دراساتصحيفة البعث

البراغماتي أولاف شولتز يتجه شرقاً

ترجمة: عائدة أسعد 

على مدى الأعوام الماضية، طوّرت الصين وألمانيا علاقة ثنائية قوية في التجارة والاستثمار، حتى باتت الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا منذ عام 2015 وأصبحت ألمانيا خامس أكبر دولة شريكة تجارية للصين العام الماضي. كما أصبحت الشركات الألمانية مثل “فولكس فاكن- أودي- بي إم دبليو- دايملر- سيمنز- بوش- أديداس” أسماء مألوفة في الصين. وهذه الشراكة لم تنحصر بين الصين وألمانيا فقط، بل طالت العالم أيضاً وذلك من خلال المساعدة في خلق فرص العمل، وإنعاش الاقتصاد العالمي بالنظر إلى سلاسل التوريد العالمية المتكاملة للغاية.

ووفقاً للمسؤولين وقادة الأعمال، تعتبر دويسبورغ -مدينة في غرب ألمانيا- واجهة عرض مناسبة لمثل هذا التعاون، فقد أصبحت أكبر ميناء جاف داخلي في العالم وأهم مركز لقطارات الشحن الصينية الأوروبية التي تربط بين المدن الصينية والأوروبية، وهي مجرد بداية للإمكانيات الهائلة التي يمكن استغلالها.

يعتبر شولتز زعيماً براغماتياً، وهو يتفهم جيداً فوائد التعاون الصيني الألماني، ويتوق للتصديق المبكر على الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي التي استغرق التفاوض بشأنها سبع سنوات وانتهت في كانون الأول العام الماضي بعد أن علق البرلمان الأوروبي تصديقه بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الصين في آذار الماضي.

ومع ذلك، لم يكن شولتز الزعيم الوحيد الذي يريد التصديق على اتفاقية الاستثمار، فقد دافع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل عن الاتفاقية قائلاً: “إنها خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح”. كما وصفت سابين وياند، المديرة العامة للتجارة في الاتحاد الأوروبي، الاتفاقية بأنها اتفاقية جيدة ستفيد شركات الاتحاد الأوروبي، وأعربت عن أملها في إحياء عملية التصديق قريباً، كما تحدثت بإيجابية عن الصين كعضو في منظمة التجارة العالمية لمدة 20 عاماً، لكن بعض أعضاء البرلمان الأوروبي قاموا بتسييس واختطاف اتفاقية الاستثمار على حساب شركات الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك التي تضرّرت بشدة من جائحة كوفيد 19.

في الواقع لا تتفق الصين والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء في بعض القضايا نظراً لاختلاف ثقافاتهم وتاريخهم وأنظمتهم السياسية ومراحلهم التنموية، لكن معظم قادة الاتحاد الأوروبي والصين يعتقدون أن الحوار المفتوح والمشاركة على أساس الاحترام المتبادل هي طريقة أفضل لمعالجة القضايا الخلافية بدلاً من فك الارتباط وفرض عقوبات على بعضهم البعض وإطلاق حملات تشويه.

وعلى الرغم من أن العديد من السياسيين في واشنطن قد تبنّوا النهج الأخير الذي يأتي بنتائج عكسية للتعامل مع الصين، وأدى بالمصادفة إلى تكثيف التنافس الجيوسياسي الصفري لواشنطن مع بكين وألمانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا المسار المدمر للطرفين سيؤدي إلى حرب باردة جديدة. وتعكس تصريحات هربرت ديس، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاكن، البراغماتية التي أظهرها العديد من السياسيين وقادة الأعمال الألمان فقد قال: “نحتاج إلى مزيد من التعاون والوجود في الصين وليس أقل، وسيكون ضاراً للغاية إذا أرادت ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي الانفصال عن الصين”.

كما أن حقيقة أن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل كانت أكثر زعيمة العالم احتراماً لسنوات، هي دليل على سياستها الاقتصادية والدبلوماسية الناجحة، وفي هذا الصدد يعدّ تعهد شولتز بمواصلة السياسة الخارجية الراسخة لألمانيا بشرى سارة للعلاقات الصينية الألمانية والعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي وكذلك العلاقات الدولية.

يتضح من المحادثة الهاتفية الأخيرة بين الزعيمين أن إمكانات التعاون بين الصين وألمانيا هائلة، وتمتد الإمكانات من الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا الرقمية إلى عدم الانتشار النووي ومكافحة تغيّر المناخ واحتواء الوباء ودعم التعدّدية، وهناك الكثير من المجالات التي يمكن للصين وألمانيا التعاون فيها والتعلم من بعضهما البعض.