مجلة البعث الأسبوعية

الأديبة د.ناديا خوست المرأة السورية تعلمت وحاربت في ميسلون وهي اليوم تتحمل ما لا تتحمله الجبال

البعث الأسبوعية- أمينة عباس

لا يمكن للحديث مع د.ناديا خوست بمناسبة عيد المرأة إلا أن يكون رحلة ممتعة عبر ذاكرتها الحية التي تختزن فيها شخصيات وتحتضن أحداثاً كان فيها للمرأة السورية الحضور الفاعل، في الوقت الذي لا يختلف فيه أحد على أن المرأة السورية هي سليلة جوليا دومنا وتيودورا وزنوبيا وماري عجمي ونازك العابد وعادلة بيهم الجزائري وألفت الأدلبي، والقائمة لا تنتهي، وتؤكد د.خوست في حوارنا معها أن المرأة السوريّة كانت وما زالت جزءاً من المجتمع، وهي الجزء المثقف والمتقدّم فيه لأن وجعها الكبير جعل وعيها أكبر، فهي الأم والزوجة والأخت والصديقة، وهي عملياً تكتنز هموم كل من حولها، وببساطة تدعونا خوست  لنتذكّر أمّهاتنا، فلولاهنّ ما كنّا على ما نحن عليه اليوم، فهنّ ضحّين ودفعننا إلى التعلم والثقافة والمعرفة والعمل، وهذا يعني برأيها أن أمهاتنا كنّ متُقدّمات على زمانهن: “نحن تربية النساء، فهن من علّمننا اللغة وأعطيننا الطّباع والتربية، سواءً كنا ذكوراً أم إناثاً” مبينة أنه من خلال الأم يتعلّم الأولاد كل ما يكتنزه المجتمع من مخزون ثقافة شعبية إلى جانب الثوابت الوطنية وثوابت وجدان الإنسان السوري، وكذلك العادات والتقاليد والأخلاق، فهذه القيم تورثها المرأة للأجيال: “إذا أردنا أن نعبّر عن المرأة بشكل مثالي ورومانسي لا نستطيع أن نقول إلا أنها أمّ الكون”.

علامات فارقة

وتبيّن الكاتبة ناديا خوست أن المرأة السورية فكرياً وسياسياً شاركتْ من أوائل القرن العشرين في الحركات الوطنية، وهي سبق وأن تعرفت على سيدات شاركن في الانتفاضات في فلسطين، كما التقت بسيّدة كانت تنقل الأسلحة من سورية إلى فلسطين، مشيرة إلى أن الحركة النسائية السوريّة في القرن الماضي أفرزت شخصيات نسائية كانت علامات فارقة في الحركة النسائية السوريّة مثل عادلة بيهم الجزائري وابنتها أمل وماري عجمي التي أسست مجلتها عام 1920 وأوقفتها عام 1925 لأنها رفضت أن تتعامل مع حكومة الانتداب، موضحة أن عجمي كانت تُنظّم ندوات ثقافية في بيتها، وكان أهم مثقفي وكتّاب ذلك الزمان يشاركون في هذه الندوات، يتحاورون ويتناقشون، في الوقت الذي كانت فيه أوربا والنساء الأوربيات في وادٍ آخر، منوهة د.خوست في الوقت ذاته إلى أن الكاتبة ألفت الإدلبي حدثتها ذات مرة أنها شاركت في بداية القرن بإحدى المظاهرات في ساحة المرجة بحماية من الكتلة الوطنية والسياسيين، في حين كان لدى ثريا الحافظ في الخمسينيات منتدى يشارك فيه أساتذة جامعات وسياسيون وشخصيات هامّة، إلى جانب أنها كانت تستضيف شخصيات من بلاد عربية.. إذاً من الناحية الثقافية والسياسية كانت المرأة السورية برأي د.خوست مشاركة فعّالة في المجتمع والحياة العامة، دون أن تخفي أن شهداء 6 أيار ومن أتى بعدهم من رجالات الدولة السوريّة عام 1920 طالبوا بمدارس للنساء، وهذا يعني أنه كان هناك توجه عام حول تعليم المرأة ومشاركتها في الحياة العامة.

