3 مؤسسات تمويل صغير عاجزة عن ردم الفجوة وعين هيئة تنمية المشروعات على 4 ملايين مستفيد!
البعث الأسبوعية – علي بلال قاسم
رغم تشاركية العديد من الجهات الحكومية والأهلية في احتضان ورعاية البنية التنظيمية المخصصة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن بيئة العمل -وباعتراف معظم الأقطاب المسؤولة – لاتزال تحتاج إلى العمل الكثير وإلى مؤسسات تمويل بشكل أكبر لتغطية الجانب التمويلي وزيادة الموازنات المخصصة للتأهيل والتدريب من أجل ردم الفجوة المعرفية سواء في سوق العمل أو للراغبين بتأسيس مشروعات خاصة بهم.
ومع الحاجة الماسة لتطوير جانب حاضنات الأعمال، بوجود الكثير من الأشخاص غير القادرين على الحصول على قروض حتى في ظل مؤسسات التمويل لانعدام الضمانات الكافية لديهم، ترتفع الآمال والتوقعات المؤكدة بأن حل معظم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها يكمن بشكل أساسي في دعم وتطوير هذا القطاع كونه حيوياً وتنموياَ إلى جانب بقية القطاعات.
وهنا تتأكد مفاعيل ما سبق بالثقة العالية التي تظهر عند مدير الهيئة العامة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر الذي يرى بأن دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المجال الاقتصادي يظهر بجوانب عدة منها ما يتعلق بمحاربة البطالة والفقر وإيجاد حلول لمشكلات التصدير والتضخم، وهي التي تخلق كماً كبيراً من فرص العمل وتشكل نحو 41 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و98 بالمئة من الصادرات السورية.
تأثير على المتغيرات
في التجربة السورية تتألف المنظومة الرئيسة التي تدعم هذه المشروعات بشكل مباشر من عدة مؤسسات في إطار الإشراف الحكومي وهي هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتتناول القطاع بشكل كامل من النواحي التنظيمية والإدارية والإشرافية والتأهيل والتدريب والتمويل والتسويق وتبسيط الإجراءات، إضافة إلى مؤسسة أخرى تتدخل حالياً وهي مؤسسة ضمان مخاطر القروض التي تلعب دوراً أساسياً بتقديم الضمانات اللازمة للحصول على القروض، وكذلك مؤسسات التمويل الصغير، عدا عن جهات أخرى تقدم مساعدات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة ولكن بشكل أقل تنظيمياً، فبعض المشروعات تتلقى دعماً من منظمات دولية وأخرى من وزارتي الزراعة والصناعة وأخرى تتلقى الدعم من وحدات الإدارة المحلية.
وعلى هذه الأرضية تأتي أهمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة من كونه يشكل نسبة هامة من قطاع الأعمال خاصةً في ظل الأزمة الحالية، حيث ترتفع هذه النسبة لتتجاوز 95% من منشآت القطاع الخاص، وللتأثير الهام لهذا القطاع على متغيرات الاقتصاد الكلي كالاستهلاك والاستثمار والتشغيل والنمو الاقتصادي، لذلك يجمع المنظرون على أن العمل على تنمية هذا القطاع وتطويره يشكل المطرح الأساسي للسياسات الاقتصادية التنموية التي لطالما روجت وزارة الاقتصاد لها، بما يرمي إلى تمكين الاقتصاد والمجتمع من التكيف مع الأزمة وآثارها وإعادة الترميم، بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكلية لمنظومة الدعم، مما يساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وضمان استدامته وتحقيق النمو.
