قرويّات من درجة سيدات أعمال
علي بلال قاسم
تشكّل “أم يوسف” بما تمتلكه من خصوصية ابنة الريف ذات “الأمبلاج” البسيط والمضمون المعتّق، إنموذجاً يقدّم الفلاحة بمعدن سيدة الأعمال الحقيقية التي تمارس العمل بفطرة واقتدار ربما يتطوّر على شريحة من يدّعون “البزنس” الموروث أو عند محدثي النعمة، وتتفوق حتى على ما اكتسبته امرأة المال المدني والمعاصر من شياكة ولباقة وبريستيج لم تتعوّد عليه نون النسوة المزارعة والناشطة في صناعة الفرص وإنتاج سبل ومقوّمات العيش المستور.؟
تقدّم ميادين ومواقع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية فرزاً غير منصف لأم يوسف وأترابها ممن يستحقون لقب صانعي ومفرّخي المشروعات بتصنيفاتها ودرجاتها من المتناهية إلى الصغيرة مروراً بالمتوسطة وانتهاءً بالمركبة التي تستحوذ عليها الحاضنات المعقدة في المدن ولا تعترف بقدرة بساطة الريف على حسن إدارتها ومسك زمامها.
في التجارب التي تخبّئها مساحات القرى وتسترها جبال ووديان وتلال البلدات والمزارع المترامية، ثمّة إنجاز من عيار النحت في الصخر وابتكار نشاط من لا شيء سوى ما يتيسّر من موادّ أولية ومقوّمات متواضعة في شكلها العام، ولكنها تشكّل “ذهباً” عند من يعرف كيف تؤكل كتف الحياة ويستخرج الرزق من فم “السبع” كما يقولون، فللاستثمار والتوظيف واستغلال الطاقات ناسه وأبناؤه الذين يقارعون وعورة الطبيعة ويعاندون صلابة البيئة لابتكار نجاح يبدأ حبواً تتفاخر بماضيها فيه دول صناعية كبرى على أنه كان النواة لعائلة أسّست لماركة عالمية أصبحت ضاربة ومزارع فلح في صياغة مجموعة اقتصادية باتت عملاقة؟!
لا يبدو الحديث عن أمثال أم يوسف ضرباً من القصصية الحالمة، فتلك المرأة التي تقصد أسواق المدينة فجر كل يوم لتفرد “حشائشها” الطبيعية البعلية، ورفيقتها التي تبسط الجبنة واللبنة والبيض والزيتون والشنكليش والكشك، وزميلتها في المهنة من ديار النباتات العطرية والطبية ونواتج المناحل، وأختها التي تصل تجارتها أبواب بيوت الزبائن لتبيع الحليب الطازج، وحتى الرفيقة المبتدئة التي تتعاقد مع ذوي النعمة للخدمة المنزلية، كلّهن سيدات عمل وصاحبات مشاريع صغيرة الكسب قطعن طرق الجغرافيا لتسويق ما تدرّه ورش البيت وحظائر الماشية وبساتين الأرض.
قد يظن بعضهم أن الريف يعتاش على أطراف المدن، ولكن الحقيقة تؤكدها قوافل النسوة ممن يشحنون منتجاتهم إلى الأسواق الشعبية ويستقدمون الخضار والفواكه لتحضيرها شبه جاهزة “لأسواق التنابل”..، ففي القلب الخدمي والتجاري محيط زراعي وإنتاج حيواني يبقي المدن حيّة، ووراء الكثير من المنشآت والمصانع الغذائية والنسيجية والحرفية عائلات وورش ريفية قوامها بقرة وقطيع غنم وبضع دجاجات وسكاكيب خضار وو…، كلها تعوّل عليها الخطط والبرامج الحكومية كثيراً لتؤسّس جداول وسواقي تصنع نهراً كبيراً من التنمية.