حاربن في معركة ميسلون

تزدحم الأسماء النسائية التي شاركت في معركة ميسلون والنضال ضد المحتل الفرنسي في رأس ناديا خوست دون أن يغيب اسم عن ذاكرتها، فالقائمة تطول لأن المرأة السورية أبت إلا أن تكون  مناضلة إلى جانب الرجل دفاعاً عن الوطن، وذكرت على سبيل المثال نازك العابد التي وقفت جنباً إلى جنب في ميسلون مع وزير الحربية الشهيد يوسف العظمة وهي ترتدي البزة العسكرية برتبة نقيب ليستشهد إلى جوارها، وتذكر د.خوست أنها وبالصدفة وحينما كانت تعمل على حماية أحد البيوت في قبر عاتكة اكتشفت أن هذا البيت اجتمع فيه الثوّار لمقاومة دخول الجيش الفرنسي بعد إنذار غورو، وفيه التقت بسيّدة كانت طفلة حينها وقد حضرتْ هذا الاجتماع وأخبرتها عن كل تفاصيله وكيف أنه بعد معركة ميسلون قامتْ سيدّة ملقبة ببنت القضماني بنقل أسلحة الرجال الذين عادوا من معركة ميسلون إلى البساتين لتخبئتها، ثم قامت مع أخريات بإعادة هذه الأسلحة إلى الثوار.

المرأة السورية في قلب العاصفة

وإذا أرادت د.ناديا خوست القفز إلى فترة الحرب على سورية فالحديث عن دور المرأة السورية يطول برأيها، فهي كانت وما زالت في قلب العاصفة ولم تكن بمنأى عما يجري، مؤكدة أن هذه الحرب بسنواتها العجاف حمّلت النساء السوريّات العبء الأكبر من  نتائجها سواء كنّ أمهات أو زوجات أو أخوات أو بنات، وما زلن يتحملن الحمل الأكبر في مشاكل التدبير نتيجة الحصار الاقتصادي الذي اضطر المرأة لأن تعمل أعمالاً لا توافق عليها في الحالات العاديّة، مشيرة خوست إلى أنها إذا اتجهت إلى المنطقة الأخرى التي لا تسيطر عليها الدولة فالحديث عما تتعرض له المرأة ذو شجون لا تنتهي حيث تعرضتْ المرأة فيها للاغتصاب والخطف والعمل في الدعارة باسم جهاد النكاح في ظل غياب الأمن على النفس، كما تعرضت نساء كثيرات للقتل والذبح، وهن ملزمات بأوامر المجموعات المسلحة، فازدهرت تجارة النساء وقد التقت أحد الأشخاص كان شاهداً على هذه التجارة.

المساواة بين الرجل والمرأة

تبيّن د.ناديا خوست أنها ومنذ طفولتها لم تشعر أن الفتاة مختلفة عن الشاب، وقد تربت في بيت كان يحضُّ على التعليم والإيمان أن المستقبل هو للعلم، خاصةً وأن تلك الفترة التي عاشت فيها طفولتها كان هناك احترام كبير للعمل وللمتعلّمين، خاصة السيدات، لذلك درست في مدارس الدولة، وكانت محظوظة بأن معلّماتها كنّ من الجيل المتقدّم والمتعلّم الذي يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة مثل أمينة فرحات معلمة الرياضيات، وطريفة حمودة مديرة المدرسة، وأمل حقي خريجة الجامعة الأميركية، كما تذكر أن الشيخ علي الطنطاوي درّسها مادة اللغة العربيّة في الصف العاشر في مدرسة التجهيز العاشرة، وقد ذكر في مذكراته أنه منحها العلامة التامّة عن موضوع وصفته فيه وقد تنبأ لها أنها ستكون كاتبة.. من هنا ترى د.خوست أن هذه البيئة المنفتحة ساعدتْ على أن يعيش جيلها من النساء حياةً طبيعية دون شعور أنهن أدنى من الرجل، وعلى هذا الأساس ساهمن في المظاهرات ضد الأحلاف العسكريّة التي كانت تهدد سورية، وتربين في بيئة سورية منفتحة، تُحترم فيها المرأة من قبل الجميع، وقد قدمت خوست في روايتها “حب في بلاد الشام” صورة المرأة النموذج عبر صورة الجدات اللواتي مثلن المرأة المتنورة التي كانت مدركة لرسالتها في الحياة، ويؤسفها أن المرأة اليوم تعيش تناقضاً شديداً وهائلاً، فهي تتحمل وزر الحرب ومشكلاتها، وهي المُعيلة والركن الأساسي في الحياة، ومع ذلك يُنظر إليها على أنها أدنى من الرجل والمشكلة أنها هي نفسها لم تعد تحمل الشعور بأنها مساوية له وذلك بفضل التيارات الدينية المتخلفة التي أثّرت على النساء بشكلٍ أصبحتْ فيه المرأة تتبنى فكرة أنها درجة ثانية بعد الرجل، وأن الرجل مسؤول ووصي عليها، وتتعلم ذلك في المدارس من خلال حصص مادة الديانة والتي تركز على أن المرأة عورة ومتخلفة وتابعة للرجال، وهذا برأيها لم يكن موجوداً في السابق  حيث  التنوّر والحياة المدنية أعطتْ المرأة الشعور بأنها ندّ وإنسان.