من هنا، احتل مشروع دعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة أساسية في تطوير السياسات الاقتصادية المقترحة، حيث تحاول الحكومة التركيز على تقديم الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والحرفي في المراحل الأولى من عملية التعافي المبكر، وفي إطار قيام وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بدورها الإشرافي والتنسيقي على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قامت بتقييم الاحتياجات المؤسساتية لتنمية هذا القطاع، بهدف تحديد متطلبات النهوض بواقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوسيعها أفقياً (زيادة وحدات الإنتاج وانتشارها جغرافياً) وعمودياً (تعزيز الترابطات الأمامية والخلفية للمشروعات) وزيادة تنافسيتها ورفع مساهمتها في النمو الاقتصادي والتصدير والتشغيل.
وترى الوزارة أن دورها الجديد كجهة مشرفة على تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنسقة لكافة الجهود المبذولة من قبل جميع الجهات ذات الصلة، يتطلب تمكينها وفق الإطار المؤسساتي والتشريعي والقانوني مع الموارد البشرية بوجود الرقم الإحصائي.
مفاعيل القانون /8/
من المعروف أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشغل نحو 57 بالمئة من القوى العاملة وتسهم بـ 41 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ما يجعلها ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقدم مؤسسات التمويل الصغير قروضاً، بينما مؤسسة ضمان مخاطر القروض تقدم ضمانات للقروض وهيئة تنمية المشروعات توفر التأهيل والتدريب وتطوير الملفات المالية والتسويق وتبسيط إجراءات وفي بعض الحالات تقدم عمالة وتشبيكاً لمشروعات مع بعضها أو ترابطات أمامية وخلفية للمشروعات إضافة إلى المتابعة.
واليوم يأتي التعويل على مفاعيل القانون رقم 8 الخاص بتأسيس مصارف التمويل الأصغر بأن يسهم بشكل أفضل بزيادة عدد مؤسسات التمويل الصغير التي تقدم التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لأن عددها المتاح هو 3 فقط، وحسب تقارير الهيئة غير قادرة على ردم الفجوة التمويلية، حيث أن هناك نحو 80 ألف مستفيد من هذه المؤسسات، بينما لو استطعنا تقديم الفائدة لكل المحتاجين إلى قروض ممكن أن يصل هذا الرقم لـ 4 ملايين مستفيد.
التعداد الأول من نوعه
ولا يمكن غض النظر عن المشروع الأهم الذي تشتغل عليه الهيئة منذ العام الماضي والمتمثل بالتعداد العام للمنشآت (المشروعات) وهو الأول من نوعه في تاريخ سورية والمتخصص بالمنشآت بشكل عام والتي تشمل الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية بغض النظر عن أحجامها وعما إذا كانت قطاع منظم أو غير منظم، حيث يؤكد اسمندر أنه تم تحديد أهداف التعداد التي تتمثل في توفير إطار محدث ومتكامل عن المنشآت وحصر القطاع غير المنظم وتمكين إجراء مقارنات مع السلاسل الاقتصادية لقياس المؤشرات الاقتصادية المختلفة والمرتبطة بالقطاع وتوفير البيانات المطلوبة لحساب مؤشرات التنمية المستدامة وتوفير بيانات قابلة للتطوير عن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بشكل مستمر وتطبيق الأدلة والتصنيفات الدولية للأنشطة الاقتصادية الموصى بها من المنظمات الدولية، وتم هذا الأمر وفق الإصدار الرابع “للآيسك فور” الصادر عن الأمم المتحدة، مع إيجاد قاعدة بيانات في المحافظات التي شملها التعداد حسب التقسيمات الإدارية فيها، مما يساعد على رسم برامج التنمية المكانية والمستدامة والمتوازنة في المحافظات والمدن والبلدات والقرى.
