سوق المهن اليدوية في طرطوس.. كلف عالية وترويج معدوم واتحاد الحرفيين يتأمل!
إحداث سوق المهن اليدوية في محافظة طرطوس خطوة جيدة في تجميع الأعمال الحرفية في منطقة واحدة للحفاظ عليها من الاندثار وتشجيعها، لكن للأسف لم تكتمل هذه الخطوة بالشكل الأمثل، فموقع السوق بعيد نسبياً عن مركز المدينة وقلائل هم من يعرفونه أو يرتادونه أمام قلّة الترويج السياحي لمنتجاته الجيدة، عدا عن معاناة الحرفيين من سوء البنية التحتية للسوق، فهم يتخوفون من تجمّع مياه الأمطار داخله كونه يقع في عبارة على الكورنيش البحري، يضاف إلى ذلك أن السوق صغير لا يستوعب كافة الحرف الموجودة في المحافظة!.
تكلفة عالية ومعاناة
الحرفية أحلام بدران التي تعمل في مجال الحياكة وأعمال الكروشيه الصوفية اشتكت من غلاء المواد الأولية التي باتت مكلفة حالياً، مشيرة إلى أن إقبال الناس بات قليلاً نظراً للوضع الاقتصادي الصعب، وضرورة الاهتمام بهذه الحرفة اليدوية ودعم العاملين بها، كونها مصدر دخل للعديد من النسوة غير الموظفات.
أيضاً اشتكت الحرفية سهام قاسم في مجال صناعة الحلي والإكسسوارات والتزيين وتُسمّي منتجاتها باسم “منتوجات ماما سهام” من المعاناة نفسها (عدم الإقبال وارتفاع أسعار المواد الأولية) وتخشى كغيرها من توقف العمل، واعتبرت أن سوق المهن يحتاج كثيراً من الدعم والعناية إضافة إلى الدعاية والإعلان كونه يقع على الكورنيش البحري في منطقة بعيدة نسبياً عن مركز المدينة.
وطالب الفنان النحات محمد البونياحي الذي يتعامل مع الحجر والخشب والصلصال بالاهتمام أكثر بالسوق، واشتكى هو الآخر من قلة الطلب على أعمال النحت نظراً لانشغال الناس بلقمة عيشها ولا قدرة لها على اقتناء المنحوتات، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة كانت سابقاً تقتني بعض المنحوتات كنوع من الدعم للفنانين، أما اليوم فلا يوجد من يموّل أعمالهم ذات القيمة الفنية العالية التي تحاكي التراث السوري العريق والحضارة السورية، ولفت إلى أن الحسنة الوحيدة للسوق أنه جمع الفنانين ضمن منطقة واحدة ولكن عيبه أنه بعيد جداً عن مركز المدينة وغير مجهز بكامل البنية التحتية اللازمة للعمل.
لم تكن معبدة بالتسهيلات..
منذر رمضان عضو المكتب التنفيذي في فرع اتحاد الحرفيين بطرطوس والمشرف على الحرف التراثية والمهن اليدوية أشار إلى عدة خطوات عملية تمّت للحفاظ على المهن والحرف اليدوية، من خلال متابعات جادة من أهمها إحداث أول سوق للمهن اليدوية بالمحافظة الكائن في العبارة الواقعة غرب حديقة الطلائع على الكورنيش البحري كونه المكان الوحيد المتاح بالوقت الحالي. واعترف رمضان أن تلك الخطوة لم تكن طريقها معبدة بالتسهيلات في بادئ الأمر إلا أنها تمّت في النهاية وتحقّقت، لكن الموقع بوضعه الحالي يحتاج إلى إمكانات مالية كبيرة لتحويله إلى سوق تراثي حقيقي، لافتاً إلى وجود رؤية طموحة لتحقيق هذا الأمر عند توفر الدعم اللازم من الجهات المهتمة والمعنية بالموروث التقليدي، لعله يساهم في ترويج المنتجات ويخفّف من الركود ويشجّع الحرفيين على العمل، ويساهم في استقطاب أعداد أخرى من الراغبين في إتقان هذه الحرف التي تساهم في الدعم المادي نسبياً للأسر كونها من الحرف المتناهية الصغر وبالإمكان العمل بها ضمن منازلهم.
