روسيا اتخذت الخطوة.. الكرة في ملعب “الناتو”
ريا خوري
لن تتخلّى روسيا عن مطالبها التي تقدّمت بها إلى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحدّدت فيها مواقفها وشروطها، وأهمها عدم توسّع الحلف شرقاً، والتوقف بشكلٍ كامل عن تزويد دول أوروبا الشرقية بأسلحة متطورة فتاكة، أو نشر قوات أجنبية مهما كانت جهاتها وتمويلها على أراضيها في إطار الأمن المتبادل داخل أوروبا.
ولعلّ إقدام روسيا على سحب جزء من قواتها على الحدود الأوكرانية كان خطوة مهمة من جانب واحد لوقف التصعيد الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول أوروبا، ثم إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولف شولتز بأن روسيا لا تريد الحرب ولا ترغب بالقيام بها، وأن الحلّ السياسي لا يزال متاحاً لحلّ الأزمة.
هذه الخطوة من الضروري أن تلقى الإجابة من التحالف الغربي، وأن يتخذ من جانبه خطوة إيجابية شجاعة تقضي بالتوقف نهائياً عن عملية التضخيم والتهويل والبروباغندا بشأن أوكرانيا. كما أن حلف (الناتو) مطالب بخلق بيئة أوروبية تأخذ حسابات روسيا وقلقها بعين الاعتبار، إضافة إلى التوازنات العسكرية والسياسية والاقتصادية الاستراتيجية التي لم تعد تحتمل أن يكون هناك أمن قومي لطرف على حساب طرف آخر، وهذه المعادلة من أهم المعادلات حالياً.
القارئ الحصيف لما يجري على الساحة الدولية يدرك أن هناك إهداراً كبيراً لمبادئ التوازن الجيوسياسي في منطقة شرق أوروبا التي تعتبر من أخطر مناطق العالم لناحية النفوذ الجيوسياسي، الأمر الذي يوجب على الناتو والدول الغربية مراجعة سياساتهم بشكلٍ جيد، والقبول بالهواجس والمخاوف الروسية، إذا كانت هناك نوايا إيجابية للتوصل إلى حلول سياسية مقبولة ترضي الطرفين، خاصة وأن مطالب القيادة الروسية ليست مستحيلة أو صعبة، وهي ممكنة، وتخدم في نهاية المطاف أمن القارة الأوروبية ككل، وتوفر بيئة جيدة للتعاون تخدم كل الأطراف على حدّ سواء.
وقد يعتقد البعض أن الأزمة الحالية بين جمهورية روسيا الاتحادية ودول الناتو قد برزت فجأة، وأن مخاوف روسيا الأمنية مستجدة، وهذا غير صحيح، ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد حذّر في خطاب له أمام مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007 من استمرار تمدّد الحلف شرقاً، وحمّل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، مسؤولية محاولة فرض معايير جديدة خاصة بها على الدول الأخرى، مشدداً على ضرورة أن يكون ميثاق هيئة الأمم المتحدة هو الآلية الوحيدة لتبني قرارات يتمّ التصديق عليها دولياً بشأن استخدام القوة العسكرية، ثم كرّر ذلك في عام 2008 خلال عقد قمة الناتو في العاصمة الرومانية بوخارست وشارك فيها كضيف. وفي 18 تشرين الثاني الماضي أعلن الرئيس بوتين من مقر وزارة الخارجية ما بات يعرف بمبادرة “الضمانات الأمنية” التي تدعو إلى ضمانات أمنية طويلة الأمد في أوروبا.
من هنا يمكننا أن نؤكد أن هناك مبادرات سياسية ودبلوماسية على عدة مستويات، وكذلك يوجد وسائل للحلّ وهي متوفرة بشكل مناسب، والسؤال هل حلف شمال الأطلسي مستعد للحوار والتفاوض مع روسيا في خضم هذا النزاع؟.