السياسة تفرض نفسها على الرياضة.. عقوبات جائرة والحلول تترك الكرة في ملعب روسيا
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيّون التضييق على روسيا بكل وسيلةٍ ممكنة، وما العقوبات الرياضيّة التي شُرّعت بغير حق إلّا تعريةٌ لكل الشعارات والمواقف المطالبة بإبعاد الرياضة عن السياسة وتنحية النزاعات الدولية عن الرسالة السامية للرياضة، فالمستعد للشيء تكفيه أضعف الأسباب، ولولا وجود نيّة مبيّتة لكل ما يقوم به هذا التحالف المزعوم لما شاهدنا هذا الانحطاط والازدواجية في التعامل، فالرياضة لطالما هدفت إلى إلغاء الحدود والفروقات بين الدول والشعوب، لكن ما يحصل حقيقةً هو العكس تماماً، فالتغيّرات السياسية هي التي كانت تنعكس في مختلف الميادين، فتتبدّل الفرق والمسابقات واللاعبون والانتماءات بسبب المصالح الجيوسياسيّة، وتعدّ التجربة الألمانيّة خير مثال لذلك، فقد انتظر الألمان أكثر من 40 سنة ليكون لهم منتخب موحّد مرة أخرى، يجتمع فيه شبّان من ميونيخ، شتوتغارت، دريسدن ولايبزغ لتمثيل المنتخب.
وربما تكون كرة القدم صاحبة الحصة الأكبر من الآثار السلبيّة للانقسامات السياسيّة، وما يحصل الآن ليس غريباً عن عالم الساحرة المستديرة، فأزمة البلقان في تسعينات القرن الماضي، أدت لظهور دول جديدة واختفاء أخرى، وذوبان دول في بعضها البعض، فظهرت معها منتخبات ودوريات ومسابقات جديدة، فماذا سيحدث لو استمرّ مفعول العقوبات على روسيا وطردها نهائياً من الاتحاد الأوروبي؟ بكل بساطة ستنضم إلى الاتحاد الآسيوي وتشارك في منافساته وتصفياته المؤهلة إلى كأس العالم، وسيكون لذلك انعكاس إيجابي على الكرة الآسيوية سواء رياضياً أو اقتصادياً، وسبق أن انضمت دولة من قارة أخرى للمنافسة في القارة الصفراء وهي استراليا، وذلك للاستفادة من فرص التأهل إلى البطولات الكبرى، ولكن على عكس بلاد الكنغر روسيا تطلّ على مساحة واسعة من القارّة الآسيوية وتربطها علاقة تاريخيّة مع بلدان الجوار.
وهذا لن يكون التغيير الوحيد الذي قد ينتج عن هذه العقوبات فهناك جانب تمّ إغفاله، وهو الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك عن أوكرانيا، فدونيتسك كما نعلم هي مدينة نادي شاختار دونيتسك المعروف، والذي اعتاد المشاركة في دوري أبطال أوروبا في السنوات الأخيرة، ومع عدم مشاركته في الدوري الأوكراني لن يستطيع المشاركة في دوري الأبطال، لأنه لن يكون ضمن دوري إحدى الدول التي تملك بطاقات المشاركة في المسابقة، ولن يكون أمامه حل سوى المنافسة بالدوري الروسي، وهذه الحال مشابهةً كثيراً لما ذكرناه سابقاً حول مطالبة سكان مقاطعة كتالونيا بالانفصال عن إسبانيا، وعمّا سيكون مصير فريق برشلونة والدوري الإسباني عموماً، واحتمال استبعاد برشلونة من دوري الأبطال، إذ لن تحصل مقاطعة كتالونيا في حال أعلنت استقلالها، على بطاقة للمشاركة في المسابقة، في السنوات الأولى للانفصال على الأقل، والأمر ينطبق على أقاليم أخرى إسبانية تطالب هي الأخرى بالانفصال كإقليم الباسك.
وتعدّ العقوبات التي طالت الرياضة الروسيّة هي الأبشع والأكثر تحاملاً، فحتى الآن، أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، بياناً جاء فيه عدة قرارات، من بينها عدم إقامة أي مسابقة دولية لكرة القدم على الأراضي الروسية، وتكون مباريات روسيا بأرضها سوف تقام على ملعب محايد ومن دون حضور جماهيري، كما أصدر الاتحاد الدولي والأوروبي لكرة القدم “يويفا”، بياناً مشتركاً، بإيقاف روسيا من المشاركة في البطولات الدولية لحين إشعار آخر، وهذا يعنى أن المنتخب الروسي لن يخوض مباراته في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022 أمام بولندا، مما يحرم الدب الروسي من المشاركة في مونديال قطر.
وكان من المنتظر أن يشارك سبارتاك موسكو في دور الـ 16 للدوري الأوروبي أمام لايبزيغ، ولكن بعد قرار يويفا بتجميد مشاركة الأندية الروسية، ودع سبارتك موسكو البطولة، وتأهل الفريق الألماني إلى ربع نهائي المسابقة، وسط اعتراضات من إدارة سبارتاك، ولم يقتصر الموضوع على كرة القدم، فقد قررت الاتحادات الرياضية القيام بالمثل، فاللجنة الأولمبية الدولية ستوقف الرياضيين الروس من المشاركة في البطولات المختلفة، كما قرر الاتحاد الدولي لكرة السلة إيقاف الأندية الروسية ومنتخب روسيا من المشاركة في بطولاتها، كما استبعد اتحادي الهوكي وكرة التنس لاعبي روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في البطولات.
كما تم تجريد روسيا من البطولات الرياضية على أرضها، أبرزها كرة المضرب وبطولة العالم للكرة الطائرة وجائزة روسيا الكبرى في الفورمولا واحد التي تحتضنها مدينة سوتشي سنوياً، فيما فسخ نادي شالكه الألماني عقد شراكته مع عملاق الغاز الروسي “غازبروم” على الرغم من أن العقد يدر على النادي ملايين الدولارات سنوياً.
لكن هذا لا يعني أن الأمور بهذه السلبيّة بالنسبة للرياضة الروسيّة أو الجمهوريات الجديدة(لوغانسك ودونيتسك)، فكلنا يذكر التجربة التشيكوسلافاكيّة ، ففي عام 1993، انقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين بشكل سلمي، هما تشيكيا وسلوفاكيا، ليختفي منتخب تشيكوسلوفاكيا الفائز ببطولة أمم أوروبا عام 1976، وما هي إلّا ثلاث سنوات حتى وصل منتخب تشيكيا بقيادة بافيل نيدفيد وكارين بوبورسكي إلى نهائي كأس الأمم الأوروبية، وخسر وقتها بصعوبة أمام ألمانيا بهدفين لهدف بعد تمديد الوقت الأصلي، وحتى لا نذهب بعيداً، من كان يسمع بالمنتخب الكرواتي وصيف بطل العام الحالي، وثالث مونديال 1998 في فرنسا، وهو الذي أبصر النور بعد استقلال كرواتيا عن يوغسلافيا عام 1991، والحال نفسه مع باقي منتخبات البلدان التي استقلّت عن يوغوسلافيا، فمنتخب صربيا والجبل الأسود شارك في مونديال 2006 في ألمانيا، وابتداء من عام 2007، أصبح هناك منتخب لصربيا وآخر للجبل الأسود، اللاعب ديان ستانكوفيتش المتوج في دوري الأبطال مع إنتر الإيطالي عام 2010، هو الوحيد في تاريخ الكرة الذي مثّل ثلاثة منتخبات مختلفة، هي يوغسلافيا وصربيا والجبل الأسود.