بعد انتظار 25 عاماً.. أكرم صالح الحسين يوقع “ظلال متعبة”!!
لم يخفِ الشاعر أكرم صالح الحسين في تصريح لـ “البعث” سعادته الكبيرة بعد أن أبصر ديوانه الأول “ظلال متعبة” النور بعد 25 عاماً من كتابته للشعر ومشاركاته في المهرجانات الشعرية التي تقام في دمشق والمحافظات. وبيّن على هامش توقيعه للديوان ضمن ندوة احتفالية أقامها المركز الثقافي في أبو رمانة بمناسبة صدوره أن ظروفاً عديدة حالت دون طباعته للشعر الذي يكتبه، وهو الذي في جعبته العديد من المخطوطات الجاهزة للطباعة، مشيراً في تصريحه إلى أن “ظلال متعبة” يضمّ 28 قصيدة كُتبت في فترات متعدّدة، وهي قصائد وجدانية تحاكي الهمّ العام، عدا قصيدة واحدة كتبها لأخيه الشاعر رياض صالح الحسين بمناسبة الذكرى 38 لرحيله، موضحاً أنه لا يكتب عن مواضيع معينة بل اعتاد أن يكتب عن الحالات الإنسانية وهي التي أرخت بظلالها المتعبة على ديوانه الذي لخّص فيه جزءاً من مشاهد يومية لسنوات عشر من الحرب على سورية، وأن في جعبته الكثير من القصائد التي قد يضمّها ديوان آخر، مشيراً -وهو المؤمن أن الشاعر إن لم يكن عاشقاً لن يكتب الشعر- إلى أن عواطف ومشاعر وأحاسيس أخرى تنمو في الحرب وتصبح أقوى منه.
وعن ظلال تجربة أخيه رياض صالح الحسين في الديوان، رأى أكرم أنه ليس من المستغرب أن يكون استمراراً لأخيه وقد ولِدا من رحم واحد وعاشا معاً، مؤكداً في الوقت ذاته أنه وإن كان يجنح أحياناً في بعض التفاصيل الصغيرة نحو قصيدة رياض، إلا أن له صوراً مختلفة تعبّر عن وجهة نظره كشاعر له أسلوبه الخاص.
شاعر جديد
وبيّن د. بكور العاروب في مشاركته بالندوة التي أقيمت قبيل توقيع الديوان أن هذه الندوة احتفالية وليست نقدية، موضحاً أن الحسين يكتب العمود والتفعيلة والنثر، وهو شاعر ذو حواس متقدة قبل أن يكون ذا ذهن متقد، لا يبحث عن ريادة، ولا ينتج وفق منظومة العرض والطلب ولا يعد بشيء أكثر من نصه، ولا يبحث عن جماهير تصفق له، بل عن لقاء مودة على مائدة الشعر، وهو لا يهتمّ أن يكون حديثاً أو قديماً لأنه استقال من هذه المقولات باحثاً عن مقولات مستقيلة من طرح المدارس وحروب النمطيين، كما لا يهمّه أن يكون واضحاً أو غامضاً لأن الوضوح والغموض تابعان لمفهوم الدلالة، وكل دلالة نابعة عن رؤية أيديولوجية عقائدية، فالحسين برأي العاروب ابن الشعب، يكتبُ للفقراء ويغني لهم من داخل المعمعة، ولا يؤمن بوظيفة تلتصق بالشاعر، فكل نصّ له وظيفته، فخياله على قدر حواسه وحبه بلا كذب لأن الفقراء لا يكذبون، مبيناً أن الحسين يكتب بأقلّ ما يمكن من كلام حتى لا تصبح الألفاظ المتراكمة سداً بينه وبين القارئ.
شاعر صادق
وكمتذوق للشعر وليس كناقد، كما أحبّ أن يصف شهادته، أكد الروائي سهيل الذيب أن أكرم شاعر جميل وله لغته الخاصة، وهو شاعر واقعي وصادق جداً في مشاعره وفي حبكته الشعرية، مشيراً إلى أن أجمل ما يتميّز به جرأته الكبيرة وهي حق طبيعي لكل شخص ولكن قلائل من يمارسونه.
المقاربة مع رياض
وعطفاً على وجهة النظر التي قالت إن أكرم تجاوز أخاه رياض كشاعر، أوضح د. نزار بني المرجة أنه من الظلم أن يحاول أحد المقارنة أو المقاربة بين أكرم والراحل رياض، فرغم أنهما شقيقان ومن بيت شعري واحد إلا أنه كان كلّ منهما جديراً بالتعبير وفق رؤيته ومن زاويته، وخاصة بوجود فارق زمني بين الشاعرين، لهذا رأى بني المرجة أن هناك صعوبة في إجراء مقاربة بين التجربتين لشقيقين عاشا في مرحلتين متصلتين ولكن طويلتين، فكان لكلّ منهما خصوصيته، مؤكداً أن ما يشدّه في قصائد أكرم تلك المصداقية العالية، فهو يكتب بروحه الشفافة وإحساسه المرهف وبكثير من الدهشة، ويميل كشخص إلى التواضع، وقد انعكس ذلك كله على تجربته الحياتية والشعرية، مثنياً على شجاعة الحسين في إصدار هذا الديوان بهذه الظروف الصعبة، في حين جزم الكاتب والإعلامي عماد نداف أن الراحل رياض صاحب رؤية ثاقبة وبعيدة المدى، وأسف لأنه كان واحداً من الشتول التي ذبلت في تربتها قبل أن تُسقى، أما أكرم فقد عبّر نداف عن حبه له لسببين، الأول: تمتعه بالدفء والطيبة والشجاعة، وأنه مصرّ في هذا الزمن أن يكون شاعراً، ومن يفعل ذلك برأيه يستحق أن نقرأ له، كما أكد الناقد عمر جمعة أن الحكم النقدي بالمقاربة بين أكرم ورياض هو ما سيتمّ الاختلاف عليه، حيث يجب الفصل بالمقاربة بين أكرم وتجربة رياض لشرطها التاريخي ولأنه من الخطأ أن يقع النقاد في مطب أن يقيسوا بالمسطرة النقدية ذاتها بين تجربة أكرم وتجربة رياض الذي أسّس لقصيدة النثر وأعطاها الهوية السورية، بحيث لا يستطيع أي مؤرّخ للأدب اليوم أن يتحدث عن قصيدة النثر السورية ويتجاوز تجربة رياض.
الخروج من العباءة
وفي توضيحه لما قصده بيّن د. بكور العاروب أنه من الطبيعي عندما نكون في أسرة إبداعية أن نفرّق بين المبدع والآخر تبعاً لخصوصية كلّ واحد منهم، وأن أكرم تجاوز بمقاصد هو ما طرحه رياض، حيث لكل شروطه التاريخية والزمنية والمكانية ومعطياته والتراكم اللغوي، ولا يمكن برأيه لمن أتى بعد الأول إلا أن يكون مجدداً ومتقدماً حسب طبيعة الأشياء، وهو بهذا المعنى لم يقصد بكلامه تجاوز الشقيق بمعنى المقارنة، مؤكداً أن أكرم استطاع بإبداع وثقة أن يخرج من عباءة رياض وقد خطّ لنفسه طريقاً في المشهد الشعري.
يُذكر أن ديوان” ظلال متعبة” من منشورات دار بعل، يقع في 108 صفحات من القطع المتوسط، وقد ضمّ الغلاف لوحة للفنانة رباب أحمد مديرة المركز الثقافي–أبو رمانة.
أمينة عباس