ألمانيا في عين عاصفة حلفائها
ريا خوري
تركت الأزمة الساخنة بين روسيا وأوكرانيا أثرها الكبير على سياسات العديد من دول العالم، وكان من بينها جمهورية ألمانيا الاتحادية التي تعيش وضعاً خاصاً داخلياً وخارجياً بالغ الدقة والحذر، حيث نجد على المستوى الداخلي تكتلاً سياسياً جديداً لم يمر بتجارب أزمات دول، كما يحصل الآن، ولم يوضع في مواجهة تحديات عالمية كبرى. فالضغوطات الدولية كبيرة على المستوى الخارجي من طرف الشركاء في دول الاتحاد الأوروبي من جهة، ومن قبل الحلفاء في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بشكلٍ خاص من جهة ثانية.
ويمكن القول إن جمهورية ألمانيا الاتحادية شهدت خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من القضايا المهمة، منها مواجهة متصاعدة مع حلفائها الغربيين، بسبب رفضها الانخراط بشكل قويّ في الصراع مع جمهورية روسيا الاتحادية، وبالتالي فإنه وعلاوة على الانتقادات الحادة التي وجهتها لها القيادة السياسية الأوكرانية بسبب رفضها إرسال أسلحة إلى منطقة الصراع، قبل أن تتراجع عن موقفها السابق في الأيام الأخيرة وتقرّر إرسال أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا لتخفيف الضغط الإعلامي الهائل المسلط عليها، فإن الحلفاء الغربيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا، باتوا يعتقدون أن ألمانيا تشكل الحلقة الأضعف في الحلف، وأن تردّدها في تبني سياسة متشدّدة يشجع روسيا على مواصلة ما يصفونه بسلوكها العدواني، فيما يرى بعض المراقبين أن إمكانية انخراط ألمانيا في الأزمة الأوكرانية قد يُرسل رسائل خاطئة لجهة دعم ألمانيا لسكان غرب أوكرانيا الذين ساند بعضهم القوات النازية التي قادها أدولف هتلر، وكانوا يشكلون من الناحية التاريخية جزءاً خاصاً ممّا يسمى بمقاطعة غاليسيا التي تقع في أقصى غرب إسبانيا.
ونستطيع أن نخلص إلى أن تجربة جمهورية ألمانيا الاتحادية مع حلفائها الغربيين تجعلها تعي جيداً أن جزءاً كبيراً من التطورات التي تحدث حالياً في القارة الأوروبية يحمل العديد من الإشارات والدلالات التاريخية، لأن مصالح الدول الاسكندنافية، أي دول الشمال بقيادة السويد وهولندا، ما زالت مترابطة بقوة مع المصالح الأنغلوساكسونية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا. وما زال سلوك فرنسا السياسي قائماً على المزايدة والبلاغة الجوفاء، وعلى تحيّن الفرص، على ما هو عليه دون أي تحرّك. وهذه الوضعية الدولية والإقليمية الشديدة التعقيد هي التي تجعل القيادة الألمانية تحسب بدقة كل تحركاتها وتصرفاتها، قبل أن تتخذ قرارات متسرعة قد تعيدها إلى مربع المواجهة الساخنة مع إمبراطوريات الشرق المبهم والغامض!.