السوريون مولودون وحبالهم السرية موصولة بالآثار
حلب- غالية خوجة
التجول الميداني ضروري للإنسان، فما بالك عندما يكون كاتباً أو إعلامياً؟.
أحاول أن أختلس الوقت من الوقت والكتابة، وأمشي في شوارع حبيبتي حلب، لكنني لا أرتوي من هذا الفضاء الحضاري الذي يمنحنا مع كل خطوة حسرة على ما كان، وأملاً بما سيكون، وعملاً لا بد أن نقوم به جميعاً بتفانٍ، لكنني، لماذا ألاحظ أهالي حلب يحبون الدلال السلبي فيقضون نصف النهار نوماً، ونصف الليل سهراً، دون تنظيم للوقت والعمل والطاقة؟!.
وأحسب أن خرافة أمي وأبي التصقت بي دون علمي، لأنهما – رحمهما الله – اختارا أن يدفنا سرتي وحبلها في تربة جامعة حلب، حيث كان يعمل والدي منذ عام 1958، ولذلك، ربما، كتب القضاء والقدر عليّ أن يصبح العلم والشعر والمعرفة والثقافة حبلي السري الثاني!.
وهذا ما تشدّني إليه ذاكرتي وأنا أرى طلاب المدارس يتوافدون إلى القلعة وهم بمنتهى السعادة، يغنون القدود، يقرعون الطبلة “الدربكة”، يصفقون، يجلسون مع معلماتهم على سور القلعة، ويواصلون فرحهم المسروق من الظروف الحياتية الشاقة.
وعندما اقتربت من بعضهم وهم مشغولون بفرحهم، سألتهم: لماذا تزورون القلعة؟.
أجابني أحد الطلاب: لأننا نحبها ونعتز بها.
وتوقفت الموسيقا والأغاني قليلاً، لتجيبني المعلمة التي تضع القبعة فوق غطاء رأسها بابتسامة نابعة من القلب: رحلات مدرسية تعليمية وفنية وثقافية وسياحية، ونحن من مدرسة نزار قباني، بينما هناك مدارس أخرى متوزعة داخل القلعة وحولها، وما أجمل هذا اليوم المشمس لنتمتع به مع جولتنا بين الآثار القديمة.
ثم.. عاد الطلاب للغناء، شاركتهم قليلاً ومضيت مستذكرة كيف كانت مدرستنا (الغسانية للبنات) تهتمّ برحلات تجمع الطالبات مع المعلمات والمديرة في جو مفعم بالصداقة والاحترام، وكانت كل طالبة تدفع ليرة سورية واحدة بين مواصلات وطعام، سواء لقلعة حلب، أو متحف حلب، أو رحلات خارج حلب، مثل قلعة سمعان، لترسخ الأزمنة في نبضاتنا، كما تذكرت حواري مع المهندس الفنان أحمد الغريب الذي أكد أهمية الرحلات المدرسية ودورها في تنمية الإحساس العميق بالهوية والوطن والتأريخ والحضارة.
الطالبات والطلاب يعبّرون بطريقتهم الجميلة عن سعادتهم التي افتقدوها مع ما افتقدوا أثناء الحرب الظلامية على سوريتنا الحبيبة، ووجوههم تشعّ بالأمل كما تشعّ الشمس اللطيفة وهي تتخلل ضحكاتهم المزهرة العابرة للآتي، لتعزف هذه الضحكات مع الورود والأزهار والأعشاب الطالعة من خندق القلعة ترانيمها الأولى وهي تختلس الوقت من الوقت لتوشوشني: أبناء سورية مولودون وحبالهم السرية موصولة بالآثار الحضارية!.