“رصاص وقيصر”.. مجموعة قصصية بشكل مقالات
صدر عن دار أعراف للنشر والطباعة مجموعة قصصية بعنوان “رصاص وقيصر” للكاتبة رشا النقري، تضمّ في معظمها مقالات أدبية تتحدث عن الواقع بكل تفاصيله. وقد تناولت النقري في مجموعتها بعض القصص القريبة من الأدب الساخر بطريقة إبداعية ومنهجية جديدة في طرح المواضيع الاجتماعية، فكان العنوان الذي قصدته الكاتبة هو رصاص الحرب وما تركته من آثار سلبية، وقيصر هو ما فرض على بلدنا خلال الحرب من ضغوط اقتصادية ومعيشية لتبدأ رحلة المعاناة. وقد استطاعت الكاتبة بصورها البسيطة ومفرداتها التي امتزجت بالحزن والأمل، مواكبة الواقع عن قرب، ما جعلها تختلف في طريقة الطرح وإيصال الكلمة بنسيج من الخيال المرتسم بخيوط الفجر الحالم على عتبة الذاكرة المتأرجحة بين الألم والأمل. وهذا نموذج جديد للكتابة الإبداعية وإن جاءت تحت مسمّى مقالات، فكل مقال فيه فكرة وعبرة، وهنا تمكنت الكاتبة من صنع أدواتها الخاصة باستخدام أسلوب السهل الممتنع.
وفي مقطع من عنوان “اليأس خارجاً”، تعكس الكاتبة الحالة النفسية التي يعيشها الناس في زمن الحرب وحالة اليأس التي تتعايش مع واقعنا وتدعو لكسر تلك القيود المستعمرة وسط الزحام. وقد قصدت من وراء كتاباتها الحصول على الإبهار وإعطاء القارئ انطباعاً عن قدرتها المهارية في الابتكار والتعبير، فكانت جمالية الروح واضحة ومقنعة بجمال الفكرة والمعنى التقني والفني للقصة. وقد أجادت بخصوصيتها وهي تكشف عن آليات الخطاب المباشر لحالات اجتماعية وإنسانية وذكريات وإشارات كثيرة تحمل في التحديات والصراع الدائم بين الوجود والعدم،
وقد تناولت الكاتبة في مجموعتها هجرة الشباب نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية، فمعظم الشبان هاجروا إلى أربيل للعمل والحزن يكابد القلوب، فكتبت بعنوان “أربيل” والتي جاءت بطريقة السرد المباشر دون تكلف، وهي توصف الواقع الحالي وهجرة الشباب لإيجاد فرص عمل وتأمين متطلبات العيش رغم السفر الموجع والغربة، إلا أن الظروف الصعبة فرضت الواقع المرير نحو الهجرة.
وتعتمد الكاتبة أسلوب الخطاب عبر خصوصية البحث عن الرؤية الأدبية التي تنبثق في ظل المعنى والكشف عن تجليات مختلفة تنهض من خلالها للبحث والسؤال والجرأة في الطرح، فكثافة الأحداث جاءت متتالية مترابطة وكأنها أجزاء من مقطع موسيقي، وهذا يعطي الكاتبة إضافات جديدة في فن التصوير بحقبة زمنية معيّنة ونقلها بطريقة الاستهلال. وفي عنوان “حقيقة لابد منها”، عبّرت رشا عن الموت بطريقة فلسفية وإتقان وحرفية بديعة في السرد الأدبي، مرتبطة بالموقف والرؤية الكونية، وارتباطه بالذات، وقد حاولت الكاتبة المقاربة ما بين السرد القصصي والروائي في بعضها، ما يدلّ على حرفية الكاتبة في نقل الأحداث بطريقة توسيع المساحة زمانياً ومكانياً من خلال شخوص القصة.
وفي عنوان “طقوس”، اعتمدت النقري اختيار المظهر الخارجي، فالقصص تطرح نفسها وإن جاء بعضها بطريقة الإيحاءات التي تخدم القصة في طريقة طرحها من خلال الحالة الشعورية والإحساس المرهف والتأثر بالواقع فكانت الصورة صادقة شفافة. وقد تناولت الكاتبة عناوين كثيرة نذكر منها “لقاء مع بيكاسو” و”اهتمامات” و”الأمل بالعمل” و”بلا بطاقة” و”عودة مسافر” و”متسولون” و”كاتب معاصر” و”حمص منها وإليها”، وهي عناوين استطاعت الكاتبة أن تسرد لنا في كل منها قصة واقعية اجتماعية وجدانية إنسانية، فمن خلال كتابها أجادت بتوصيف حالات قد لا تبدو واضحة للعيان لتلقي الضوء عليها بإشارات رمزية غايتها التصحيح وإثارة الجدل في بعض القضايا الاجتماعية، فهي تشحذ النور لتضيء على تلك الحالات. وفي ختام المجموعة تناولت الكاتبة قصة بعنوان “سمر”، وهي قصة واقعية تتحدث فيها عن مدينة حمص في زمن الحرب، وكيف تغيّرت ملامحها وتهدمت بيوتها والكثير من أبنائها استشهد، ولم يبق سوى الذكريات المؤلمة.
في الختام، كتبت مجموعة “رصاص وقيصر” بأسلوب مشوق ومدهش، فكانت الصورة أصدق، وهذه المجموعة الثانية للكاتبة بعد مجموعتها الأولى بعنوان “البكاء دفعة واحدة”.
هويدا محمد مصطفى