ودعا عضو المكتب التنفيذي إلى أخذ خطوات عملية وفق الأوضاع الحالية لدعم السوق من خلال وضع شاخصات دلالة تشير لمكان وجوده، إضافة إلى دعمه من الجهات العامة والفعاليات التجارية والسياحية بما يلبي طموحات الحرفيين ويساهم في تحسين معيشتهم وضمان استمراريتهم بالعطاء من جيل إلى آخر. وقال: نحن كجهة مشرفة ومتابعة وضعنا أسساً ثابتة لإنجاح هذه التجربة من خلال تشكيل لجنة لإدارة السوق، أعضاؤها من الحرفيين وتحت إشراف الجمعية الحرفية للمهن اليدوية، ومتابعة تذليل الصعوبات من خلال المنظمة وبدعم من الجهات المعنية صاحبة القرار وفق الإمكانات المتاحة في ظل هذه الظروف، موضحاً أن السوق بوضعه الحالي لن يلبي الطموح كون أعداد الحرفيين الذين ينتظرون فرصة لبيع منتجاتهم أكثر بكثير من المساحة التي تمّ تخصيصها، لذلك يبقى السوق بوضعه الحالي نواة للانطلاق نحو مشروع إحداث أسواق في كافة المحافظات والمدن، لافتاً إلى السعي الجاد لجهة نقل هذا السوق من العبارة إلى بناء مطلّ على الكورنيش البحري، آملاً أن يلقى ذلك دعماً من كافة الجهات لتنفيذه في الموقع المقترح، وهو ساحة كبيرة ذات موقع استراتيجي يطلّ على البحر الذي منه انطلقت السفينة الأولى للعالم، وصُنعت بيد أجدادنا الفينيقيين، وبذلك سيصبح المكان الجديد للسوق معلماً استراتيجياً ومعرضاً دائماً ومتحفاً للحرف اليدوية والتراث وحاضنة حقيقية تليق بحضارتنا وتاريخنا العريق.
حاضنة للموروث التراثي
وحول تنظيم فعاليات ضمن السوق واستقدام “كروبات” سياحية، بيّن رمضان أنه لا توجد سياحة خارجية في الأوضاع الحالية، ولكن هذا لم يمنع من إيجاد بدائل -حسب قوله- حيث تمّ إحداث حاضنة للحرف اليدوية والتراثية في منطقة دمر بدمشق وتحت رعاية منظمة الحرفيين، وداخل هذه الحاضنة تمّ إحداث جناح خاص لمنتجات محافظة طرطوس، معرباً عن أمله بأن يكون هناك اهتمام حقيقي وجاد ليصبح للساحل وموروثه العظيم الحاضنة التي تشكّل متحفاً حياً لتراث أجدادنا بيد الأحفاد المحافظين على الإرث والهوية محافظين على إرث الأجداد ويساهمون في تطوير المجتمع عبر مواكبة النهضة العالمية وبناء مصانع منتجة لبدائل المستوردات، مؤمنين بالمبدعين السوريين وبفكرهم العلمي المتطور. وأضاف: إن الحفاظ على الحرفة والتراث لا يعني بأننا ما زلنا نعيش في تلك العصور بل هي إشارة إلى أننا أول من خطّ الحرف وأبدع بفن الحرف والصناعة، لذلك يستحق الحرفيون الاهتمام والدعم اللازم لاستمرار صناعاتهم اليدوية وحرفهم التقليدية التي ذاع صيتها في العالم.
طرطوس- رشا سليمان