رجال أعمال.. وطوفان المصائب
حسن النابلسي
إذا ما هضمنا على مضض الموضة الجديدة لما يصنفون أنفسهم ضمن خانة “رجال الأعمال” – وهذه الخانة بالطبع منهم براء – والمتمثلة بمسارعتهم لنشر رؤاهم الاقتصادية العرجاء المغرقة بعبارات الإنشاء الأجوف والهش، والاستعراض السطحي، فإنه وبكل تأكيد يصعب علينا هضم ما يجود علينا أحد هؤلاء بإطراء أكثر هشاشة لوزير ما، أصدر قراراً ما، قد يصب بشكل ما، في مصلحة صاحب الإطراء..!.
أريد لهذا الأمر أن يكون، بعد أضحت وسائل السوشال ميديا، منبراً بلا حُرمة، وبلا احترام لأدنى مقومات وأدبيات مخاطبة الرأي العام، يسخره القاصي والداني لما يخدم مصالحه، إما عبر الترويج والتسويق لما يجول في خاطره من أفكار بغض النظر عن قيمتها حيناً، أو يلوح بها كعصا بوجه خصومه حيناً آخر.. فما بالكم إذا بمن يمتلك المال، ولا ضير عنده من شراء أبواق تجتهد لرفعه من قاع الشبهات إلى مصاف التنظير، من خلال ما تجود به أقلام هذه الأبواق من مقالات تُنسب بغير وجه حق لشبه أُميّ لا يعرف أن الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب..!
للأسف، لم يقتصر الأمر على وسائل السوشال ميديا فحسب، بل إن العديد ممن يسمون – تجاوزاً – بـ “رجال الأعمال”، استطاعوا استمالة الإعلام بشقيه الخاص والرسمي إلى جانبهم، وتسويقهم وكأنهم “مخلصو الاقتصاد” مما ابتلي به من حصار وعقوبات وما إلى ذلك..!.
طبعاً لا يكتفي هذا الصنف من “الرجال” بالبربوغاندا فقط، بل يسعون – وقد نجحت مساعيهم للأسف – للتواطؤ بينهم وبين بعض المفاصل التنفيذية، وبذلك تكتمل حلقات اللعبة المشبوهة لضمان الوصول إلى الغاية والهدف، من تمرير صفقات غير مستوفية للشروط القانونية هنا، وإصدار قرارات لا تراعي إلا مصالح من تدخل بها – بشكل مباشر أو غير مباشر – هناك، وهذا بالطبع يستدعي تعيين بعض المفاصل الإدارية والفنية “تحفظ درسها” لضبط وضمان تحقيق هذه المعادلة..!
سبق لنا، وبأكثر من مناسبة، الحديث عن الدور الهام لقطاع الأعمال، والذي من المفترض أن يصل إلى حد التماهي مع الحكومة لجهة تعزيز ركائز الاقتصاد الوطني في كثير من الجوانب، وخاصة في هذه الفترة الحرجة وما يكتنفها من تحديات مردّ بعضها خارجي له علاقة بالحصار والعقوبات، والبعض الآخر داخلي سببه شبه انعدام التعاطي الجدي الحكومي مع الملفات المعيشية اليومية، يضاف إليه عدم اضطلاع قطاع الأعمال بواجباته كشريك اتخذته الحكومة لها، لتأمين الاحتياجات الأساسية لبلد عانى على مدى عقد من الزمن ما عانى أولاً، والاشتغال على تعزيز البنية الإنتاجية كمنهج يعزز الاعتماد على الذات ثانياً.. إلا أن التعويل على هذا الأمر لم يؤت ثماره، نظراً لإصرار قطاع الأعمال على العمل وفق مبدأ “أنا وطوفان المصائب من بعدي”..!.
hasanla@yahoo.com