الهستيريا حول أوكرانيا.. أصحاب الدار بدؤوا يدركون خطورة ما يحاك
تقرير إخباري
في الوقت الذي تصرّ فيه دول رئيسة في حلف شمال الأطلسي “ناتو” على تضخيم فكرة “غزو روسي وشيك” لأوكرانيا، بدأت تتصاعد في العاصمة كييف الأصوات للتخفيف من الضجة الإعلامية المثارة حول الموضوع، وخاصة بعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير أوكرانيا بل تستغلها بغية “إغلاق ملف روسيا” والتركيز على مواجهة الصين، وهو التصريح الذي دفع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي إلى حثّ زملائه الغربيين ووسائل الإعلام على الكف عن افتعال التوترات حول مزاعم خطر “الغزو الروسي” لبلاده، لافتا إلى أن التقارير الإعلامية وتصريحات المسؤولين الأجانب عن مستجدات الوضع حول أوكرانيا تخلّف انطباعاً كأن هناك “حرباً وتحرّكات قوات في الطرق وتعبئة عامة وتنقلات للناس”، مشدّداً على أن الأمر ليس كذلك.
ووفقاً لما نقلت عنه “بي بي سي”، قال زيلنسكي: “لا نحتاج إلى هذا الذعر، بل نحتاج إلى استقرار اقتصاد دولتنا، لأن كل هذه الإشارات إلى أن (الحرب قادمة غداً) التي تصدر الآن حتى عن زعماء محترمين يقولون بشكل مباشر بعيداً عن اللغة الدبلوماسية إن الحرب قادمة غداً، تعني الذعر، وخصوصاً في الأسواق والقطاع المالي”.
وصرّح زيلينسكي بأن هذا الذعر كلّف أوكرانيا حتى الآن استثمارات أجنبية بقيمة 440 مليون دولار، لافتاً إلى أن كييف تضطر اليوم إلى استقرار سعر عملتها الوطنية على حساب احتياطيات الدولة.
وتابع: “أنا رئيس أوكرانيا، وأتواجد هنا، وأعلم تفاصيل ما يجري أفضل من أي رئيس آخر”. منتقدا قرار الولايات المتحدة وبريطانيا إجلاء طاقمهما الدبلوماسي غير الأساسي من أوكرانيا، معتبراً إياه خاطئاً، وأعرب عن قناعته بضرورة أن يبقى جميع الدبلوماسيين الأجانب داخل البلاد في الظروف الحالية.
وفي السياق، أعلن وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا أن الشعور بالهلع والذعر المرتبط بتصاعد التوتر على حدود البلاد مع روسيا قد أثر سلباً في حالة الاقتصاد الوطني.
وقال كوليبا لصحيفة Vice الأمريكية الإلكترونية: “لقد بدأنا نعاني اقتصادياً ونفقد قوانا بسبب الذعر الذي يعيشه مجتمعنا”.
إلى ذلك، أكدت وسائل إعلام أمريكية أن الخلافات تتزايد بين واشنطن وكييف بشأن خطر تعرّض أوكرانيا لـ”الغزو من روسيا”.
وأشار موقع “بوليتيكو” إلى أن الرئيس الأوكراني الذي دقّ ناقوس الخطر بشأن “حرب محتملة مع روسيا” في تشرين الثاني الماضي، غيّر الآن موقفه ويقلل من خطورة الوضع.
ونقل الموقع عن أشخاص مقربين من زيلينسكي وأفراد في فريقه تأكيدهم أن الرئيس الأوكراني غيّر نبرته خصوصاً بسبب عدم رضا كييف المتزايد إزاء نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال مسؤولون في أوكرانيا وفي أوروبا للموقع: إن شروع الولايات المتحدة في إجلاء جزء من طاقمها الدبلوماسي من أوكرانيا كان قراراً سابقاً لأوانه وتسبّب في زرع الخوف بين سكان البلاد واضطرابات في الأسواق المالية، ما زاد من تكاليف الاقتراض بالنسبة لكييف.
في الوقت نفسه، أكدت تقارير إعلامية أمريكية أن صبر واشنطن إزاء زيلينسكي بدأ بالنفاد.
ونقل موقع Puck في وقت سابق من الأسبوع الجاري عن ثلاثة مصادر في إدارة بايدن والكابيتول وصفها، الرئيس الأوكراني بأنه “يصبح مزعجاً ومثيراً للغضب وغير بنّاء على الإطلاق”.
وأكدت شبكة CNN أن هناك “علامات انقسام” بين إدارتي بايدن وزيلينسكي في الآونة الأخيرة، مقرّة بأن واشنطن ليست راضية عن “تقليل القيادة الأوكرانية من خطورة الوضع”.
هذه الهستيريا انتقلت إلى مجلس الأمن الدولي بعد أن طلبت واشنطن عقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع في أوكرانيا، حيث اعتبر مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، أن المجلس في وضع صعب على خلفية هستيريا الغرب تجاه أوكرانيا، داعياً الجميع إلى “التحلي بالمبدئية وعدم استخدام منصة مجلس الأمن لبث الادعاءات”.
وأضاف: “تأجيج الهستيريا يضرّ بأوكرانيا نفسها، التي طالب رئيسها فلاديمير زيلينسكي بالكف عن ذلك”.
من جهتها أكدت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أن بلادها “رصدت تحرّكات روسية على الحدود مع أوكرانيا”، مشيرة إلى أن بلادها قدمت مساعدات عسكرية بقيمة 200 مليون دولار إلى أوكرانيا.
وشدّدت على أن “الولايات المتحدة لا تريد مواجهة عسكرية بسبب أوكرانيا”.
ووصف النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي الاجتماع بأنه “حيلة علاقات عامة، ومخزٍ لسمعة مجلس الأمن”.
وفي المحصلة، هناك عمل غربي دؤوب لإجبار أوكرانيا على طلب التدخل الغربي بذريعة “غزو روسي محتمل”، يستغله الغرب في استقدام مرتزقة إلى الجبهات في أوكرانيا تحت عنوان خبراء ومدربين، وهذا الأمر يمكن أن يكون مقدّمة لتحويل أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوروبا، فهل يستيقظ الزعماء الأوروبيون من غفوتهم ويدركون نوع الخطر المحدق بهم من وراء انسياقهم وراء سياسات حليفهم الأطلسي.