التشكيلي مروان جوبان.. اللوحة روح المكان
ضمن فعاليات الأيام التشكيلية السورية، افتُتحت عدة معارض تشكيلية في العاصمة، أحد هذه المعارض المهمة هو معرض الفنان مروان جوبان المقام حالياً في صالة 13 في المزة، هذه الصالة الحديثة العهد، والتي سبق أن افتتحت بمعرضين أحدهما جماعي والآخر للفنان حكمت نعيم من السويداء، وتنهي هذا العام بمعرض الفنان جوبان الذي يعدّ من الفنانين المقلين في حصيلة المعارض الفردية، ولأن تجربة هذا الفنان لها من الخصوصية ما يجعلنا نسأل عن أسباب غيابه المقصود، ربما حياته الجامعية كمدرّس في بعض الجامعات تجعل من نشاطه في العرض محدوداً، أو أن اهتماماته الغرافيكية ومشاغله في صناعة الأفلام والصور المتحركة تشغله أكثر عن اللوحة ومواضيع عرضها، وحسبي أن لهذا الفنان خصوصية تختلف عن معظم الفنانين المتوفرين في كل صالة وكل معرض من خلال لوحاتهم أو حضورهم الشخصي ومشاكساتهم، فهذا الفنان على درجة عالية من التهذيب والخجل الجميل وإن حضر فهو قليل الكلام.. محب ومحبوب، لذلك يقع عليه عتب كبير من أصدقائه لهذا الانقطاع، فحصيلة معرضين شخصيين في سجله لا تكفي لهذه التجربة الجميلة التي تتصف بالبحث على المستوى التقني وبالصفاء والنقاء على مستوى ضمير صاحبها الذي لا يخفي انفعالاته الجميلة من خلال ألوانه وحركة عناصر لوحته وبنائها الرهيف.
فهو يرسم الواقع بروحية خاصة تتألف من خلال توقعاته اللونية الأولى التي تأتي من عملية فرش عائلة من الألوان على سطح اللوحة، ومن ثم ينبش ما تركته خبرته التقنية التي مرّت عبر طبقات لونية وخطوط تهشيرية بغية الحصول على سطح محدّد بمكان وزمان، وكأن هذه السطح هو جوهر ولادة الفكرة أو المشهد. هنا مكمن ولادة اللوحة عند مروان جوبان المستغرق في توقعاته اللونية وملمس السطح الذي ينتهي بإضافة ألوان مكملة ومحدّدة للشكل الذي يتطلبه الموقف، فقد يكون شجرة أو مجموعة من الأشخاص خفيفي الوزن وكأنهم في حالة من الصعود إلى السماء بجو لا يخلو من العرفانية والطهارة، يقترب من التصوير بلغة غير آثمة، فلا يعير الواقع أي قيمة بقدر ما تعنيه روحية المكان، حقاً اللوحة هي روح المكان إن لم تكن الحلم ذاته، حيث يبيّن الشخوص شبه التجريدية المرتبطة بالأرض تارة والمتحررة من الثقل الأرضي تارة أخرى، حالة تعبيرية تنشد السمو والراحة، وبين الطبيعة ببعدها التجريدي أو الرمزي هناك بحث عن طبيعة خاصة ربما لا تتوفر إلا في السماء أو في تلك الأرض العالية البعيدة عن البشر.
في مجموعة اللوحات المعروضة بمختلف قياساتها لا تخرج عن ثيمة التأملات والبحث في قيم اللون والسطح، وقد يقع بعضها في استعراضية المهارة والتقنية لكن هناك ما يغفر له، إنه الاستغراق في التلوين الذي أوصل اللوحة إلى غياب عنصرها الأهم وهو الخط المحدّد للشكل، حيث نلحظه خفياً أو ناتجاً عن فارق بين درجتين لونيتين ليس إلا.
معرض مروان جوبان بقيمته البصرية العالية يضع الفنان أمام مسؤولية كبيرة، وهي الاستمرار في العطاء وتقديم اللوحة التي لا تعرب الثبات في تطورها، لأن مثل هكذا فن يستحق أن يعيش ويبقى.
أكسم طلاع