ويرى د. الأحمد أن دور مؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني، والتي من المفترض أنها مؤسسات مجتمعية، هو دورٌ ضعيف، لا بل بإمكاننا القول أن هذه المؤسسات بذاتها تعاني أيضاً من الفساد بدرجة كبيرة جداً! وبناءً عليه لا يجب الاكتفاء بالقيام بإجراءاتٍ معينة،ثم إما يُعتَمُ عليها، أو لا يتم إيصالها للجهات المعنية.
تلميع صور الفاسدين!؟
ويبين الأحمد أن للإعلام دورا مهما يتمحور في تسليط الضوء على الفساد ومخاطره، لا أن يلعب دوراً سلبياً بجعل الفاسدين المعروفين هم من يتحدثون عن الفساد وينَّظرون له، “وهم غارقون فيه، مؤكداً صعوبة المهمة” ، بسبب تشكيل الفاسدين كتلةً غالباً ما تتماسك كي لا يكون أحد أفرادها في موقع المساءلة، فـ “للفساد من يدافع عنه”، مضيفاً أن السير باتجاه الحكومة الالكترونية هو أحد المؤشرات التي ستؤدي إلى ضعف الاحتكاك بين الموظف والمواطن،و قلة الاحتكاك هذه بين الطرفين،ستزيد من فرص النزاهة، إضافةً إلى نقطة مهمة جداً تتمثل بوضع قوانين خاصة، أو على الأقل تفعيل دور الأجهزة الرقابية ك “الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش و الجهاز المركزي للرقابة المالية، وصولاً للرقابة البرلمانية”، والأهم من كل هذا أنه لا يمكن محاربة الفساد، في ظل ما يتلقاه الموظفون من رواتب لا تكاد تفي بالحدّ الأدنى للمتطلبات الأساسية، لذلك لا بد من تأمين الحد الأدنى لهذه المتطلبات، وهو أمر ممكن وليس مستحيل والأمثلة كثيرة.
ويرى د. الأحمد أننا لا شك ندفع ثمناً باهظاً بسبب مواقفنا السياسية، إضافة إلى ما نتعرض له من إرهاب، إلا أننا يجب أن لا ننتظر دائماً الحلول الإسعافية، بل أن نعمل على وضع استراتيجية واضحة ومحددة، لمعالجة كل المشكلات، وعلى رأسها مشكلة الفساد الإداري. لذلك لا بدَّ من تمكين القضاء لاستعادة دوره الحقيقي، على الرغم من كونه أيضاً من المؤسسات التي تعاني من فسادٍ هنا وهناك _ مع أنني لست مع سياسة التعميم فلا يوجد مؤسسة فاسدة بالمطلق أو نزيهة بالمطلق _ وتعزيز دور القضاء لن يتحقق إلاَّ بإعطاء سلطات حقيقية واستقلالية تامة للقضاة “الشرفاء ذوي السمعة الحسنة” ليتمكنوا من معالجة مكامن الخلل، الأمر الذي ينسحب أيضاً على الأجهزة الرقابية الأخرى،
وأشار د. الأحمد إلى أن كل ما ذكر سابقاً ليس إلَّا مؤشرات مهمة لتحقيق نتائج جيدة، إضافةً إلى إحداث تغيير وتحسين في أوضاع القضاة، فالقاضي عليه التفرغ للقضاء قولاً واحداً، ولا يمكنه كسائر الموظفين مزاولة عملٍ آخر،لأن جلَّ وقته مخصص لعمله داخل المرفق القضائي وخارجه،لذلك لا بد من توفير الحدود الدنيا التي تجعل القاضي نزيهاً، ومن ثم يحاسب محاسبة شديدة في حال ارتكابه لأي خطأ، مضيفاً أن ما يشفع في هذا الجانب أن للقضاء درجات، وفي حال ارتكاب خطأ ما من قبل أحد القضاة، فهناك محاكم أعلى منه تراقب هذا القرار وقد تقوم بإلغائه.
ختاماً: إن المشكلة متكاملة، وبحاجة لعلاج شامل، وعلى الرغم من أن الفساد يحدث في الخفاء، وبعيداً عن الأضواء، وبعض الفاسدين غالباً ما يفلتون من العقاب، إلا أن جميع الناس يعلمون أن “سينا” من الناس فاسد! أضف إلى كل هذا شعور الخوف الملازم لمن يرغب بتقديم شكوى أو الاحتجاج على سلوكٍ سلبي معين.