لو استندت قرارات رفع الدعم إلى معطيات وبيانات رقمية ومخددة لما شهدنا ما شهدناه من تخبط
دمشق – لينا عدره
لا يختلف اثنان على ضرورة استناد أي قرار على معطيات وإحصائيات دقيقة لضمان تحقيق الغرض منه من جهة، وتفادياً لأية ارتدادات عكسية من جهة أخرى، ولعل ما حدث من لغط وجدل غير مسبوقين في قرار إعادة النظر بهيكلة الدعم مؤخراً، نتيجة عدم استناده على البيانات الدقيقة خير ما نستشهد في هذا المجال، ليتبين بالتالي أن الحكومة تعيش حالة التخبط لجهة تعاطيها غير المدروس مع هذا الملف الإستراتيجي.
في هذا السياق، يؤكد الدكتور حيدر أحمد عباس الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق أن القرارات المتخذة استناداً إلى معطيات محددة وبيانات رقمية لابد ستكون مختلفة عن تلك التي تتخذ بناءً على انطباعات أو عواطف أو مطالعات، مضيفاً: نحن كإحصائيين واقتصاديين، وحرصاً منَّا على ضمان تحقيق أقصى قدر من الدقة والسلامة عند صياغة أو اتخاذ أي قرار، نوجه باتباع سلوكياتٍ معينة وخطواتٍ مدروسة، فالاعتماد على البيانات سيُقلل من نسب الأخطاء التي قد نواجهها.
ولفت الدكتور عباس في تصريحٍ خاص لـ “البعث” إلى أن التخبط الذي حصل في قرار رفع الدعم عن بعض الشرائح، و”الشلف الذي رأيناه باستبعاد شرائح كبيرة من المجتمع”، ثم التراجع وإعادة جزء منه _ علماً أن الأمر لم ينتهِ بعد، لأن هناك نسبة من الأخطاء لا تزال قائمة _ كلها تدل على أن من اتخذ القرار لم يدرس البيانات التي يفترض أنه تم اتخاذ القرار بالاستناد عليها، موضحاً أنه يمكننا القول اليوم، بشكلٍ عام، وبعيداً عن الغوص في تحليل جزئيات القرار، أن التجاذب الحاصل بالتقدم والتأخر، والتراجع عن القرار، ولو جزئياً، يشير إلى وجود مطبات، وكان الأَولى في مثل هذه الحالات اتخاذ القرار بشكلٍ تدريجيٍ، حتى ولو كنَّا متأكدين من صحته، ثم إتباع الآليات الصحيحة واختيار الزمان المناسب لتطبيقه.. والأمر هنا لا يتعلق فقط بقرار رفع الدعم، بل يشمل أي قرارات أخرى بغض النظر عن طبيعتها.
وبين الدكتور عباس أن الإجراءات التي يجب اتباعها عند بدء أي عمل تتضمن، أولا، إجراء عملية استقصائية عن المجتمع، بالاستعانةِ بالسجلات ومصادر البيانات التي يمكن أن نحصل عليها، ومن ثم مقاطعتها، لأن كمية الأخطاء التي لُوحِظت عند تطبيق قرار رفع الدعم تُؤكد أن المعايير المتبعة معايير مختلة، والأخطاء الكثيرة التي وقعت تثبت صحة ما نقول، خاصةً تلك المتعلقة، على سبيل المثال، بالسجل التجاري، فتراجع الكثير من المواطنين وسحبهم لسجلاتهم التجارية هو خطأ ليس بحق القرار، وإنما بحق الاقتصاد، لأن البديهي تشجيع الناس على أخذ تراخيص لسجلات تجارية، وليس العكس، علماً أن عدداً كبيراً من المواطنين كانوا يستصدرون سجلات تجارية تسهيلاً لبعض الإجراءات، والبعض الآخر لم يستخدمها مطلقاً، وبالتالي فإن تراجع وسحب الكثيرين لسجلاتهم التجارية هو خنق للحركة التجارية، وليس بالضرورة أن يكون كل من امتلك سجلاً تجارياً تاجراً كبيراً، ما يثبت، بما لا يحتمل الشك، أن تلك المعايير هي معايير مشوشة. والأمر نفسه ينسحب على من امتلك سيارة، مع الإشارة إلى خسارة مئات الأشخاص لسياراتهم خلال سنوات الحرب، في حوادث كثيرة، كالسرقة أو الحرق؛ ولم يتمكنوا بسبب غياب المؤسسات في بعض المناطق، وضيق الحركة، من تسوية أوضاعها، لتبقى محسوبة عليهم، رغم تلفها وعدم استخدامها، أو حتى عدم قدرتهم على تحمل أعباء إصلاحها، ليتم رغم كل ذلك رفع الدعم عنهم.
وأكد الدكتور عباس أنه كان يفترض إعداد دراسة إحصائية ومقاطعة البيانات، ومن ثم التجريب على عينة عشوائية لا تتجاوز ألفي شخص “افتراضياً” على البيانات، الأمر الذي سيمكننا لاحقاً من معرفة نقاط الخلل وحصر الأخطاء التي قد نواجهها، واستدراك الهفوات ومعالجة الخلخلة. ثم، وبعد التأكد من تحقيق القرار لنسبة كبيرة من المصداقية والمنطقية، استصداره وتنفيذه، أو أن نعمد، على سبيل المثال، إلى ترتيب كل سكان سورية بملف واحد حسب ملكية السيارات وملكية العقارات والوظيفة والسجل التجاري، ومن ثم أخذ وقت كاف لدراسة حيثيات القرار بشكلٍ صحيح، وعرضه على مختصين، لتبقى التكلفة المادية الوحيدة لمثل هذا الإجراء الكهرباء التي استخدمناها عند دراسته، عوضاً عن اتخاذ قرار خاطئ بهذا الحجم في ظل هذه الظروف المحتقنة، و”تجريبه على البشر وخرب بيوت المواطنين”!! لتكون النتيجة خلخلة اقتصادية ومجتمعية وتهوراـ ولا مبالاة بمصائر الناس!!