السرد العنكبوتي والمستقبل المؤنث
يصرُّ الكثير من النقاد والمشتغلين بالشأن الثقافي والأدبي تحديداً على الفصل بين السرد الذي يكتبه الرجل والسرد الذي تكتبه المرأة، فيبحثون عن خصائص وسمات نتاج كلّ من الجنسين ضمن سياق مستقل عن الآخر، لذلك درجوا على تسمية السرد الذي تكتبه المرأة بالأدب النسوي، رغم أن كاتبات كثيرات يرفضن هذا الفصل وينظرن إلى الرواية والقصة كجنس أدبي غير مرتبط بجنس وأيديولوجيا منعزلة عن الإطار العام لهذا النوع الأدبي.
وربما كانت الروائية الأردنية كفى الزعبي صاحبة رواية “شمس بيضاء باردة” إحدى أكثر الكاتبات الرافضات لهذا الفصل، حيث عمدت إلى إسناد مهمّة شخصياتها المحورية للذكور، وكذلك الناقدة اللبنانية يمنى العيد، لكن الدكتورة رشا العلي أستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة البعث، وعضو اتحاد الكتّاب العرب تذهب في هذا الفصل إلى حدّ تشبيه السرد النسوي، في المحاضرة التي ألقتها في مقر اتحاد الكتّاب العرب تحت عنوان “السرد العنكبوتي والمستقبل المؤنث” بـ”العنكبوتي” تشبيهاً مجازياً بأنثى العنكبوت الملقبة بالأرملة السوداء التي تشرع بقتل ذكرها، وهذه التسمية المجازية على السرد النسوي، برأيها، تناسب وظيفته المستهدفة من معظم الكاتبات وهي السرد العنكبوتي الذي يتعمّد نسج خيوطه الناعمة الخادعة حول الذكر ليمتصّ منه كل احتياجاته الحياتية، ثم ينتهي الأمر بالخلاص من سلطته التي حاصرت الأنثى زمناً طويلاً، وآن الأوان لأن تمتلك هي هذه السلطة.
لقد أصبح الخلاص من الذكر ظاهرة لافتة في السرد النسوي، كما ترى في دراستها للعديد من النصوص النسوية، وهو فعل مشابه لفعل أنثى العنكبوت التي تقتل ذكرها، لكن أنثى السرد تقوم بالخلاص من ذكرها تدريجياً فتسعى لتهميش دوره الفعّال ثم تستحوذ على بعض سلطاته، ثم تقوم بتشويهه داخلياً وخارجياً.
تقول: “قام السرد النسوي بمجموعة من الإجراءات الممهدة لسلطة الأنثى، ومن ثم اتجه إلى بعض الركائز الذكورية لنقضها أو تعديلها”.
وتكشف قراءة السرد النسوي عن رغبة الأنثى في مواجهة السلطة الذكورية مواجهة مراوغة وغير مباشرة أحياناً كتوجيه النقد لمن مات فعلاً، أو صنع تماثيل مشوهة للذكر، وهو ما كان في رواية “عرس الولد”، وقد تأخذ بتمردها بعض الصفات الذكورية، وذلك نابع أحياناً من رفضها لأنوثتها المقيّدة لحريتها، فيدفعها ذلك لأن تتخلص من مظاهر أنوثتها، كما فعلت زين في “الرواية المستحيلة”.
ويسعى السرد النسوي إلى تشويه صورة الذكر داخلياً وخارجياً من خلال بعض الإجراءات، منها كشف طبيعة الذكر الشرقي التقليدية، لذلك قاد السرد النسوي معظم ذكوره إلى الغياب التقديري أو الغياب الفعلي بالموت، ومن ثم تنفرد الأنثى بالساحة الثقافية وتقيم فيها سلطة جديدة هي السلطة المؤنثة.
وهذه الظاهرة تعتبرها الدكتورة رشا العلي خطيرة في السرد النسوي، لأنها تسعى لإنشاء سلطة نسوية في مواجهة السلطة الذكورية، وقد لاحظت في بعض النصوص التي درستها أن رفض الذكورة تعدّدت إجراءاته ابتداء برصد العلاقة المهترئة بين الذكر والأنثى في العلاقة الزوجية، فهي تعتمد أنانية الذكر في تحقيق متعته دون النظر إلى الطرف الآخر، ويبدو أن السرد، في غالب النصوص، حاول أن يلحق صفة النفعية والسعي إلى المصالح الفردية بالذكر، وهو عكس ما تقوم به الأنثى في النصوص نفسها، إذ لا تسعى إلى خلاصها الفردي، بل إلى خلاص غيرها من النساء المظلومات.
ولأمر ما أراد السرد إسكان الذكر دائرة الفشل وتعطيل فاعليته، إذ يفشل في مشاريعه الاقتصادية السياسية، وربما كان ذلك دعوة خفية لتسليم زمام قيادة الأمور للأنثى علّها تحقق نجاحاً، وقد قدّم السرد نماذج تظهر نجاح الإناث في مشاريعهن الثقافية والاقتصادية مقابل فشل الذكر، فهل يعني ذلك أن المستقبل مؤنث؟! وأن السيادة الإنتاجية ستكون للأنثى؟.
آصف إبراهيم