بعد تصنيف “دافوس” للتعليم.. مقترح لهيئة وطنية للاعتماد والتصنيف الأكاديمي
أثار خبر خروج سورية من التصنيف العالمي لناحية جودة التعليم عالمياً وعربياً حسب مؤشر دافوس “المنتدى الاقتصادي العالمي” ضجة في الوسط التعليمي بشقيه التربوي والجامعي، بل وحتى الشعبي، وتعددت وتنوعت الآراء بهذا الخصوص. وبغض النظر عن هذا التصنيف لجهة صحته من عدمها، أو كونه تصنيفاً سياسياً بحتاً لا أكاديمياً كما يرى البعض من المختصين، لكن ثمة أمور لا بد من الوقوف عندها، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تصنّف فيها جامعاتنا ومدارسنا في ذيل القائمة عالمياً، وهنا نسأل: ماذا تفعل مديرية الجودة والاعتماد في وزارة التعليم العالي التي بدأ العمل بها منذ سنوات بهدف الارتقاء بسوية جامعاتنا داخليا وخارجياً، للأسف الواقع الحالي يشير إلى أن جهودها بقيت في أغلبها مختصرة على عقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل التي تتحدث عن أهمية الجودة بعيداً عن تحسين الجودة التعليمية بشكل عملي يضمن بالنتيجة رفع ترتيب جامعاتنا في التصنيفات العالمية، ومع ذلك كنا دائماً وما زلنا نسمع من وزارة التعليم العالي “إن كل ما يشاع عن تصنيف الجامعات السورية هو محاولة لتشويه سمعتها خارجياً”.
إذا ما سلمنا بهذا الأمر، فهذا لا يعني أن نغض الطرف عن تعثر الوزارة فيما يخص خطتها في تمكين البحث العلمي في جامعاتنا كونه الأساس في دعم ترتيبها عالمياً، عدا عن أن هناك عدة إجراءات لم تقم بها الوزارة بهذا الخصوص كتفعيل النشر الخارجي في مواقع ومجلات عالمية وهذا أمر هام جداً ليس فقط بهدف التصنيف، بل لأنه يعكس الأداء العلمي و جودته، وعدم تفعيل المواقع الإلكترونية للجامعات السورية، فمحتواها الحالي فقير علمياً ولا يسهم في دعم الترتيب عالمياً، يضاف إلى ذلك ضعف إلمام أعضاء الهيئة التدريسية في جامعاتنا باللغة الأجنبية وخاصة الإنكليزية، وهذا ما يؤثر على النشر الخارجي للأبحاث.
هنا من المناسب طرح سؤال يتعلق بالامتحان الوطني الموحد: إذا كانت الجامعات السورية على مستوى عال من التعليم فلماذا الإصرار على هذا الامتحان؟
من وجهة نظر “التعليم العالي” يشكلّ هذا الامتحان صمام أمان لمخرجات الجامعات السورية، حيث ساهم بتقديم الكثير من التطمينات والقياس فيما يخص التصنيف، لكن من وجهة نظر الطلبة وبعض الأساتذة هو امتحان مخالف لقانون تنظيم الجامعات، لأنه يقف حجر عثرة أمام تخرجهم، مطالبين بأن يكون شرطاً فقط للقبول في الدراسات العليا.
إذا ما أردنا قياس وتقييم الامتحان الوطني فسرعان ما نجد أنه بحاجة لتصويب، بمعنى التركيز على جعله بالفعل صمام أمان داعم للشهادة الجامعية السورية، أما بقائه كشرط للتخرج فإن ذلك يخرجه عن هدفه، وهذا ما يجب أن تعمل عليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إذا ما أرادت تقوية المنتج الجامعي السوري.
بالمختصر، في ظل الظروف التي تعيشها سورية منذ أكثر من عشر سنوات حرب كان التعليم في المدارس والجامعات مستهدفاً بشكل ممنهج، ويمكن القول: إن التصنيف ليس عادلاً، إذ لا تتوفر اليوم في جامعاتنا المعايير التي يقيّم ويرتّب على أساسها منتدى دافوس، وحتى لا “يتحفنا” هذا المنتدى بتصنيفه هذا كل عام، فالمطلوب اليوم العمل بجدية لاعتماد استراتيجيات جديدة وخطط عملية تتضمن المعايير الواجب اتباعها للحصول على ترتيب متقدم عالمياً، ولعل أولى الخطوات تتمثل بالاشتغال على تهيئة بيئة علمية تنافسية كبيرة بين جامعاتنا، من خلال بناء نظام ضمان جودة داخلي وخارجي، إضافة إقامة هيئة وطنية للاعتماد والتصنيف الأكاديمي لوضع معايير جديدة للجامعات الحكومية والخاصة، ولاسيما أننا نمتلك كفاءات على مستوى عالٍ ذاع صيتها في كل دول العالم في الطب والهندسات والفيزياء والكيمياء وكافة العلوم الأخرى، وهو ما يشير بشكل واضح إلى أن المشكلة في تراجع تصنيف جامعاتنا تعود بالجزء الأكبر إلى نمطية الأداء الإداريّ و ضعف المنتج الأكاديميّ، وإن ظل الوضع على ما هو عليه فلن يكون لجامعاتنا أي قدرة على التقدم بالترتيب العالمي، فهل تنتفض بما يحقق لها الحضور العالمي الذي يتناسب والسمعة التي يحققها بعض الخريجين فيها عندما يبدعون عالمياً؟!.
غسان فطوم