الممثل في المقدمة

لا يمكن للكاتبة ناديا خوست الحديث اليوم عن المرأة المثقفة وحضورها، وتتساءل: “أين هو أثر الرجل المثقف الآن؟ هل يوجد أثر للمثقف في الحياة العامة؟” مبينة أن الثقافة دُفعت خارج التأثير في الحياة العامة منذ سنواتٍ طويلة حين وضع الإعلام الممثل في المقدمة وحين فُتِحَت البيوت للمسلسلات السخيفة والتافهة التي تُعلّم دونية المرأة وحين أُبعد المثقف الحقيقي وحين أصبح التأثير من خلال التمويل لكاتب السيناريو بعد أن أُبعِدَ الروائي والشاعر والقاص عن الحياة وحين أُبعد بفضل اقتصاد السوق أصحاب العقول وقُدّم إلى الواجهة التجار وأصحاب العقارات، وفي ظل هذه الظروف لم يعد العلم مهماً ولم يعد للمعلّم مكانته، وكذلك للكاتب والشاعر والروائي والمسرحي، ففي فترة التنور السابقة كان المسرح في قمة ازدهاره، أمّا اليوم فالدراما التلفزيونيّة الاستهلاكية هي التي تُسيطر على العقول ورسخت ما يُعرف بالمسلسلات الشاميّة حضور المرأة الضعيفة، وشوّهت الشخصية الدمشقية والسوريّة، لذلك فالمرأة الموجودة في هذه الأعمال لا تمتْ إلى الواقع بصلة.. من هنا لا تتحمل خوست مشاهدتها حتى لا تُفسد ذوقها ولا تشوه  ثقافتها.

 

تحمّلت ما لم تتحمله الجبال

وبمناسبة عيد المرأة تتذكر د.خوست أمها المرأة المتنورة التي تعلّمت في مدرسة تبشيرية وكانت تهتم بالسياسة، وكذلك خالتها التي عملت مع الوطنيين.. وللمرأة السوريّة تقول اليوم: “شكراً على كل ما قدّمتِه.. لقد تحمّلتِ ما لم تتحمله الجبال” وللشابة السوريّة تقول: “استخدمي عقلكِ دائماً ولا تصدقي كل ما يقال لكِ، وفكّري دائماً قبل أن تقرري واسمعي من يخاطب عقلك”. وتقول لهاوية الكتابة من خلال تجربتها: “الكتابة جهد وعمل وليست غنائيات، وهي عمل جدي ومتعب مستمر” لذلك تؤكد خوست أنها لم تكتب في يومٍ من الأيام دون أن يكون لديها مشروع مؤمنة بأن الكتابة دون مشروع مستحيلة.

د.ناديا خوست

حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من الاتحاد السوفييتي بعد حصولها على بكالوريوس الفلسفة من جامعة دمشق، وانتخبت عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب في دمشق عام 2000 حتى 2005 وفي مجلس اتحاد الكتاب العرب لثلاث دورات، عضو في اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وعضو في رابطة خريجي المؤسسات التعليمية الروسية، أسهمت في الدفاع عن الأحياء القديمة خارج سور دمشق، وخاصة حي سوق ساروجة وحماية بعض الأبنية التاريخية كمنزل الشهيد يوسف العظمة، وبيت فخري البارودي. واشتركت في مؤتمرات عربية وعالمية حول قضايا المرأة والسلام والكتاب.