قرار “إلزام” 90% من مكاتب “التدقيق الفردية”.. احتكاري لصالح ” حيتان” السوق..!
دمشق – قسيم دحدل
كما يقال: “إن أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع”، لكن على ما يتبدى أن وزارة المالية لا تعير اعتباراً للقدرة على إمكانية المكلف بالضريبة وغيرها من اشتراطات الحصول على رخصة مزاولة العمل مهما كان دخله متواضعا، فهما التحصيل والجباية، دون الالتفات لقضية الرعاية، أي قدرة المكلفين، وخاصة من شريحة المحدودة دخولهم، على التجاوب وتنفيذ ما تطالعهم به من اشتراطات شبه تعجيزية.
مؤخرا أصدرت الوزارة قرارا قضى بإلزام المحاسب القانوني (مكتب فردي) بتسجيل ٣ محاسبين قانونيين لديه بعقود عمل موثقة أصولا بالتأمينات؛ القرار وفقا لهذه الشريحة قد يخرج معظمهم من السوق، لصالح الشركات والمكاتب الكبيرة والمعروفة البالغ عددها نحو 21، بعد أن تعرض عدد منها لـ “انخفاضات وخسارات” في إيراداته، علما أنها تستحوذ على سوق التدقيق لكبرى المؤسسات والشركات المالية والاستثمارية؛ أمر يشتبه بأنه توجه لنوع من الاحتكار لهذه السوق من قبل “حيتانه”..!؟.
لماذا اليوم..؟!
في هذا السياق تعالت اعتراضات نحو 90% من المحاسبين القانونيين الذين يجددون رخصة مكاتبهم الفردية (الفردية حصرا) للعام 2022، على القرار الآنف. وفي شكواهم التي تقدموا بها لـ “البعث”، يتساءلون: لماذا التشديد اليوم في اشتراط إلزام المحاسب القانوني أن يوظف في مكتبه الفردي ٣ محاسبين قانونيين وتسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية، ليتم تجديد رخصته، علما أن هذه الشروط كانت تطبق سابقا على شركات ومكاتب التدقيق الكبيرة فقط (مكتب شركة تدقيق)، والمعروف أن عدد هذه الشركات والمكاتب هو بحدود ٢١ شركة ومكتبا في سورية، وهي التي تدقق حسابات المؤسسات والشركات الكبيرة المسجلة أصولا في سوق الأسهم والأوراق المالية، حيث عائدات التدقيق منها يغطي نفقات وأرباح مقبولة لها..؟!.
غير المنطقي أبداً..!
وبين المنطقي وغير المنطقي، يقول المشتكون: أما باقي المكاتب الفردية والمحاسبين القانونيين الذين ليس لديهم القدرة على تأمين مقر لعملهم أو دفع رواتب للعاملين ونفقاتهم الأخرى، فقد قبلوا بالمقسوم فقط لتدقيق أعمال شركات الأشخاص والمنشآت الفردية، وممنوع عليهم تدقيق شركات الأموال، وهذا أمر منطقي جدا للمحافظة على سوية مهنة المحاسب القانوني، أما ما هو غير منطقي فيتمثل وفق المعترضين منهم أن إلزام المحاسب القانوني (مكتب فردي)، بتسجيل ٣ محاسبين قانونيين لديه بعقود عمل موثقة أصولا بالتأمينات والمالية، هو شرط يكلف صاحب المكتب رواتب لـ٣ محاسبين قانونيين – من أصحاب الخبرة ما بين ٥ – ١٠ سنوات – وفي العام الواحد، مع تكاليف تسجيلهم بالشؤون وضريبة رواتب المالية، يكلف على أقل تقدير نحو 40 مليون ليرة سورية سنويا، يضاف إليها أجور المكتب والمصروفات العامة الأخرى، ورغم علم وزارة المالية أن أغلب المكاتب الفردية لا تجد عمل لها وإذا وجدت فلن يدخل إلى صندوقها أكثر من ١إلى ٢ مليون ليرة في العام الواحد..!.
ما هي الغاية..؟!
بناء عليه يتساءل المشتكون: ما هي النتيجة المرجوة من هكذا تشدد؟!؛ هل أن تقوم تلك المكاتب بإغلاق مكاتبها الفردية، وخاصة في دمشق وحلب، ومنع أصحابها من تدقيق شركات الأموال لتبقى الساحة محصورة فقط (بشركات ومكاتب التدقيق الوازنة)، وذلك ليس بعيب أو حرام، كون تلك الشركات والمكاتب ليست هي من أصدرت قرار المنع عن المكاتب الفردية، حيث سيتم التناوب فيما بين تلك المكاتب كل ٤ سنوات، على أن يقوم “س” بالتدقيق “ل ع” ، و”ص” يدقق “ل ج”، وفي المرة القادمة يتم استبدال أسم شركة التدقيق، ليدقق “س” لـ ” ل ج” و “ص “يدقق لـ ” ل ع” وهكذا…!.
مغلوب على أمرهم..!
المشتكون خلصوا إلى مخاطبة وزير المالية، مذكرين معاليه أنه ومن العام ٢٠١٣ تم إلزام المحاسب القانوني وتشميله لفئة الأرباح الحقيقة، كأول مهنة علمية مهنية يطبق عليها هذا الأجراء قبل الطبيب والمهندس والمحامي.. إلخ، الذين يخضعون لضريبة الدخل المقطوع هذا إذا دخلوها أصلا، ويومها قالت جمعية المحاسبين القانونيين: فلنكن نحن الأوائل لمصلحة الدولة، أما بشأن اليوم، فماذا ستقول لنا جمعيتنا المغلوب على أمرها..؟!.
أما بعد..
ليس أخيراً، يأمل المتضررون وهم الشريحة الأكبر، أن يُعاد النظر بالقرار الاشتراط، وإلاَّ لن تفلح المالية سوى بقطع أرزاق هذه الشريحة، وبالتالي عدم حصولها على الإيرادات غير المنطقية من المكلفين الخطأ..!.
استنادا لما تم طرحه، نتساءل بدورنا: ألاَّ تعتبر “مكاتب” التدقيق الفردية، مشاريع صغيرة، وبالتالي تحتاج للرعاية والحماية والدعم، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي نمر بها..؟، وبرأينا فإن تأمين دخل إضافي وتوفير فرص عمل وتحسين نوعية الحياة سعياً وتعزيزاً للبعد الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، يجب أن يكون أولوية تتقدم على ما سواها، حين نعد القرارات الخاصة بتمكين الأفراد من تأمين أعمالهم الصغيرة القادرة على توفير دخل شهري وسنوي يقيهم الحاجة ويعينهم على مواجهة متطلبات الحياة الأساسية والمعيشية، وهذا لا يتعارض ويتنافى من حفظ حق “خزينتنا العامة” في رسوم وضرائب شرط تناسبها مع إمكانيات الأفراد وحسب مستوى كل نشاط “استثماري”.
Qassim1965@gmail.com