وحسب تقارير رسمية يظهر التعداد الكثير من البيانات عن الواقع السوري، حيث بلغت المشروعات المختلفة 780 ألف منشأة يعمل منها حوالي 60 بالمئة بشكل دائم وهناك توقف 40 % من المنشآت، الأمر الذي انعكس سلباً بسبب الظروف التي مر بها البلد، وهناك حوالي 27 % من المنشآت كانت صناعية و25 % منها زراعية 25 % تجارية والباقي خدمي، كما أظهر التعداد الذي تم بين الهيئة والمكتب المركزي للإحصاء أننا بحاجة لاستعادة المنشآت المتوقفة للعمل، بوجود برامج تتعلق بتبسيط وتسهيل الإجراءات لنقل المشروعات من الاقتصاد غير المنظم إلى المنظم، مع الحاجة لإقرار برامج دعم لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتعمل وفق الكفاءة المطلوبة ،لأن معظم المشروعات وحتى العاملة منها تعاني من انخفاض الإنتاجية.
الاستثمار في البشر
ترى الهيئة بموجب صلاحياتها ومسؤولياتها أنها من أهم المؤسسات التأهيلية والتدريبية في سورية وتستهدف جميع الراغبين بالحصول على عمل وتأهيل جيل الشباب بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، حيث تؤكد التقارير تنفيذ الكثير من الدورات التدريبية ضمن البرامج المختلفة، واستفاد من برنامج طالبي العمل حوالي 6 آلاف مستفيد وهو برنامج يهتم بتدريب الراغبين بإقامة مشروعات خاصة بهم عدا بعض المهن المناسبة لإمكانياتهم الفكرية والفيزيائية وهناك برنامج خاص بتدريب رواد الأعمال واستفاد منه 3 آلاف مستفيد، وهذا يركز على بعض البرامج النوعية لشباب راغبين باقتحام مجالات المشروعات الواعدة بطريقة الحداثة والمخاطرة، كما أهلت الهيئة فريق من المدربين لديها يمكنهم تحليل أثر المشروع والجدوى الاقتصادية والعمل بالعديد من المهارات المتنوعة المتعلقة بالاقتصاد القياسي وبعض الأساليب الحاسوبية المتعلقة بذلك، وهناك حوالي 59 شخص من العاملين في الهيئة والمدربين على هذه البرامج، كما استفاد من الهيئة حوالي 1300 امرأة ضمن برنامج تعزيز قدرات المرأة الذي يركز بشكل أساسي على تأهل النساء المعيلات لأسرهن وتدريبهن على مجالات مناسبة لعمل المرأة وتفتح الآفاق المطلوبة، وتم تدريب 300 شخص للعمل لدى الغير ضمن برنامج التدريب من أجل التشغيل المضمون وضمن مهارات محددة ومناسبة للشركة بشكل مباشر.
احتياجات مؤسساتية
وتفيد المقترحات التي حصلت عليها “البعث الأسبوعية” بالحاجة الملحّة لإحداث بنية مؤسساتية جديدة تتولى وضع تعريف وطني للمشروع الصغير والمتوسط بالتعاون مع الجهات المعنية على أن يكون هذا التعريف قطاعي بحيث يراعي الفروقات بين القطاعات المختلفة، وبالتالي اعتماد المؤشرات المناسبة لوضع التعريف للمشروع من أجل كل قطاع، ويمكن استخدام مؤشر العمالة والمستوى التكنولوجي لوضع تعريف المشروع في أحد القطاعات الصناعية، بينما قد يكون من المناسب استخدام مؤشر رأس المال أو المبيعات في مشروع تجاري أو خدمي.
وكذلك وضع الضوابط اللازمة بالتنسيق الفعال مع الجهات ذات الصلة لتنظيم وتوجيه سوق التمويل والدعم قطاعياً وجغرافياً، بما يلبي احتياجات تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع تنسيق وتشبيك العلاقة بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة المستهدفة ببرامج الدعم مع المؤسسات المالية العاملة في مجال التمويل ومؤسسة ضمان مخاطر القروض وهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات والمؤسسات العاملة في مجال التدريب وتنمية القدرات وأي من البنى المؤسساتية المعنية بأي من المجالات التي تهم قطاع المشروعات، مما سيساهم في دمج المشروعات في القطاع المنظم ويؤدي إلى المساهمة الجدية في النهوض بواقع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدرته التنافسية وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني