الوفرة “لمن يدفع أكثر”.. كهرباء ومحروقات وخبز متاح على “بسطة” الحكومة ولكن للأقدر فقط.!
دمشق – ريم ربيع
لم يعد خافياً على أحد حجم الشرخ “الطبقي” الذي يتزايد يوماً بعد آخر حتى خرج من إطار مجرد ظاهرة، ليصبح أكثر عمقاً وتأثيراً في المجتمع عن أي وقت مضى، حيث يرى المواطن “المتأقلم” مع الحصار وتبعاته أن هناك فئة كبيرة لا تعرف شيئاً عن العقوبات والأزمات، فمن يملك المال لم يشعر بنقص المحروقات أو قطع الكهرباء أو قلة الخبز ورداءته، وفيما كانت السوق السوداء هي الشماعة لتوفر هذه المواد، أصبحت اليوم الحكومة توفرها وتعلن عنها ولكن “كلشي بحقه”.
من المؤكد أن هذا الفرق لم ينشأ من قبيل الصدفة، ولا يمكن اعتبار التدهور الاقتصادي الحالي على أنه المتهم الوحيد، فالسياسات الحكومية المتبعة منذ أن بدأت الحرب الاقتصادية وحتى هذه اللحظة لا تفعل سوى أن تزيد هذا الشرخ عمقاً، ليراكم الثري أمواله، ويزيد الفقير حاجةً وعوزاً، وكلما سُئلت اللجان والفرق الاقتصادية عن فقراء الشعب تتباهى بكليشيهات الدعم الذي يدرك الصغير قبل الكبير أنه أصبح مجرد “تسكيتة” بعد أن أحرقته أيادي الطباخين الكثيرة المتدخلة فيه، فكان آخر ما أعلن عنه في هذا المجال هو الفئات التي يدرس استثناؤها من الدعم وسط انتقادات كبيرة لشموليتها التي لم تلتفت للدخل الحقيقي للبعض من هذه الفئات.
ثلاثة بالرأس..!
ولا يكاد يمر أسبوع دون تسريب أو تصريح ما يشي بأن كل شيء موجود، من محروقات إلى كهرباء إلى خبز ولكن “لمن يدفع فقط”، وهذه ليست مجرد تخمينات أو تأويلات لما نقرأ من قرارات، فالأسبوع المنصرم حمل ثلاثة تصريحات من هذا النوع، أولها إعلان وزارة الكهرباء عن خطوط معفاة من التقنين بتكلفة 300 مليون ليرة لكل كم، و300 ليرة للكيلو واط الساعي الواحد، وذلك في وقت تغرق البلاد في ظلام تقنين قاس على وقع استجداء الوزارة التفهم من المواطنين لنقص الفيول والغاز، وثانيها تصريح مدير المخابز أنه سيتم بيع الخبز بسعر التكلفة لمن لا تكفيه مخصصاته، ومحاولة الوزير “الترقيع” بعدها عبر توضيحه بأن هذا يشمل غير المدعومين فقط. وثالثها الإعلان عن جواز سفر فوري بتكلفة 100 ألف ليرة.
ومنذ أيامٍ قليلة، أعلنت أيضاً وزارة النفط عن زيادة المخصصات المسموح بشرائها من البنزين والمازوت بسعر التكلفة، فهل انتهى الحصار اليوم حتى أصبحت كل المواد متوفرة فجأة.! أم أن المشكلة منذ البداية كانت سوء إدارة ليس أكثر.
يصعب ضبطه..؟!
ترى الخبيرة الاقتصادية د.لمياء عاصي أن الاضمحلال الكبير في الطبقة الوسطى زاد الانقسام الطبقي وعمّق الشرخ بين الفقراء والأغنياء، معتبرة أن تقسيم الناس لفئات في رفع الدعم كما تم تداوله فهذا أمر يصعب ضبطه لاسيما بظل غياب شبكة معلوماتية واضحة تبرز الدخل الحقيقي لهذه الفئات، فحتى من ينتمي للفئات المذكورة قد يكون دخله غير كاف، مما سيولد لاحقاً نقاط جدلية كثيرة.
وتضيف عاصي: “أنا مع رفع الدعم عن المقتدرين مادياً، فمن الخطأ أن يشمل جميع الفئات، كما أنه بهذه الطريقة تخف فاتورة الدعم عن كاهل الخزينة ويصبح المستحق يتلقى دعماً أكبر”، ولكن مقاربة رفع الدعم بهذه الطريقة تنطوي على مشاكل وعثرات كبيرة، فعلى الورق يسهل تحديد الفئات، ولكن في التنفيذ يختلف الأمر، إذ تتجاوز المسألة مجرد اتخاذ قرار ومن ثم “منشوف شو بيصير بعده”.
المشكلة بتدني الدخل
وحول توفر المواد الأساسية بسعر الكلفة، تعتبر عاصي أن الحصول على المواد الأساسية يتعلق بإمكانية الدولة، ففي الظرف الحالي لا يوجد قدرة على تأمين المواد للجميع، وتوفر المادة من عدمه مرتبط بتكلفتها، غير أن المشكلة الأساسية ليس التوفر بل تدني الدخل والقدرة الشرائية للمواطن في الدرجة الأولى.
بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي د.زكوان قريط أن هذه القرارات هي سحب تدريجي للدعم الذي سيحصر في النهاية بفئة قليلة جداً، وهي طريقة تتخذها الحكومة لزيادة التحصيل للخزينة العامة، إلى أن انعكاسها المباشر يكون على المواطن، فالقرارات ليست مدروسة ولا بعد استراتيجي لها.
ويرى قريط أن ما سرب من فئات للدراسة ستتبع بقرار رفع للدعم قريباً وقبل نهاية العام غالباً، وهو ما سيترافق مع زيادة في الرواتب –لن تكون كافية وحتى لو وصلت إلى 100%-، فالهدف منذ البداية رفع الدعم وبدل أن يكون دفعة واحدة نراه يطبق الآن بالتدريج، ليقتصر في النهاية على فئات محدودة.